لقاء / أثمار هاشم :عندما يصل المرء إلى سن الأربعين فانه يكون قد وصل إلى أروع وأجمل سني عمره ، لأنه يكون قد مر بتجارب ومنعطفات عدة في حياته اكسبتة الخبرة والحكمة اللازمتان للحكم على الأشياء بعقلانية ، وحالة من النضج الفكري والعاطفي.وفي هذا العام ، وتحديداً في هذه الأيام ، تدخل صحيفتنا (14 أكتوبر) عقدها الرابع لتطفىء شمعتها الأربعين - والتي منذ تأسيسها في 68 م، واعتبارها الصحيفة الرسمية الأولى لدولة مستقلة ، وحتى عام 1990 م ودخولها معترك المنافسة مع عدد من الصحف الرسمية والحزبية والأهلية الصادرة في الجمهورية اليمنية ، مرت صحيفة 14 أكتوبر بمراحل ومنعطفات عدة لكنها تنهض من بين الركام لتبدأ من جديد.[c1]العدد الأول[/c]حتى لايغيب الماضي عن أذهاننا ، فانه لابد من العودة إليه بين الفينة والأخرى ،وكانت البداية في يناير 1968م عندما اصدر الرئيس قحطان الشعبي ، أول رئيس للشطر الجنوبي من اليمن قراراً جمهورياً قضت مواده بإنشاء مؤسسة 14 أكتوبر للطباعة والنشر، وإصدار صحيفة 14 أكتوبر، وتعيين عبد الباري قاسم مديراً للمؤسسة ورئيساً لتحرير الصحيفة ، حيث قام هذا الأخير بتشكيل أول هيئة تحرير للصحيفة ووضع خطة بان يصدر العدد الأول من الصحيفة في 19 يناير 1968 م ليكون متزامناً مع ذكرى الاحتلال البريطاني لمدينة عدن، وصدر العدد الأول من صحيفة 14 أكتوبر في الوقت المحدد له وكان عدد صفحاتها أربع،جاء في الصفحة الأولى منها الافتتاحية والأخبار الرئيسية فيما كانت الصفحات الأخرى عبارة عن مقالات .وفي ذلك الوقت كان إصدار الصحيفة يتطلب جهوداً كبيرة وسهراً حتى ساعات الصباح الأولى، كما إن الصحيفة حينها لم تعتمد على دعم الدولة في دفع أجور العاملين والموظفين فيها ، وإنما اعتمدت بشكل أساسي على دخلها من الأعمال التجارية ناهيك عن عدم امتلاكها لسيارة خاصة بها لنقل المحررين إلى مواقع التغطيات أو في نقل صفحات الرصاص المصفوفة إلى موقع الطبع واللذان كانا في أماكن متفرقة داخل مدينة كريتر.
مطبعة الوان ذات أربعة رؤوس للورق المسطح تدخل المؤسسة لأول مرة
[c1]أنواع المطابع[/c]قبل كل شيء نود إن نشير إلى إن أول مطبعة عرفها العالم جاءت من ألمانيا ومخترعها رجل يدعى جوتنبرج وهي آله طباعة بارزة ، تعتمد على الحروف والاكليشيات البارزة ، وقد مرت الحروف الطباعية بدورها بمراحل متعددة ففي المرحلة الأولى كانت الحروف منفصلة عن بعضها البعض وهي عبارة عن حروف رصاصية تصنع عبر آله ميكانيكية مخصصة لذلك وكانت الحروف المصنوعة ذات مقاسات مختلفة تبدأ من بنط (6) وتنتهي عند بنط (72) ، كما كانت هذه الآلة تقوم بصناعة الفواصل وعلامات التعجب والاستفهام ، فكان العامل بالصف اليدوي يقوم بتخزين الحروف بصناديق خاصة بها وعندما يأتيه النص يقوم بتجميع الحروف حرفاً حرفاً لتكوين النص ليعمل بعد ذلك ما يسمى بالفرمة لتجميع النص وربطه بحبل ومواد تربيط خاصة ثم يستخدم آله البروفات لعمل بروفة لتصحيح العمل المجمع من الحروف اليدوية ومن تم تذهب الصفحة (البروفة) لقسم التصحيح لمراجعة الأخطاء وتعاد إلى العامل بالصف اليدوي مرة أخرى لإعادة التصحيحات التي قد تكون موجودة في وسط النصوص وببنط صغير الأمر الذي يستلزم جهداً كبيراً من قبل العامل الذي بعد أن ينهي عملية التصحيح يقوم بعمل بروفة نهائية للمراجعة وتحويلها إلى الطباعة البارزة كفورمة مصححة تركب في آله الطباعة لتتم بعد ذلك الطباعة حسب الكميات المطلوبة ، وجميع تلك الخطوات السالفة الذكر في الصف والطباعة عرفتها صحيفة 14 أكتوبر منذ أول عدد لها واستمرت بالعمل بها سنوات عدة ، وبمرور الأيام وبمراحل لاحقة تطورت الطباعة من الصف اليدوي حرفاً حرفاً إلى الصف الآلي سطراً سطراً والذي كان له امتيازاته، فالحروف المصفوفة تنفصل آلياً من الآلة إلى مخزن خاص بها وهذا بدوره سهل من عمل الفنيين في الصف ، في الوقت الذي بقي فيه العمل المطبعي معتمداً على الحروف والصور والعناوين البارزة.بعد ذلك دخلت عملية الصف مرحلة جديدة عن طريق استخدام الاحهزة الالكترونية أو مايسمى بالصف الضوئي ، والذي تخرج فيه الحروف مسطحة على الصفحة البيضاء، تزامن ذلك بانتقال الطباعة إلى طور جديد يسمى الطباعة المسطحة أو الاوفست، وتتم عبر صفيحة ألمنيوم احد وجهيها مطلي بمادة كيمائية ،وهذه العملية تسبقها تكوين طبقة فيلمية (فيلم) تحدد فيها الأماكن الطباعية عن غير الطباعية ثم تعرض على قسم المونتاج والإخراج لتجهيزها بالشكل المطلوب لتوضع بعد ذلك فوق صفيحة البليت الحساسة وتعرض على آله تدوير الصفائح لإخراج الصحيفة إلى مطبعة الاوفست.
الأمس
[c1]بداية صعبة[/c]لكي تدار مطابع أي صحيفة لابد من أن يكون هناك مادة صحفية ، ومن غير الصحفي يستطيع أن يأتي بها؟ لدى تحدثنا الزميلة الصحفية نادرة عبد القدوس، المشرف العام لملحق» روافد «عن ذكريات بدايتها الصحفية بالقول :بدأت العمل في صحيفة 14 أكتوبر عام 1974 م ، حينما كنت طالبة في الثانوية العامة ، وكان يتم تكليفنا من قبل المعنيين أو في بعض الأحيان كنا نفكر بإجراء تحقيقات أو لقاءات معينة نعرضها على المسؤولين علينا وعندما تتم الموافقة عليها نبدأ العمل فيها وفي كلتا الحالتين كان لابد أن تكون لدينا خلفية معينة عن المكان الذي سنتوجه إليه والذي غالباً ما كنا نتوجه إليه دون أن يرافقنا مصور و بواسطة المواصلات العامة وتحديداً الباصات نظرا لافتقار الصحيفة لسيارة لتنقلاتنا الصحفية في تلك الفترة كانت بعض الأعمال الصحفية تستدعي انتقالنا لمحافظة أخرى كمحافظة أبين مثلا التي كنا نذهب إليها بالباصات ونظل واقفين طوال الطريق لعدم وجود مقاعد شاغرة وفي ذات الوقت كان هناك نوع من الشطح الثوري والحماس فيما يتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة والتي كنا ندفع ضريبتها بوقوفنا لفترات طويلة وهذه كانت من ابرز الصعوبات التي كانت تواجهني كصحفية ، فمثلاً كنت بعد أن أصيغ المادة الصحفية الخاصة بي واتاكد من صحتها أقوم بوضع الماكيت الخاص بها من حيث العناوين وتخطيط الصفحة لتذهب بعد ذلك إلى الصفاف الذي يعمل على صفها بالحروف الرصاصية وفق الماكيت الموضوع لها.
الأمس
وتسترسل الزميلة نادرة ذكرياتها عن تلك الفترة بالقول:» لقد تعلمت في هذه الصحيفة كافة فنون العمل الصحفي وعلى أيدي صحفيين قد لايكونون من خريجي الصحافة إلا أنهم من الذين مارسوها لفترات طويلة من الزمن وفي صحف أهلية عدة قبل الاستقلال واستطيع القول باني استفدت كثيرا من العمل مع أولئك الأشخاص فعندما ذهبت لدراسة الصحافة في الاتحاد السوفيتي سابقاً عام 1976 م ضمن أول دفعة تسافر لتدرس هذا المجال اكتشفت باني على دراية كبيرة بأمور الصحافة التي كنت قد تمرست عليها في هذه الصحيفة وان كانت الدراسة قد أضافت لي بعض المعلومات والمعارف الجديدة فإنها قد صقلت الخبرة العملية التي كنت امتلكها .وأضافت قائلة:» نحن اليوم نعمل في وضع أفضل بكثير مما كان عليه قبل سنوات، حيث أصبح معنا أجهزة كمبيوتر وشبكة داخلية أي أن العمل أصبح آلياً وان كنت استغرب الآن رؤيتي لكثير من الصحفيين الجدد الذين يعتمدون بشكل كبير على الانترنت الذي يفترض به أن يمدنا بالمعلومات لا أن يزودنا بكيفية العمل الصحفي.. لقد وصل الأمر ببعضهم إلى اقتباس مواد من الانترنت كما هي وهذا مايسمى بالسرقة الأدبية ، واختتمت حديثها بتوجيه نصيحة للصحفيين الجدد بان الصحفي الذي يريد أن يتعلم عليه أن يجتهد ويسعى لإخراج المعلومة من مصدرها الرئيسي فليس عيباً أن نجري وراء المعلومة ونقدم التنازلات للحصول عليها .
الأمس
[c1]مسك الختام [/c]منذ تأسيس الصحيفة عام 1968م وحتى يومنا هذا أي منذ أربعين عاما تعاقب عليها الكثير من الرجال بعضهم تولى دفة قيادتها وكانوا محبين للصحيفة والصحافة وحاولوا أن يرتقوا بها حتى إن الكل يتذكرهم بكل حب فيما آخرون ممن تولوا قيادتها لم تكن تربطهم بمهنة الصحافة شيء وإنما كان وجودهم فيها بناءً على قرارات سياسية فما كان منهم إلا أن أوصلوا الصحيفة إلى مهاوى الردى كذلك كان في هذه الصحيفة كوكبة من المع وابرز رجال الصحافة الذين أعطوها كل وقتهم وجهدهم ولم يبخلوا عليها بشيء حتى إن كثير منا تمنى لو انه عرفهم عن كثب وتتلمذ على أيديهم علنا بذلك نستطيع أن نقتبس بعضاً من نورهم .وإجمالا يمكن القول بان صحيفة 14 أكتوبر تعد مدرسة صحفية بكل ما في الكلمة من معنى تخرج منها أكفاء الكتاب والصحفيين حتى إننا لا نكاد نسمع عن علم من أعلام الصحافة أو الأدب إلا ونجد إن قطار حياته توقف في إحدى محطاته في هذه الصحيفة سواء عمل فيها أو ساهم بالكتابة عبر صفحاتها.وأخيرا وليس أخرا وصحيفتنا تحتفل بعيدها الأربعين نتمنى أن تدخل مرحلة أكثر نضجا مستفيدة من كل ما مر بها من عثرات وان تكون دوما الأفضل لان هذا ما نتمناه لها لأنه متى كانت الصحيفة في وضعية أفضل فان هذا معناه أن يكون جميع العاملين فيها في وضعية أفضل أما إذا ساء وضعها فان العاملين فيها سيعانون من هذا السوء.