مع الأحداث
أثبتت الحقيقة أن لا فائدة من أي مفاوضات دولية مع الكيان الصهيوني والعرب في موقف الضعف والتخاذل والاستضعاف، إضافة إلى أن خلافاتهم تتسع فجوتها يوماً بعد يوم، فيحاول العدو الصهيوني استغلالها لصالحه بطريقة أو بأخرى للتغلب علينا.* فمؤتمر “ أنا بوليس” الذي ذهب إليه ممثلو العرب ووفد السلطة الفلسطينية بقيادة “أبو مازن” بناء على دعوة رئيس الإدارة الأميركية السيد” بوش الابن” للجلوس مع وفد الكيان الصهيوني على طاولة المفاوضات الدولية للخروج بتصور عملي وصادق للتأكيد على إقامة دولة فلسطينية كحق مشروع للشعب الفلسطيني، وحسب ما وعد به السيد بوش خلال فترة ولايته المتبقية للإدارة الأمريكية، نفاجأ أن تلك الوعود لم تكن إلا رماداً في العيون أو بخاراً في الهواء، لأن التفاوض جاء في ظروف قاسية، ومناخ سياسي غير موات لخدمة القضية الفلسطينية، ولا يعزز من موقفها التفاوضي، وذلك نتيجة للخلافات السياسية الفلسطينية في المقام الأول، حيث أنشق البيت الفلسطيني ـ صاحب الحق الأول ـ بين أبنائه المناضلين إلى قسمين متناقضين، فاستفاد العدو من هذه الثغرة القائمة لمصلحته، وهذا ما جعل بوش الابن يتخلى عن وعوده السابقة في ضرورة قيام دولة فلسطينية هذا العام تتجاور بسلام مع دولة الكيان الصهيوني، ويحضر ذكرى النكبة الفلسطينية في إسرائيل للاحتفال بتأسيس الدولة الإسرائيلية التي مضى عليها ستون عاماً، فكانت رسالة مؤلمة ومهينة للكرامة العربية والحق الفلسطيني، مؤكداً أنه لا يمكن النظر في قيام الدولة الفلسطينية إلا بحال انقضاء ستين عاماً أخرى.* وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأخ/ علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية اليمنية كان أن تقدم بمبادرة سياسية إلى كل من قيادتي السلطة الفلسطينية ممثلة بشخص أبو مازن، وحماس وبقية فصائل العمل الوطني الفلسطيني الأخرى بغية رأب الصدع وإصلاح ذات البين بينهم حتى يتعزز موقفهم التفاوضي في محادثات السلام مع العدو الصهيوني، ويتحقق ما يمكن تحقيقه.إننا نتناسى أن المفاوض في أي مؤتمر دولي مهما أوتي من براعة في الكلام، وبلاغة وفصاحة في الخطابة لا يمكنه أن ينال ما يريد في المؤتمر بذلك وحده، والمعول الأساسي في المؤتمرات هو ما وراء المفاوض من قوة، والقوة تتضمن عناصر متعددة منها وحدة الصف والهدف، والقوة الروحية، وقوة الإرادة والنضال، والقوة العسكرية، والقوة الاقتصادية، وقوة الأصدقاء أو الحلفاء من دول أخرى، بعبارة ثانية إن الذي يتكلم في المؤتمرات هو ما وراء المفاوض من قوة تستطيع أن تنال ما لم يستطع المفاوض نيله بالتفاوض.* ولهذا ـ إذا ما عدنا بالذاكرة إلى الوراء ـ نجد أن العرب أضاعوا فلسطين المحتلة في 1948 عندما كانوا يقاومون التقسيم، وإيجاد دولة إسرائيل بقرار الأمم المتحدة غير المشروع، لأنهم اعتمدوا في موقفهم على البلاغة والفصاحة وإدلاء الحجج القانونية في أكبر مؤتمر دولي فيه يتقرر مصير بلاد وشعب، كما أن الأوضاع والظروف السياسية لم تكن مواتية لهم، لأن معظم الدول العربية كانت ترزح تحت حكم أجنبي، فلم يفدهم ذلك كله شيئاً، لأن النار لا تحرق إلا رجل واطيها.* فمتى نستفيد من دروس التاريخ؟!، ومعرفة أصول المفاوضات الدولية التي لا تعترف إلا بالقوة حتى تجعل كلمتك مسموعة في المؤتمرات الدولية، وحتى تنال مطالبك دون استعمال القوة، لأن القوة القادرة جاهزة ومستعدة وراء المفاوض.