الحاج محمد مدبولي صاحب أشهر مكتبـــــــة في الوطن العربي يتحــــــدث لــ :14اكتوبر
لقاء/ محمد زكريافي ميدان طلعت حرب في قاهرة المعز ، التقيت الحاج محمد مدبولي صاحب أشهر مكتبة في الوطن العربي من الخليج إلى المحيط يعرفها الداني القريب ، والقاصي البعيد والتي تصب فيها عصارة الفكر الإنساني ، و تضم أرففها مختلف التيارات الثقافية والفكرية من سياسة ، وأدب ، واقتصاد ، واجتماع وغيرها من الفنون المتنوعة موضوعة ومرصوصة جنباً إلى جنب بصورة متناغمة ومتآلفة ومتناسقة تدل على حرية الفكر بأوسع معانيه أو بالأحرى تجسد شعار الرأي والرآي الآخر تجسيداً حياً وصادقاً دون تعصب . ولسنا نبالغ إذا قلنا أن مكتبة مدبولي تعد علماً من أعلام الحياة الثقافية في مصر أو وجهاً من وجوهها الثقافية . ولا نبالغ إذا قلنا أنك إذا لم تزرها ، فإنّ زيارتك لمصر تكون منقوصة نظرًا لكونك لم تر جانباً من جوانب معالمها الثقافية والإبداعية الحقيقية . فمنذ أكثر من نصف قرن مازالت مكتبة مدبولي تؤدي رسالتها المقدسة وهي نشر الثقافة ، والفكر على نطاق واسع في محيط الوطن العربي . ولسنا نبالغ إذا قلنا أن مكتبة مدبولي ـــ بحق ــــ صارت أشبه بمدرسة أكاديمية تخرج من عباءتها الكثير والكثير جدًا من المثقفين ، والمبدعين ، والمفكرين العرب الذين صاروا نباريس في عالم الفكر والإبداع العربي . [c1]مع الذكريات[/c] وقبل الدخول إلى مكتبة مدبولي ، تلفت يمنة ويسرة إلى ميدان طلعت حرب والمباني العالية ذات الطراز الأوروبي المطلة عليه والمحيطة بها من كل مكان ، مستحضرًا ذكرياتي في القاهرة التي عشتها وعايشتها أكثر من ربع قرن من الزمان والتي مازالت منحوتة في عقلي ، وقلبي ، ووجداني . وعندما بدأت أخطو خطواتي الأولى إلى جامعة القاهرة في فجر السبعينيات ( 1970م ) وجهت شطري نحو مكتبة مدبولي لأزيد من غلة محصولي الثقافي . وتراءى أمام عيني الكشك الخشبي المتواضع القابع في رصيف ميدان طلعت حرب والذي يواجه المكتبة حاليا وبجانبه الحاج محمد مدبولي ، والراحل أخيه الأصغر أحمد وهما يتحدثان مع عددٍ من كبار الكتاب والأدباء بلباقة من ناحية والقراء تدور أعينهم على الكتب المفروشة بجانب الكشك من ناحية أخرى .[c1]مـــــزار العشـــــاق [/c]وكنت أرى كتبا موضوعة ومرصوصة على أقفاص صغيرة من الخشب شبيهة بأقفاص الأوطــة ( الطماطم ) التي تسمىَ ( الفرشة , البسطة ) . و كان المهتمون بالقراءة ينجذبون إلى تلك الكتب بجانب الكشك كانجذاب الفراشات إلى الضوء ، وكنت ألاحظ بعض القراء يقلبون صفحات الكتاب بسرعة ، والبعض الآخر يقرأ عناوينها ، والآخر يقرأ صفحة من صفحات الكتاب بإمعان شديد . ويشد انتباهك أن من بين هؤلاء القراء ، عدداً من المثقفين ، والكتاب ، والأدباء والشعراء ، والمبدعين ، والمفكرين الذين يشار إليهم بالبنان في الحياة الثقافية المصرية . ولا نبالغ إذا قلنا أنّ مكتبة مدبولي باتت مزار عشاق الكلمة المقروءة . لقد شاخت الأيام والشهور والسنون ، وتعاقب الليل والنهار ، والمكتبة مازالت محتفظة بحيويتها ، ونضارتها وشبابها المتجدد أبدًا ، هامتها دائما مرتفعة كالطود تلثم سماء الفكر الإنساني . وعلى أية حال ، دخلت المكتبة ، ووقع نظري على شخص يرتدي ( جلباباً ) مصرياً أصيلاً من لباس أولاد البلد لونه أزرق داكن . وقد غزا الشيب مفرقه فمنحه الهيبة والوقار ، وقد نحت الزمان على وجهه المستدير الطيب أخاديد غائرة أو قل إذا شئت لقد طفت التجاعيد على سطح وجهه ، ويحمل على كتفيه قرابة 70 عاما من العمر ، ولكنها سنوات مليئة بالخبرة والتجارب الطويلة مع الصحف والكتاب أو مع الكلمة المقروءة . ورغم هذه السنين الطوال التي يحملها على كتفيه، فقد كانت الحيوية والابتسامة تغطيان وجهه . وفي داخل المكتبة رأيت عددًا من الأشقاء العرب من الكويت ، عمان ، والبحرين يتجولون في أرفف المكتبة وبعدها يتوجهون نحو الحاج مدبولي يصافحونه بحرارة ، ويتبادلون التحيات والسلامات ، والنكت ، ويتكلمون معه بلهجتهم الخليجية اللذيذة ، وأصوات ضحكاتهم تجلجل خارجة من اعماق القلب ، وهو يرد التحية بأحسن منها ، ويذكر بعضهم بأسمائهم . [c1]على شط النيل[/c] وكان من الصعوبة بمكان في ظل هذه الأجواء المزدحمة برواد المكتبة أنّ أجري حديثا صحفياً مع الحاج محمد مدبولي . وكان لابد أنّ انتزعه من أحضان جمهوره ومحبيه ومعجبيه , وكتبه ومكتبته . وجلسنا ( أنا والحاج مدبولي ) في إحدى الكازينوهات الجميلة الهادئة المحاطة بالخضرة على مدى البصر المطلة على نهر النيل الخالد الشريان الحيوي لمصر . تحدث الحاج محمد مدبولي عن مشواره الطويل المليء بالحياة الصعبة والشاقة حتى وصل إلى ما وصل إليه في عالم الكتب ، وكيف صار محور حياته ، وأصبح مرتبطاً به ارتباطاً أزلياً ؟ . وكيف أسس مكتبة تقف في مصاف المكتبات العربية الكبرى بل تفوقت على الكثير منهما ؟ . وتحدث أيضا عن بعض الجوانب الإنسانية في حياته لم يتطرق إليها في بعض الصحف العربية. وفي ما يلي نصه : [c1]والــــــدي[/c]أجاب الحاج مدبولي : قبل الحديث عن البداية أو البدايات الأولى مع مزاولة بيع الصحف ، أحب أنّ أشير إلى شيء مهم في جانب من جوانب حياتنا التي لا يعرفها أحد وهي أنها كانت حياة صعبة وشاقة للغاية أو قل إذا شئت ، كانت تعيسة . كان الفقر والفاقة يعصفان بنا أنا وأخي الصغير أحمد الذي أكبره بعامين ــــ رحمه الله ــــ والذي أعتبره توأم روحي . وعندما رحل عن دنيانا ، شعرت أن في داخلي شيئاً أنطفأ ومات . ويمضي الحاج مدبولي ــــ ولمحت في عينيه حزناً عميقاً ـــــ في حديثه : كان والدي ــــ رحمه الله ــــ من سوهاج , ــــ دون تعصب ـــ وسوهاج مثلها مثل مدن الصعيد تعد مصنعاً للرجال نظرًا للحياة الصعبة التي كان يعيشها أهلها حينئذ . وكان والدي من نوع الآباء الذين يمزجون بين الشدة والرحمة في الوقت نفسه و كان يلقي بنا في أتون الحياة لنكون أقوياء أشداء نستطيع مواجهة المشاكل بأنفسنا . يضيف : ولكن عندما نكون مجتمعين ( أنا وأخي أحمد ) في بيتنا المتواضع جدًا ونجلس معه ، كان يغمرنا بالحنان الدافئ الذي يعوضنا عن فقرنا ، وصعوبة ومشاق الحياة . ويسترسل : صحيح أنّ والدي كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ولكنه كان شعلة من الذكاء وله ذاكرة حادة وقوية أو قل إذا شئت ذاكرة مبصرة يرى شكل الصحيفة فيعرف اسمها على الفور . وفوق ذلك كان لديه حس تجاري عميق . وكان والدي يزاول بيع الصحف منذ صغره ،أي تشرب التعامل معها منذ زمن طويل . وقد كان يعرف اسماء الصحف السيارة أو اليومية والمجلات الأسبوعية ، والدوريات التي تصدر كل شهر أو كل ثلاثة أشهر التي كانت تصدر في فترة الأربعينيات حينئذ - عن ظهر قلب . [c1]القاهــــرة(40) [/c]ويسترسل الحاج مدبولي : وكما هو معروف كان المناخ السياسي في الأربعينيات بمصر يعيش في حالة من الفوران والغليان أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة . وكان طبيعيا أن ّ ينعكس ذلك على الصحف والمجلات سواء المعارضة أو الحكومية وتصير تلك الصحف لسان حال التكتلات والأحزاب السياسية , كذلك القوى السياسية المستقلة موضحة آراءها ومبادئها للشعب ، فكان من الطبيعي أن تحتل الصحف المكانة الأولى في الحياة الإعلامية في تلك الفترة أو بعبارة أخرى تكون سيدة الموقف في الشارع السياسي وإزاء ذلك كان لها انتشار واسع بين الناس على تباين طبقاتهم ، ومشاربهم السياسية . ويستطرد : والجدير ذكره ، كان هناك أعداد كبيرة من الأجانب ( أي الخواجات ) الذين كانوا يسكنون الأحياء الراقية . وكان أيضا يسكن إلى جانبهم في تلك الأحياء الراقية من القاهرة إلى جانب الباشوات ، وطبقات أولاد الذوات أي أولاد الناس الأغنياء ، وأشهر تلك الأحياء في فترة الأربعينيات كان حي ( جاردن سيتي ) ، الذي كانت تقع فيه السفارة البريطانية التي كانت صانعة القرارات السياسية الحقيقية في مصر ـــ حينئذ ــــ والتي كانت تعز من تشاء وتذل من تشاء في تلك الفترة التاريخية من حياة مصر السياسية , وبعده حي ( الزمالك ) . وفي تلك الأحياء الراقية ، كان والدي يبيع الصحف الأجنبية والمصرية الذائعة الصيت . ومع مرور الأيام ، صار والدي مشهورًا في تلك الأحياء الراقية من مصر ، ولم يزاحمه أحد من بائعي الصحف فيها , وصار له صبيان يعملون لحسابه في توزيع الصحف في تلك المناطق .[c1]رحلتي مع الصحف[/c]* وأعود مرة أخرى لسؤالك عن كيف بدأت أزاول مهنتي في بيع الصحف ؟ .** وقبل أن يجيب توقف الحاج مدبولي عن الكلام برهة ، ونظر إلى أمواج مياه النيل وهي تتماوج بدلال ورقة وتجري بعضها وراء بعض ، ثم قال : كانت عمري يومئذ عشر سنوات ، وأخي أحمد عمره تقريبا ثماني سنوات ، وفي هذا السن اصطحبنا والدي معه لنبيع الصحف . وأول تجربة لنا ( أنا وأخي أحمد ) في بيع الصحف ، كانت في فندق سميراميس المطل على نهير النيل أشهر الفنادق ـــ حينئذ ــــ في القاهرة. وكان الفندق يغص بالساسة , والقادة العسكريين البريطانيين الكبار نظرًا إلى أنّ مصر في تلك الفترة خرجت توًا من أجواء الحرب العالمية الثانية ــــ كما قلنا سابقا ً ــــ , وكان الفندق أيضا يمتلئ بالساسة المصريين المشهورين في ذلك الوقت ، وكنا ( أنا وأحمد ) نذهب في الصباح الباكر إلى فندق سميراميس ومعنا الجرائد المصرية ، والمجلات الأجنبية ، وندخل بهو الفندق ، ونلف على رواده ، وسرعان ما تتخطف الأيدي الجرائد الأجنبية والمصرية منا ، ومع الوقت أصبحنا ( أنا وأحمد ) معروفين بين رواد الفندق وأصبحوا ينادوننا بالاسم - وطبعت على وجه الحاج مدبولي ابتسامة خفيفة ، وتنهد بصوت خافت ـــ : والله كانت أيام جميلة لا تنسى رغم صعوباتها . “ ليت الشباب يعود يوما “ . [c1]ازدهار الصحف[/c] ويسترسل الحاج مدبولي : وبعدها ينقلنا والدي إلى شارع قصر النيل وفيه أشهر محل حلويات في القاهرة بل في مصر كلها ـــ حينئذ ـــ وهو محل جروبي الذي كان يجتمع فيه أرباب المناصب الكبرى والشخصيات السياسية الخطيرة التي كان لها وزنها الكبير على مسرح السياسة المصرية في تلك الفترة التاريخية مثل نحاس باشا زعيم حزب الوفد , والنقراشي باشا وغيره من زعماء الأحزاب الأخرى . وفي محل جروبي ، كنا نبيع الصحف الأجنبية والمصرية ، وكانت أشهر الصحف المصرية في ذلك الوقت صحيفة “ المصري “ لصاحبهـــا أبو الفتوح بسبب جرأتها على فضح مكائد القصر ضد حزب الوفد على وجه الخصوص والأحزاب المعارضة عموما و بسبب ذلك كان يتهافت عليها الساسة المصريون فضلا ً عن فئات كثيرة من المصريين المهمومين بقضايا بلادهم الوطنية ، ومن الصحف المشهورة أيضا صحف “ الوفد “ ، “ الإخوان المسلمون ، “ والأخبار “ لمصطفى أمين وعلي أمين .ويضيف : والحق يقال ، كان هناك ازدهار حقيقي في الصحف سواء كانت من صحف المعارضة أو صحف الحكومة في الساحة المصرية ، نظرًا لكثرة الأحزاب التي ظهرت على سطح مصر السياسي ويسترسل الحاج مدبولي : ومن بيع الصحف تعرفت على ملامح الحياة السياسية في مصر أو بعض منها . وكيفما كان الأمر ، لم تمض شهور قليلة حتى صرنا ( أنا وأخي أحمد ) معروفين في كثير من الأحياء السكنية الراقية أو الأجنبية أو في شارع فؤاد أو قصر النيل . ولقد ذكرنا في السابق بأنّ حياتنا المعيشية كانت غاية في الصعوبة تصل إلى درجة الفاقة ، وكان والدي يبذل من عرقه وصحته ، وجهده , ووقته لينشل أسرته من هاوية قيعان الفقر إلى سطح الحياة الكريمة والنبيلة . ويستطرد الحاج مدبولي لقد قلت في السابق أنّ الوالد رغم أنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب إلا ّ أنه كان لديه ذهن متقد في بيع الصحف أو بعبارة أخرى كان لديه حس تجاري رائع ، وهذه الخبرة التجارية نقلها إلى ابنيه ( أنا وأحمد ) وأفادتنا في حياتنا العملية كثيرًا , وكانت من نتائجها تأسيس مكتبة كبيرة معروفة على مستوى مصر والوطن العربي , وأصبحت لهذه المكتبة دار نشر كبرى تنشر لكبار المؤلفين والمفكرين والمبدعين في داخل مصر والوطن العربي على تباين مشاربهم الثقافية والفكرية . وهذا كله بفضل الله ثم بفضل والدي رحمه الله . [c1]صور إنسانية[/c]ويقول الحاج محمد مدبولي عن الفوائد التي عادت عليه من بيع الصحف سواء السيارة منها أو الأسبوعية أو الدورية في صغره أنها علمته التحلي بالصبر ، وأنّ يكون حاضر البديهة ، سريع الحركة ، وأنّ يتعامل مع الناس بأخلاق فاضلة. ويمضي في حديثه : وأحب أنّ أستعيد بعض الصور الإنسانية المهمة التي مازالت مطبوعة في عقلي وقلبي وهي أننا ( أنا وأخي أحمد ) كنا نخرج في وقت مبكر جدًا أو عند بزوغ الفجر من البيت ، دون أنّ نتناول الفطور أو حتى نضع لقمة سريعة في أفواهنا. ويشتد وطأة عذابنا خصوصاً في الشتاء القارس فالرياح الباردة تنهش أجسامنا الصغيرة الضعيفة الهزيلة ، والجوع يمزق أمعاءنا ، والوقت يداهمنا لبيع الصحف في وقت مبكر قبل الآخرين ، كنا دائما ( أنا وأحمد ) في سباق مع الزمن. كل هذه الأمور رغم قسوتها ، علمتنا الصبر على مواجهة الصعاب بقلوب قوية ثابتة . ويسترسل الحاج مدبولي : أذكر أنه في يوم من الأيام وأنا وأخي أحمد كنا نبيع الصحف والمجلات في محل الحلويات في جروبي المشهور ــــ الذي ذكرناه سابقا ًــــ ، كان الجوع يفتك بأمعائنا ، ونشاهد قطع ( الجاتوه ) الحلوى بمختلف أنواعها وأشكالها موضوعة على الأطباق ، والناس يلتهمونها بلذة ، وبجانبهم فنجان الشاي الساخنوالدخان ينبعث منه . تلك المشاهد بذرت في نفوسنا الصغيرة الصبر وأن نمضي في طريقنا إلى الأمام مهما كانت قسوتها لنحقق النجاح في مجال عملنا وهو بيع الصحف ، وتحقق ذلك بالفعل . [c1]قطـار الصـحافة[/c]ويمضي الحاج مدبولي في حديثه : وكان طبيعيا أنّ يتسع نطاق عملنا في بيع الصحف في العديد من الأحياء السكنية الراقية في القاهرة ، ومع مضي الوقت صار لوالدي صبيان كثر ـــ كما ذكرنا في السابق ــــ يعملون تحت إمرته في بيع الصحف ويتوزعون في عددٍ من الأحياء المهمة في القاهرة . وتحول والدي من بائع صحف إلى موزع صحف كبير على الأكشاك والمكتبات والباعة الصغار الجوالين في شوارع وأحياء القاهرة . وكان طبيعيا أنّ نكون بجانب والدنا في توزيع الصحف والمجلات ومن هنا اكتسبنا خبرة ( أنا وأخي ) في عملية التوزيع ، وتعلمنا من عملية التوزيع دقة المواعيد واحترامها ، لنكسب ثقة العملاء ، وكان ذلك بالفعل ، فقد اكتسبنا سمعة طيبة بين موزعي الصحف وإزاء ذلك اتصلت بنا العديد من الصحف المشهورة الصادرة في القاهرة بأنّ نكون الموزعين والوكلاء الرسميين لهم وأخذت دائرة عملية التوزيع تتسع شيئًا فشيئًا حتى صرنا نوزع في عددٍ من المدن المصرية كمدينة الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط . ويستطرد الحاج مدبولي : وأتذكر أني كنت أركب في كثير من الأحيان القطار المتجه إلى الإسكندرية الذي يتحرك الساعة الثانية فجرًا من محطة مصر وعلى متنه أعداد ضخمة من جريدة الأخبار وغيرها من الصحف المشهورة آنذاك وذلك لتوزيعها في الوقت المناسب دون تأخير . وكان يطلق على هذا القطار قطار الصحافة . [c1]حكايتي مــــع الكتــــــاب[/c]* كيف كانت حكايتك مع الكتاب بعد أن كان عملك منصبا لمدة طويلة على بيع وتوزيع الصحف ؟ ** هناك عدة أسباب ساعدتنا وهيأتنا للتعامل مع الكتاب والارتباط به بصورة دائمة ليصير محور عملنا ومهنتنا الرئيس في المكتبة حتى هذه اللحظة، أستطيع أن أوجزها على النحو التالي : قيام ثورة 23 يوليو سنة 1952م فمنذ تلك الفترة أخذت الجاليات الأجنبية الضخمة التي كانت تعيش في مصر تخرج منها بأعداد كبيرة . وعلى وجه الخصوص بعد قيام العدوان الثلاثي سنة 1956م على مصر ، زادت حدة نزوح الجاليات الأجنبية ( أي الخواجات )منها . فكانت الكثير من الجاليات الأجنبية تبيع مكتباتها المنزلية المحتوية على كتب قيمة بأسعار زهيدة للسفر خارج مصر . ويضيف الحاج مدبولي : في هذا السياق أذكر أنّ إحدى الأسر اليونانية باعت لي مكتبة ضخمة بمبلغ زهيد وهو 50 قرشا ً . وعلى مدى الأيام والشهور تكوّنت لدينا كتب متنوعة في شتى مجالات الفنون بسبب شرائنا من مكتبات ( الخواجات ) ــــ كما قلنا سابقا ً ــــ . وكان من الضروري أن يكون لدينا مكان نعرض فيه تلك الكتب لبيعها ، وأنّ يكون ذلك المكان في موقع مهم في السوق ، فكان ميدان طلعت حرب ، حيث استأجرنا ( فرشة أو بسطة ) من بلدية القاهرة وأقمنا بجانبها كشكاً خشبياً متواضعاً على رصيف ميدان طلعت حرب ( سليمان باشا ) ـــ سابقا ً ـــ ووضعنا الكتب على أقفاص الطماطم وعلى أية حال ، وضعنا على ( الفرشة ) الكتب المتنوعة سواء العربية أو الكتب الأجنبية كالإنجليزية ، والفرنسية في مختلف العلوم الإنسانية وفروعها . ومنذ ذلك التاريخ صرنا نتعامل مع الكتاب وأصبح جزءاً لا يتجزأ من نسيج عملنا التجاري الأساسي بل ومن شخصيتنا . [c1](بحبك يا لبنان) [/c] ويستطرد الحاج مدبولي : والحقيقة أنّ تعاملنا مع دور النشر العربية جاء من لبنان . وكما هو معروف ومشهور عن الشعب اللبناني أنه يتميز بالثقافة الواسعة نظرًا إلى أن لبنان بلد مفتوح على كافة التيارات الثقافية سواء العربية أم الغربية منذ التاريخ البعيد . والحقيقة ، كنت أرغب أن أجلب كتبا ذات عناوين جديدة في مختلف العلوم الإنسانية إلى المكتبة بهدف أن يطلع القارئ المصري على المؤلفات الجديدة من ناحية وأنّ تكون ( مكتبة مدبولي ) متميزة على المكتبات الأخرى في مصر من ناحية أخرى . وكيفما كان الأمر ، لقد هيأت لي الظروف السعيدة أنّ التقي بعدد من وكلاء دور النشر اللبنانية في القاهرة . وكما هــــــو ومعروف أنّ لبنان يعتبر رائد النشر في الوطن العربي . فقد اتفقت معنا عدد من دور النشر في بيروت على تزويدنا بالكتب في مختلف وجوه الحياة الثقافية ، والفكرية ، والإبداعية وإرسالها إلى القاهرة وذلك مقابل دفع قيمتها بالعملة المحلية أي بالجنيه المصري هنا ، حيث لم يكن يسمح بإخراج العملة الأجنبية خارج مصر حينذاك . ويستطرد : وجراء هذه الكتب الجديدة التي زودتنا بها بيروت صار كشك مدبولي محط إقبال جمهور كبير من القراء المتعطش لقراءة كل ما هو جديد ومفيد في العلوم والمعارف المتنوعة . ويواصل حديثه ـــــ وبنبرة فيها نوع من التحدي ــــ ، قائلا : ، سيظل الكتاب سيد الموقف في الحياة الثقافية والفكرية والإبداعية رغم أنف غزو القنوات الفضائية . ويستطرد الحاج مدبولي : ومن خلال تعاملنا المستمر مع دور النشر تعرفنا على العديد من المؤلفين والمبدعين اللبنانيين الكبار و صارت مؤلفاتهم معروضة لدينا ، وأصبح الكثير منهم معروفين على الساحة الثقافية المصرية. وكان الكثير من هؤلاء الكتاب ، والأدباء ، والمفكرين اللبنانيين يشعرون بغبطة كبيرة لأن مصر ، كانت ومازالت نبض الوطن العربي , وأنّ نتاجهم الفكري ، والإبداعي سيقرؤه أكبر قاعدة من القراء . وكيفما كان الأمر ، سأظل أكن للبنان ولثقافتها المنفتحة كل حبي وتقديري الكبيرين .[c1]مصادرة الكتب [/c]*هل صحيح أنّ الحاج محمد مدبولي ، تعرض في عهد مصر (عبد الناصر) إلى مضايقات إزاء الرقابة الشديدة من الجهات الأمنية وتحديدًا من المخابرات المصرية على الكتب الممنوعة التي كان يعرضها في ( الفرشة ) أو في الكشك ؟ . **]( ارتسمت ابتسامة باهتة على وجهه ) ، لا أدري من أين جئت بهذه المعلومة يا أخ زكريا - وأشعل سيجارة وأخذ منها نفساً عميقاً ــــ على أية حال ، أقول لك بصراحة إنني ( ناصري ) الهوى ، فقد تفتحت عيناي وأنا في عز الشباب على إنجازات الثورة الرائعة . فقد حررتنا من الاستعمار البريطاني الذي جثم على مصر أكثر من 70 سنة ، ونشرت العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع . و سعت سعياً حثيثا إلى انتشال الطبقة الفقيرة المطحونة من العوز والفقر التي كنت واحداً منها ويكفي أنها وزعت على الفقراء من الفلاحين خمسة فدادين ، وأقامت المنشآت الاقتصادية الكبرى مثل مصنع الحديد والصلب ، ومصنع الغزل والنسيج , وأممت قناة السويس , وصارت القناة لمصر ، وليس مصر للقناة أي أنّ الثورة أعادتها إلى أصحابها الحقيقيين وهم المصريون , وبنت السد العالي ، وإذا أردت أن تتأكد يا أخ زكريا من ذلك أذهب إلى المحلة الكبرى أكبر محافظات الجمهورية و سترى ترسانة أو قلعة صناعية عظيمة بزغت في عهد الثورة . ــــ ويتوقف الحاج مدبولي برهة ــــ ويقول : وأجيب عن سؤالك . في الحقيقة إنني لم أتعرض إلى رقابة الجهات الأمنية ( الاستخبارات المصرية) في عهد الزعيم عبد الناصر , ودليل ذلك أنه كانت تصل من بيروت أعداد غير قليلة من الكتب الممنوعة كالكتب اليسارية المتطرفة . ورغم ذلك لم يتم احتجازها أو مصادرتها في مطار القاهرة ، وكنت أتسلمها كاملة . ولم تقبض عليّ الاستخبارات المصرية إزاء تلك الكتب . صحيح ، أن الاستخبارات كانت تستدعيني للسؤال عن بعض الكتب ، بعدها أعود إلى الكشك دون أن أتعرض للمضايقات . ويسترسل الحاج مدبولي : لقد كنت شاهداُ على عصر مصر (عبد الناصر) .[c1]ثقـــــافة النكســــــة[/c]ويقول الحاج مدبولي : من بطن النكسة ولدت أفكار ، وآراء جريئة متشربة بروح التحدي والآمال العريضة . ولقد استقبلت مكتبة مدبولي بعد مرور عام من النكسة مؤلفات تعبر عن المرحلة الآنية التي يعيشها المصريون ، كانت كلها مليئة بروح الإرادة , والعزيمة ، والتصميم في مواجهة أعداء الحياة والنهار ، وإلى جانب ذلك صدرت مؤلفات انتقدت بشدة السلبيات التي أوصلتنا إلى النكسة . وعلى أية حال ، فقد عرضت تلك الكتب على أرفف المكتبة بصورة بارزة ، وكان الإقبال على اقتنائها كبيراً لدرجة أنّ بعض الكتب ، قد نفدت خلال أيام معدودات ، وطلبنا من دور النشر طباعتها مرة أخرى وبكميات كبيرة . ويسترسل : والحقيقة لا تسعفني ذاكرتي التي شاخت بعد أكثر من 30 سنة من النكسة أن أذكر أسماء الكتب الكثيرة التي أحدثت صدى في زمن النكسة . وأتذكر الآن عدداً من الروايات التي أحدثت صدى كبيراً بين الأوساط الثقافية المصرية ومنها رويتا (( المرايا )) و (( تحت المطر )) للروائي الكبير الأستاذ نجيب محفوظ ، وكانت تلكما الروايتان تشيران من طرف خفي إلى الأسباب الجوهرية لوقوع النكسة. [c1]معارض الكتاب[/c]ورداً على سؤال حول انطباعاته عن معارض الكتاب التي شارك فيها في الكثير من عواصم البلدان العربية . يقول الحاج محمد مدبولي : الحقيقة أنّ معارض الكتاب سواء في القاهرة ، أم دمشق أم الخرطوم أم صنعاء وغيرها تعد مظاهرات ثقافية وكبيــرة أو بعبارة أخرى تنشط وتجدد خلايا الثقافة العربية بصورة مستمرة من خلال المؤلفات الجديدة المختلفة في شتى وجوه الحياة الثقافية والفكرية والإبداعية العربية . ويسترسل الحاج مدبولي : ويلفت نظرك الزوار في معارض الكتاب ، وقد ارتسمت على وجوههم وأعينهم الفرحة العريضة، ويشعرون بأنّ هذا اليوم ، هو يوم عيد ثقافي . ويمضي في حديثه : ومن الأشياء التي تأثرت بها ومازالت منحوتة في وجداني حتى هذه اللحظة قصة حدثت في معرض الكتاب في الخرطوم بالسودان . فقد باعت إحدى النساء السودانيات مصاغها حتى يتمكن زوجها من اقتناء بعض الكتب من المعرض . ويتوقف الحاج مدبولي ــــ برهة ـــ ، ثم يقول : أليس ذلك دليلاً واضحاً على مدى اهتمام القارئ العربي بالكتاب أو بعبارة أخرى أن هناك نهضة ثقافية في الوطن العربي . [c1]القارئ العربي [/c]* ما تقويمكم للقارئ العربي ؟ . ** الحقيقة أنّ القارئ العربي يتميز بالوعي الكامل والعميق فهو لم يعد القارئ الذي يقرأ الكتاب من أجل القراءة والمتعة فحسب بل صار يضعه تحت مجهر التحليل العلمي ، ويناقشه مناقشة مستفيضة . ويمضي في حديثه : وهذا دليل على أنه توجد نهضة ثقافية أو قل إذا شئت ـــ دون مبالغة ـــ نهضة حضارية كبرى تسود المناخ الثقافي في الوطن العربي من جهة وعناية كبيرة بلغة الضاد من جهة أخرى . ويتضح ذلك من خلال معارض الكتاب العديدة التي شاركت فيها . ويستطرد : وسأضرب لك مثالاً على ذلك ، فقد شاركت في معرض الكتاب في الرباط عاصمة المغرب قبل فترة ليست طويلة. وكنت أقول بيني وبين نفسي أنّ الجناح الغربي من الوطن العربي وأقصد به بلاد المغرب العربي وتحديدا المغرب غالبية القراء فيه خصوصاً المثقفين منهم مهتمون بالثقافة الفرنسية أكثر من اهتمامهم بالثقافة العربية أو بعبارة أخرى هناك خيوط واهية بينهم وبين اللغة العربية أو لغة الضاد . ويستطرد الحاج مدبولي : ويرجع ذلك إلى أسباب عديدة وهي أنّ الشعب المغربي صبغ بالثقافة الفرنسية نظرًا للاحتلال الفرنسي الطويل الذي احتل المغرب في سنة 1912م , ومن سياسة المحتل الفرنسي تثبيت ثقافتهم في أذهان شعوبهم وخاصة بين النشء . ورغم ما ذكرته عن وضع الثقافة العربية في بلاد المغرب العربي ( الجزائر ، تونس ، والمغرب ) فإن القارئ المغربي كما شاهدته ولمسته في أحد معارض الكتاب مؤخراً التي أقيمت في الرباط عاصمة المغرب ، متعطش للكتاب العربي بصورة تدعو إلى الإعجاب والدهشة رغم التغريب الطويل الذي عاشه عن الوطن العربي . [c1]مع الزبيري والنعمان[/c]ويجيب الحاج مدبولي ردا على سؤال حول معرفته ببعض الشخصيات السياسية اليمنية التي التقى بها في مطلع الستينيات قبل قيام الثورة المجيدة كرائد الحركة الوطنية اليمنية الشهيد محمد محمود الزبيري ورفيق دربه الراحل الأستاذ أحمد محمد نعمان .. قائلاً: سؤالك هذا أعادني إلى ذكريات عمرها أكثر من نصف قرن من الزمن وعلى وجه التحديد في فجر الستينيات ( 1960م ) عشتها وعايشتها مع شخصيات سياسية وأدبية يمنية تحلت بالأخلاق الحميدة والفاضلة والمتشبعة بالروح الوطنية الرائعة والمخلصة .ويسترسل الحاج مدبولي : وأتذكر أول لقاء مع محمد محمود الزبيري ورفيق دربه الأستاذ أحمد نعمان في مقهى ( ريش ) بالقرب من الكشك في ميدان طلعت حرب . ولقد لفت نظري الزي الذي كان يرتديه الزبيري وهو الزي الذي يرتديه الأزهريون , وكان بجانبه الأستاذ أحمد نعمان يرتدي بدلة إفرنجية دون ربطة عنق ، واتجهت نحوهما وسلمت عليهما ، وقلت لهما الأخوة من أي بلد عربي ، قال نعمان : من اليمن. وقاما وسلما ( الزبيري و الأستاذ نعمان ) عليّ بحرارة. وبادرني الأستاذ أحمد نعمان ـــــ بوجه بشوش ــــ بأنهما يعرفاني ( أي الزبيري ونعمان ) خير المعرفة من خلال الكشك الذي يتربع ميدان طلعت حرب والصحف والكتب المعروضة بجانبه , وقال الأستاذ نعمان بلهجة مصرية صميمه وهو يبتسم : “ هل يخفىَ القمر ، يا حاج مدبولي “ وتجاذبنا أطراف الحديث . وكان الأستاذ نعمان يتميز بخفة الروح ـــــ رحمه الله هو والشهيد الزبيري “ . ومنذ ذلك اللقاء صرنا ( أنا و الزبيري والأستاذ نعمان) أكثر من أصدقاء ، بل صرنا أخوة ، وكانا يحضران إلى منزلي بجانب عمارة مخلوف في الدقي ، وكنت بين الحين والآخر أذهب إلى منزل الأستاذ أحمد نعمان بالقرب من شارع المساحة بالقرب من السفارة اليمنية بالدقي حاليا ، وكنا نمضي أوقاتاً طيبة . ويمضي في حديثه : والحقيقة لقد تعرفت على كثير من ملامح حضارة اليمن العظيمة من خلالهما وكنت أسألهما أنّ يمدا الكشك بالصحف اليمنية ليطلع ويتعرف عليها الجمهور المصري على وجه الخصوص ، والقارئ العربي بوجه عام ، وأوضحا لي : أن نظام الإمامة عزل اليمن سياسيا وثقافيا ، وأغرق البلاد في جهل مطبق ، والأمية منتشرة بصورة مخيفة بين الشعب اليمني . ويواصل حديثه : وأتذكر أيضا من اليمنيين الذين كانوا يترددون على الكشك الشاعر الرائع إبراهيم الحضراني الذي يتميز بروح الفكاهة ، وحضور البديهة ، ولباقة الحديث . والجدير بالذكر أنه بعيد قيام ثورة اليمن ، كان هناك إقبال كبير من المصريين على اقتناء كتب عن اليمن وتاريخها .[c1]الرئيس السلال [/c]ويروي الحاج مدبولي : قصة وقعت أحداثها ومازالت مطبوعة في عقله وقلبه وهي زيارة المشير الرئيس عبد الله السلال رئيس اليمن الأسبق ، وأول رئيس لليمن . فيقول : في إحدى ليالي شتاء القاهرة القارس ، ورذاذ المطر يلامس وجه المدينة . توقفت سيارة نصر أمام الكشك ونزل منها شخص يرتدي بدلة غامقة ، وأقترب مني وطلب عدداً من الكتب بأسمائها، ويضيف الحاج مدبولي : وأتذكر أنّ غالبية عناوين الكتب التي طلبها ، كانت سياسية ، وعسكرية . وفي أثنائها كان يتصفح ويقلب الكتب الموضوعة على الفرشة ، وما هي إلا لحظات حتى أحضرت له تلك الكتب الذي ذكر أسماءها ، وحددت له ثمنها , وبعدها أخرج من محفظته النقود ودفع ثمنها ، ومثلما ظهر فجأة ، اختفى فجأة . والطريف في الأمر ، أننا لم ننتبه ( أنا وأخي أحمد ) إلى شخصية الرئيس السلال ، إلا ّ بعد ركوبه السيارة بوقت قصير . رغم أنّ صوره كانت شبه يومية تتصدر الجرائد المصرية ( الجمهورية ، الأخبار ، الأهرام ) . وكانت تلك مفاجأة بالنسبة لي أنّ يزور( كشك مدبولي ) شخصية سياسية يمنية كبيرة بحجم المشير الرئيس السلال . [c1]وغربت شمــــــس الأصيل[/c]ونظرنا ( أنا والحاج مدبولي ) إلى شمس الأصيل وهي تجنح نحو المغيب ، وحاجب قرص الشمس يخلف وراءه وهجا أحمر برتقالياً وهو يغوص في أحضان نهر النيل شيئًا فشيئًا ، فتصير صفحات مياه النهر لونها أشبه باللون البنفسجي . ونظرت إلى الحاج محمد مدبولي والابتسامة مازلت تملأ وجهه المستدير الطيب . وصافحته بحرارة ، وشعرت بغصة في النفس لم أعلم سببها ولكن بعد فترة عرفت سببها فقد رحل عن دنيانا ، ولم أعلم أنّ هذه الزيارة ستكون آخر عهدي به . لقد غربت شمس الحاج مدبولي عن سماء الثقافة العربية مثلما غربت شمس الأصيل عن سماء القاهرة . لكنه سيظل في وجدان وعقل وقلب القراء العرب على تباين مشاربهم الثقافية وآرائهم الفكرية دائما وأبدا . وكيفما كان الأمر, ستظل مكتبة مدبولي مزارًا لعشاق الكلمة الجميلة والطيبة . ونرجو أن تواصل إمبراطورية مكتبة مدبولي بعد رحيله نشر شمس المعرفة على ربوع الفكر العربي بصورة مستمرة كما كانت في حياته .رحم الله الحاج محمد مدبولي رحمة واسعة .