مملكة سبأ هي مملكة قديمة امتدت من شواطئ البحر الأحمر والحبشة وضمت جنوب جزيرة العرب حيث تقع اليمن في أيامنا هذه واستمرت حتى استيلاء الدولة الحميرية عليها في أواخر القرن الثالث بعد الميلاد، بدأت المملكة بالازدهار حوالي القرن الثامن ق.م.اشتهرت سبأ بغناها وقد تاجرت بالعطور والدرر والبخور واللبان. وقد ذكر إنتاجها للعطور في عدة مصادر مثل العهد القديم والإلياذة. وذكرت سبأ في القرآن الكريم،.قال تعالى :” َلقَد كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسكَنِهِم آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزقِ رَبِّكُم وَاشكُرُوا لَهُ بَلدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل، ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور””سورة سبأ من الآية 15 إلى الآية17”.وذكر جيش سبأ القوي، وتظهر ثقة هذا الجيش بنفسه من خلال كلام قواد الجيش السبئي مع ملكتهم كما ورد في الآية 33 من سورة النمل: “قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي ماذا تَأمرِين”.كما تحمل إحدى سوره اسمها وذلك لكثرة القصص عنها، وأشهرها قصة بلقيس وسليمان عليه السلام، وقصة السد العظيم وسيل العرم.لم يرتبط تاريخ اليمن السحيق باسم مملكة من الممالك القديمة مثلما ارتبط باسم سبأ التي ورد ذكرها في الكتب السماوية.وحيكت حولها الأساطير، والحكايات والقصص، ليتبدى من خلال الكم المتراكم عبر القرون من الصور والتداعيات والأخيلة العالقة في الوجدان الشعبي وأعمال العديد من الفنانين رمزا تتزاوج فيه معالم الجمال الفاتن، والرخاء العميم، والثروة الوفيرة والقوة المنيعة.نشأت مملكة سبأ قبل القرن العاشر ق.م، وكانت عاصمتها مدينة مأرب، وقد تمكن ملوكها حوالي منتصف القرن الثامن ق.م من بناء السد المشهور بسد مأرب ومن إنشاء علاقات تجارية مع شواطئ أفريقيا ومع بلدان بعيدة مثل الهند وبلاد اليونان.كما استوطن السبئيون مناطق في أفريقيا وانشؤوا فيها مملكة خاضعة لهم عرفت باسم “مملكة الأكسوم”.يعتقد أن السبئيين عاشوا شمال اليمن في صحراء الجزيرة العربية ومن ثم هاجروا واستقروا في اليمن واختلطوا بالمعينيين ساكني اليمن القدماء ثم تمكنوا من الاستيلاء على السلطة.بقي تاريخ نشوء حضارة سبأ موضع خلاف حتى الآن، فالسبئيون لم يشرعوا بكتابة تقاريرهم الحكومية حتى سنة 600 قبل الميلاد، لذلك لا يوجد أي سجلات سابقة لهذا التاريخ، ويعتقد أن السبئيين قد أسسوا مجتمعهم ما بين 1100 - 1000 قبل الميلاد، وانهارت حضارتهم حوالي 550 بعد الميلاد، بسبب الهجمات التي دامت قرنين والتي كانوا يتعرضون لها من جانب الفرس والدولة الحميرية.يعرف السبئيون من خلال التاريخ كقوم ذوي حضارة عالية تظهر كلمات مثل “استرجاع”، “تكريس”، “بناء”، بشكل متكرر في نقوش حكامهم، ويعتبر سد مأرب الذي كان أحد أهم معالم هذه الحضارة، دليلاً واضحاً على المستوى الفني المتقدم الذي وصل إليه هؤلاء القوم؛ إلا أن هذا لا يعني أنهم كانوا ضعفاء عسكريا.فقد كان الجيش السبئي من أهم العوامل التي ضمنت استمرار هذه الحضارة صامدة لفترة طويلة.ويؤكد الدكتور “كريستيان روبان” أنة نتيجة توفر موارد كبيرة من زراعة النباتات العطرية في صحراء جنوب الجزيرة، مثل اللبان الذي يوجد في حضرموت على وجه الخصوص والمر، وبعض المنتجات الهندية والأفريقية القيمة التي كانت تمر عبر الجزيرة العربية، مثل الذهب والعاج ودرق السلحفاة وأنواع مختلفة من الأخشاب النفيسة، فرضت سبأ نفسها كوسيط لا بد منه.وعن تأثير سبأ على محيطها الإقليمي قال عالم الآثار الألماني: “اللغة السبئية هي الوحيدة التي جرى استخدامها في أسماء الأعلام في جنوب الجزيرة العربية، إذا كان اسم الشخص يحتوي على ضمير ملكية أو فعل متعد إلى مفعولين، فهذه أشكال نحوية تختلف في اللغة السبئية عنها في اللغات المعينية والقتبانية والحضرمية».وأضاف:” كذلك في ميدان العمارة فان الأعمدة المضلعة وتيجان الأعمدة ذات المقاطع المربعة والزخرفة بالحز والمضروسات أو زخرفة الواجهات بإفريز مطوق مصقول موشى في الوسط، فان الذخيرة الزخرفية والتصويرية تقدم أيضا مثالا جيدا للتأثير السبئي.ويقول: انه ليس هناك ثمة شك بالنسبة لسكان جنوب الجزيرة العربية القدماء، وكذلك بالنسبة للممالك الحبشية الأولى كانت سبأ مصدر شرعية وفخر، ويجب التمييز بين فترتين في تاريخ مملكة سبأ، الأولى استمرت من القرن الثامن حتى القرن الأول قبل الميلاد وطغى عليها اقتصاد “ القوافل “ الموجه صوب الأسواق الكبيرة في الشرق الأوسط، في حوض الفرات الأوسط، خلال القرنان الثامن والسابع، ثم في غزة في الفترة “ الفارسية “، وأخيرا في البتراء إبان الفترة “ الهيلينية”.