شخصيات خالدة
ولد نقولا زيادة في 2 من ديسمبر 1907م في حي باب المصلّى أحد أحياء منطقة الميدان في دمشق، من أبوين فلسطينيين من الناصرة، وكان والده موظفًا في قسم الهندسة في الإدارة العامة لسكة حديد الحجاز التي كان مركزها دمشق. عاش طفولة سعيدة التحق في بداية تعليمة بمدرسة "الفرير" في دمشق، فكان أول معلميه من الرهبان الذين كانوا يعاملون التلاميذ الصغار بنوع من القسوة، لكنه بعد فترة انتقل إلى مدرسة إنجيلية أخرى تلقى خلالها تعليمه على يد معلمات لطيفات أنيسات، ولم تفارقه عناية والده؛ فكان ذلك سببا في تعلمه السريع للقراءة والكتابة. عند بداية الحرب العالمية الاولى، وكان عمره اذاك 8 سنوات، تم تجنيد والده للقتال في الجيش العثماني، وتم وضع والده مع آلاف الشباب في مراكز تجميع الجنود في انتظار إرسالهم إلى جبهات القتال؛ فتعرض والده خلال هذه الفترة للمرض ومات قبل أن يذهب إلى جبهة القتال اذ كانت الظروف صعبة للغاية. بعد وفاة والده عادت أسرته إلى الناصرة عام 1917م حيث يقطن خاله الذي تعهدهم بالرعاية. وما لبث أن قُتل خاله في انفجار قنبلة ألقتها طائرة بريطانية فاضطرت أمه للبحث عن العمل لاعالة العائلة ووجدت عملا في جنين فانتقلت الاسرة للعيش هناك. لم يلتحق نقولا بأي مدرسة في جنين لمدة سنتين لانعدامها هناك اذ استولى الجيش الالماني على المدرسة الوحيدة في البلدة لكنه عوّض عن ذلك بالمطالعة والتثقيف الذاتي فقرأ العديد من الكتب التي استعارها من جاره وفي عام1919 م تم افتتاح تم افتتاح مدرسة حكومية فالتحق نقولا فيها وعام 1921 م تم قبوله ليتعلم في دار المعلمين الابتدائية في القدس.تخرج نقولا من دار المعلمين بعد ثلاث سنوات فعمل لعدة أسابيع في مدرسة الناصرة (وكان عمره حينئذ 16 عاما) انتقل بعدها ليعمل مدرسا في ترشيحا (قضاء عكا) وعمل هناك سنة واحدة التحق بعدها للعمل في مدرسة في عكا عام 1925 ورغم ميله لتعليم الرياضيات تم تكليفه بتعليم التاريخ والجغرافيا وكان لذلك القرار تأثير على حياته اذ أعجبه موضوع التاريخ فقرأ كتبا في التاريخ. كما أنه تعرّف على بعض بعثات التنقيب عن الآثار الأجنبية في فلسطين التي كانت تقوم بالتنقيب في عكا وبيسان؛ وحرص على زيارة الكثير من المناطق الأثرية في فلسطين، وكان في بداية حياته يعتبر نفسه "مؤرخًا تحت التدريب"، ونشر في عام 1930م مقالا في مجلة المقتطف عن معركة مجدو.عام 1935م اختير لبعثة لدراسة التاريخ القديم في جامعة لندن وكان ذلك تحقيقا لاماله. قضى ما يقرب من 4 سنوات في أوروبا، منها حوالي 6 أشهر في جامعة زيورخ بألمانيا، والتي كان يفرض نظامها على الطالب أن يتعلم لغتين أوروبيتين بخلاف الإنجليزية، فاختار تعلم الألمانية والفرنسية القديمة، واستطاع الحصول على البكالوريوس عام 193م.وصدر أول كتاب له عام 1943م بعنوان "روّاد الشرق العربي في العصور الوسطى"، وحاول خلال تلك السنوات أن ينقل بعضا مما تعلمه في الغرب إلى طلابه من خلال محاضراته وكتبه.وفي عام 1947 م سافر إلى جامعة لندن مرة ثانية للإعداد للدكتوراة، وكان اهتمامه قد انتقل من التاريخ الكلاسيكي إلى التاريخ الإسلامي، وفي هذه الفترة كتب عددا من المقالات في المقتطف والثقافة وغيرهما، تتناول مناحي متعددة من تاريخ العرب. قضى نقولا في لندن عامين أعد خلالهما رسالة الدكتوراة عن "سوريا في العصر المملوكي الأول" وفي سنة 1950م قدّم الرسالة ونال الدكتوراة.وبعد احتلال فلسطين نزح نقولا إلى لبنان حيث التحق بالجامعة الأمريكية في بيروتفهيّن بداية استاذا مساعدا ثم عيّن استاذا عام 1958م وظل يدرس فيها حتى عام 1973م. بعد بلوغه الخامسة والخمسين تقاعد من الجامعة الأميركية، وأشرف في جامعة القديس يوسف - بيروت، على رسائل الدكتوراه في التاريخ العربي، حتى العام 1992. كما أنه درّس في الجامعة الأردنية لمدة سنتين(1976 - 1978م) عاد بعدهما إلى بيروت، عاملاً في الجامعة اللبنانية محاضراً ومشرفاً.لنقولا زيادة أكثر من 40 كتابا في التاريخ العربي والإسلامي وترجم العديد من كتب التاريخ من الانكليزية إلى العربية منها كتب لارنولد توينبي. وله ما يقارب 150 مقالا ومحاضرة ألقاها في مؤتمرات عربية ودولية. وقد تم جمع مؤلفاته الكاملة وأصدرت في 23 مجلدا.