قراءة في ديوان (( شرفة الأشواق)) للشاعر عبدالصمد عبدالجبار
د. زينب حزام ((شرفة الأشواق)) هو ديوان الشاعر اليمني عبد الصمد عبد الجبار، وقد بدا واضحاً في تجربته الشعرية هذه على اختلاف مشاهدها التي تحمل موقف الشاعر تفسه في مجتمعه. حتى يصبح لشعره صوت منفرد له صورته الموسيقية الخاصة. قد يصعب على القارئ لهذا الديوان جمع شتات تجار ب هذا الشاعر اليمني عبد الصمد عبد الجبار الغزير الإبداع على مدى طويل من الزمن. ولكن هناك تجارب في رحلته الشعرية ميرُتة عن غيره من الشعراء، أو يمكننا القول أن هناك تجارب ومواقف ثانوية أخرى لها طابعها الخاص. كانت تجارب الشاعر في ديوانه .((شرفة الأشواق)) عاطفية شديدة التوهج خالصة للحب أحياناً، ممتزجة أحياناً بنظرات الحياة أو تأملات في الكون وما يحيط به من طبيعة وبشر، قد يشوبها شيء من الضيق أو سوء الظن والتوجس لكنها في أغلبها صورة لوجدان هذا الشاعر الذي أحب وطنه ومجتمعه وعشق الطبيعة اليمنية بأشجارها وتاريخها وبطولات أبناء شعبه حيث يقول في قصيدته (شرفة الأشواق) :الهزار الحائر المكدود ....في الفجر ....أتاني ...نقر الشباك في صمت .. وطارا ...ثم عاد ..يحضن الأشواق ..في لهف العذارى ..يغمر الشرفة ..شجوا ...وترانيم حيارى ..ودنا منى حياء ...همسه كان شجيا ..أشعل الرغبة .. ناراً ..ذعر الصداح .. فيْ ..هاله شوقي .. وحزني .. خلف شباكي ... توارى قد رأى مني وفاء ...ومع مرور الزمن تنصرف هذه التجربة إلى وجوه جديدة من الحياة أشدّ صرامة، ومشاهد أكثر اختلافاً، فتخيم بالتدريج ملامح كانت خالصة للحب والصداقة والجمال، ويصبح كل ما كان من شجن رقيق أو مشاعر صادقة من قبل الشاعر أكثر تعلقاً ومحبة لمجتمعه .يقول الشاعر عبد الصمد عبد الجبار في قصيدته بعنوان ((غربة)) ليالي غربتي طالت ...بليل الصمت .. تطويني ... أصابعها تحطّمني ...وتعصف بي ... وتفنيني...عروقي في جائعة ... وهذي الكأس .. فارغة ...أناديها ...لترويني ...ربيع العمر .. تسحقه ...تهاو يم ..كأحجار البراكين ..غريب جئت للدنيا ..[c1]تحولات الحلم[/c]والحلم بارز في ديوان الشاعر عبد الصمد عبد الجبار وركيزة أساسية في بناء عبارته الشعرية، بتردد كثيراً مفرداً بلفظه أو مرادفه،و صوره الشعرية أحياناً تكون صورة مركبة أو مجسمة في بعض الأحيان كما نراها في بعض أبياته الشعرية في هذا الديوان .ولأن الحلم محاولة لاستعادة ماضي لا يمكن أن يعود أو استشراف لمستقبل لا يمكن أن يولد من حاضر شقي عقيم، يقترن في كثير من صور الشاعر بالمستقبل أو المحال.ففي بعض القصائد نجد الشاعر يصور بعض المشاهد الحياتية لمدينته وبجسد الحلم، ثم يدرك الشاعر أن الحلم المطلق وحده لا يكفي، فيبحث عن الدفء الطمأنينة فهي في الحقيقة دنيا لا تقل عن الواقع حزناً وظلمة ووحشة، ويصوّر الشاعر انسحابه المفروض وكأنه- فيما يبدو لأول وهلة - ردّ فشل التواصل العاطفي،لكنه في الحقيقة رمز لانقطاع الصلة بالناس وتكاد شخصيته المحبوبة في تردده بين (لا)و(نعم) تكون إشارة صريحة إلى الحياة نفسها - في قصيدته (( طائر الحب)) التي يقول فيها :-طائر الحب ... يغني ..فدعيه ..يسكر الليل.. بلحني ..واطلبي منه ..رجاء ..يشرب الخمر.. بدئي .. إنما لا تسأليه ..كيف غاب اليوم..عني ..فهو مكسور الجناح..متعب من فيض .. ظني ..فاعذريه..واحضنيه..لا تثيري فيه حزني .. ضمة منك .. ويمضي ..لاهثاً ..في البحث ... عني ..وتبلغ مأساة الشاعر غايتها إذا يقارن بين هواجس عالمه الداخلي الذي ارتدّ إليه،وشعوره السابق برحابة نفسه وحيويتها وتميزها عن الآخرين بالسمو على تفاهات الحياة ونزواتها العابرة، وبما تمنحه من نشوة غامرة حين يقود أليها- مختاراً مقصوراً، ليبوح ويتأمل وينطلق. والشاعر عبد الصمد عبد الجبار منذ بداياته الأول عُرف شاعراً حريصاً على ألا يطلق العنان لعواطف الصبا الجامحة لتعبر عن نفسها في نثار من الجمل الشعرية المشحونة بالأحاسيس دون رابط إلا من طبيعة التجربة الوجدانية العامة. والقارئ لهذا الديوان سيجد أن الشاعر يمتلك ثروة لغوية ويردد ألفاظاً بعينها تصل بتلك المعاني المحورية، ولكن الألفاظ لا تثبت على دلاله واحدة بل تتحمل دلالات متغيرة خلال تلك الأبنية القصيرة الموقعة حيناً أو في العبارة المركبة الممتدة حيناً آخر. وفي هذه المعاني نجد حواراً يدور حول الجفاف والجدب وذبول التواصل يمكن أن تكون رموزاً، وتصبح هذه الرموز ركيزة أساسية للقصيدة.يقول الشاعر العربي ((فاروق شوشة)) في مؤخرة هذا الديوان (شرفة الأشواق) عن الشاعر عبد الصمد عبد الجبار .(من أرض الشعر .. يجيء هذا الصوت الشعري الجديد. من خلال رحلة شعرية حافلة وانتهاء بالجيل الذي يمثله شاعر هذا الديوان بقصائده التي تحمل صدى معاناة حارة يخوضها الشاعر مع نفسه بحثاً عن صوته المميز.. وتأكيداً لهويته.. وسماته الخاصة بدءاً بأصوات تراثنا العربي . وانتهاء بأصوات المعاصرين من حوله.. وشاعرنا يملك من الإخلاص لفنه.. والعكوف على انضاج أدواته.. وتعميق تجاربه وثقافاته ما يجعل منه أحد أصوات الحساسية الشعرية العربية الجديدة.ونغمة في حداء قافلة الإنسان العربي .. تضيف بقدر ما تتمايز، وتؤثر بقدر ما تعمق جذورها في أرض الحكمة والواقع