اعتبرها البعض قلة حياء والبعض الآخر اعتبرها ضرورة
عايدة حسنى :هناك عدد من المشكلات والقضايا لا تلقى الاهتمام والانتباه على الرغم من خطورتها وآثارها على أمن المجتمع واستقراره ، وتجاهل مثل هذه القضايا يشبه تجاهل النيران تحت الرماد الذي قد يؤدي في النهاية إلى كارثة! ومن القضايا التي يتم تجاهلها والتعامل معها بمنطق النعامة التي تدفن رأسها في الرمال قضية "الثقافة الجنسية للفتيات " ، فاليوم لا أحد يهتم بالفتاة أو حقيقة مشكلاتها الجنسية الخاصة . [c1]* الجنس بين القبول والرفض:-[/c]وفى مقالة للدكتور خالد منتصر تطرق فيها لقضية تدريس الثقافة الجنسية بالمدارس وكشف فيها مدى ما تتمتع به هذه القضية من تعتيم ومغالطات فظيعة موضحاَ إياها فيما يلي وشارحاً القضية مستهلاً المقالة ببيت شعر لنزار قباني اعتبر أنه لخص مفهوم الجنس في العالم العربي ويقول نزار: [c1]الجنس عزف حضارى على وترينوقصيدة يكتبها جسدانولكنه يفشل فى بلادنالأنه يحدث بين فراشة ربيعيةوبين بولدوزر"[/c]هكذا لخص نزار قباني حال الجنس في بلادنا ذلك الحاضر الغائب، ومتى يعود الجنس إلى معناه الحقيقي ويتخلص من كونه اغتصاب مقنن بورقة اسمها عقد الزواج؟!!وفي هذا السياق يروي د.منتصر قصته: عندما كنت فى المرحلة الإعدادية وأتى اليوم المشهود يوم حصة العلوم التى سيشرح فيها المدرس الجهاز التناسلي ،دخل علينا الأستاذ الجهبذ راضى والعرق يبلل نظارته السميكة برغم الشتاء القارس وزف إلينا البشرى السعيدة وهى أن هذا الجزء من المنهج محذوف ولن يأتي ذكره ضمن أسئلة الامتحان ، كان المدرس يتحدث وكأنه يتخلص من عار وذنب وحمل ثقيل، وتنفس بعدها الأستاذ راضى الصعداء ، وكنا نستمع وكأننا مشتركون فى إثم وحمدنا الله على أننا تخلصنا من ساعات مذاكرة زيادة وسؤال سخيف فى الإمتحان ، ولم نكن نعرف وقتها أن موقف الأستاذ راضى هو تلخيص و امتداد لموقف المجتمع ككل ، وأن حذف النصف الأسفل من الجسم ليس قرار وزارة التربية والتعليم وحدها بل قرار ثقافة عربية خائفة ومرعوبة تعانى من الشيزوفرينيا تجاه الجنس والجسد ،تتحدث ليل نهار عن الجنس ولكنها فى العلن وأمام الشاشات تحتقره ، وتتخيل أنها بقدر إدانتها له بقدر اقترابها أكثر من معانى الشرف والسمو ، ثقافة تخلق من الجسد مشكلة وهو فى الأصل حل ،وتحوله إلى عورة شاملة وهو فى البدء طاقة فعالة ،ومجتمع أخرس يجهل التحدث بأقدم لغات الدنيا وأصرحها وهى لغة الجنس أصدر المجتمع فرمانه بأن يحفظ الطفل والشاب خريطة الوطن العربى ويجهل خريطة جسده ، وأوكل المجتمع مستريح الضمير هذه المهمة المعقدة لآباء وأمهات هم فى حاجة أصلاً للتعليم .[c1]*تدريس الجنس بالمدارس:-[/c]رغم انفتاح الكون والعالم وتحوله إلى قرية واحدة ، لازلنا حتى الآن نتخبط في موضوع تدريس الثقافة الجنسية بالمدارس للبنات بصفة خاصة ، ورغم ذلك لا زالت المطالبة بالثقافة الجنسية بالمدارس تترواح بين معارض ومؤيد . [c1]*آراء مؤيدة :-[/c]د.خالد منتصر يؤكد "أنه لابد من طرح الأفكار وكشف المغالطات حتى يتسنى لنا معرفة ما هى ضرورة تدريس الجنس فى المدارس، بداية لا يعنى تدريس الجنس تدريس الجماع ولكنه تدريس ومعرفة تضاريس هذا الجسد وتغيراته الحادة العاصفة من مرحلة الطفولة وحتى الشباب مروراً بالمراهقة ضرورة". أما بالنسبة لرأي الأزهر في هذه القضية كونه منارة العالم الإسلامي بأكمله ، فقد أجاز مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر تدريس الثقافة الجنسية للبالغين من خلال المناهج الدراسية باعتبار أن الإسلام دين يدعو إلى العلم والمعرفة في جميع مجالات الحياة. كما ترى د. نادية يوسف كمال أستاذ أصول التربية بكلية البنات" أن إعطاء معلومات عن الحياة العامة أو الجنس لأولادنا في المدارس شيء مفيد، ولكن يجب أن يكون في الصورة المناسبة والتي لا تخرج عن قيمنا الدينية والأخلاقية حتى لا تكون مثيرة للنشء والشباب وتأتي بآثار عكسية قد لا يحمد عقباها".من ناحيتها د. سعدية بهادر رئيس مجلس إدارة جمعية أحباء الطفولة قائلة " أن تدريس الجنس في المدارس يعتبر ضرورة ، حيث أننا نعيش في عالم مفتوح السموات وفي قرية صغيرة بالنسبة للعالم المحيط بنا، والطفل يشاهد ويسمع كل شيء وكل ما يتعلق بالجنس من خلال وسائل الإعلام وبالتحديد من التليفزيون الذي ينقل له أي معلومة بلمسة واحدة من أصبعه، وثقافتنا العربية والدينية والخلقية تعتبر الجنس نوعا من 'التابو'، نأخذ بإن كل ما يراه الأطفال ممنوعا يصبح لديهم 'مرغوبا'، فالطفل دائم البحث عن الغريب والمجهول، ويجب أن يقوم بالتدريس متخصصون في علم الفسيولوجي 'علم وظائف الأعضاء' والبيولوجي 'علم الأحياء' والسيكولوجي 'علم النفس' حتي يمكن أن نؤهل شبابنا لحياة خالية من المشاكل التي تنتج عن الجهل الجنسي". كما يرى د. إبراهيم مطاوع عميد عمداء كليات التربية في مصر أنه لابد للأسر أن تعي المفاهيم والمعلومات والقيم المتضمنة في العلاقات الجنسية القانونية السليمة، وكذلك المعلومات المتعلقة بالأمراض الجنسية التي لابد للفرد أن يتجنبها حفاظا علي صحته وعلي حياته، وحفاظا علي استقراره العائلي، فضلاً عن أنه لابد وأن يعرف الفرد بعضا من الناحية التشريحية للأعضاء الجنسية، وأن يتجنب الأمراض المترتبة علي العلاقات الجنسية غير السوية.،وأنه لابد وأن نتناولها بالتوضيح لأبنائنا عند تدريس الثقافة الجنسية لهم في المدارس ".ويقول د. جمال عمر النجار رئيس قسم الصحافة والإعلام بكلية الدراسات الإسلامية بنات: " أوافق على تخصيص مادة للتربية الجنسية لطلاب المدارس ولكن بشرط أن يشرف علي التخطيط وكتابة وتنفيذ كتب هذه المادة لجان علمية متخصصة وعلى أعلى مستوي..بحيث يتم توصيل المعلومات الجنسية للطلاب بشكل مهذب يراعي الأعمار المختلفة بحيث تصل المعلومة بشكل مرحلي للطالب، ويجب أن تستفيد اللجان المشرفة علي هذه المادة بمواد الفقه الإسلامي التي تدرس في الأزهر الشريف والتي تتناول كل ما يمس الحياة الجنسية ولكن بشكل راق لايخدش الحياء".أما الدكتورة عبلة الكحلاوى الداعية الإسلامية فتؤكد: "لابد أن نعلم الفتاة كيف تعد نفسها لحياة زوجية وأن الجنس ليس شراً ، وفى مرحلة ما ، أعلم أولادي كيف يتعالون عن الجنس لأن مرحلة المراهقة خطيرة ، نتيجة التغيرات الفسيولوجية والنفسية ، وهنا تأتى ثقافة الأم وهى أعظم وسيلة تربوي ، والأب له فى مصادقة أولاده الشباب واحتوائهم". الآراء المعارضة يقول د. حاتم شلبي استاذ مساعد لأمراض النساء بطب جامعة عين شمس "أنا لست من أنصار الذين يؤيدون تعليم أو تدريس الجنس في المدارس، ولايعني هذا أنني أمثل الجمود أو التخلف، وأنما أري أن مناقشة مثل هذه المواضيع يجب أن تتم في أماكنها لأن فيها خصوصية شديدة ويجب ألا تدرس على لملأ .[c1]*رأى بعض رجال الدين:-[/c]ويقول د. عبد العظيم المطعني أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر "أنا ضد الاتجاه أو الدعوة التي تنادي بتدريس 'الجنس' للطلاب في مراحل التعليم المختلفة في إطار مادة مستقلة أسمها 'التربية الجنسية'، والقرآن الكريم في آياته لم يتعرض للجنس وإنما يخاطب الأزواج في مسألة الجماع ولم يخاطب النشء أو الأطفال ويخاطب الزوجات، أما أن ندرس المواد الجنسية للطلاب الصغار فهذا خطأ كبير لأن فيه تدميرا أخلاقيا لهذا الجيل والأجيال القادمة".ويقول الشيخ فوزي فاضل الزفزاف رئيس لجنة حوار الأديان بالأزهر الشريف " قبل أن نتحدث عن ضرورة تدريس الجنس في المدارس فلابد أن نحدد ما هو المقصود بالجنس أو مادة التربية الجنسية قبل أن نطالب بتدريسه في المدارس، ولا داعي لخلط الأوراق".ويعارض الفكرة ايضا د. أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الذي يؤكد أنه ليس مع تخصيص مادة للتربية الجنسية بل أنه "مع النظام التعليمي الذي يسير عليه الأزهر الشريف في تدريسه للمسائل المتعلقة بالجنس من أحكام كالتي يتناولها كتاب الطهارة وآداب المعاشرة الزوجية.. فكل هذه الأمور تناولها الفقه الإسلامي بأسلوب راق كما تناولها القرآن الكريم وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم.. أما إذا درست هذه المواد بالشكل الذي تدرس به المواد الأخرى فسيكون لهذا الأمر آثار سلبية وتعبيرات استفزازية مثيرة قد تؤدي إلى نتائج غير مأمونة العواقب".[c1]*الفتاة ...والثقافة الجنسية:-[/c]هناك معتقد خاطئ بأن جهل الفتاة بالأمور الجنسية أنما هو حياء تتميز به، وأن هذا يعد إسرافاً في الحياء توارثته من منطلق تصور خاطئ بأن الفتاة التى تتجنب الخوض في أى حديث يتصل بالأمور الجنسية و التي تجهل هذه الأمور لديها حياء ، وأنها بذلك فتاة متربية ومؤدبة و ملتزمه ،وعليها اجتناب التعرض لأي أمر من هذا القبيل، سواء بالسؤال إذا اشتدت حاجتها إلى السؤال ، أو بالمشاركة في مناقشة جادة تدور حول الجنس ، إن الجنس وكل ما يتعلق به من قريب أو بعيد يظل في إطار هذا التصور الخاطئ وراء حجب كثيفة لا تستطيع الفتاة اختراقها . ولعل ذلك يرجع إلي أن أغلبية الأمهات تخجل من التطرق لأى حديث يتعلق بالجنس مع أبنتها ،على الرغم أن الأم أقرب إنسان إلى الفتاة إلا أنها تتحرج أن تتحدث مع ابنتها في مثل هذه الأمور، وإن تحدثت معها فبلسان النصح الجاف أو التحذير أو التخويف، وتستشعر الفتاة من خلال كلام أمها أنه من غير اللائق أن تسألها في مثل هذه الأمور ( لأنها قلة حياء ) .[c1]*توجيهات لتقديم الثقافة الجنسية للفتاة:-[/c]لضمان الحماية للفتاة من الوقوع فى الكثير من المشاكل والمخاطر التى تتعرض لها وتسئ لها أيضاً ونحن فى غنى عنها ،علينا مراعاة عدة نقاط : - في مرحلة الطفولة لابد من تفهيم الفتاة حقيقة جنسها وأن الله سبحانه وتعالى خلق جنسين مختلفين الذكر والأنثى لحكمة يعلمها وأنه لا فضل لجنس على آخر وإنما يكمل كل منهما الأخر. - في أواخر مرحلة الطفولة لابد من الإشارة إلى أن هناك تغييرات جسدية سوف تحدث وأن هذه التغييرات بشرى سارة ولا تحمل أي معنى للإزعاج. - بمجرد وصول الفتاة إلى مرحلة البلوغ لابد أن تشرح لها خصائص جسدها وأعضائها التناسلية الداخلية والخارجية. - بتقدم الفتاة في العمر وفي الأوقات المناسبة لابد من تعريفها تدريجيا بطبيعة الزواج ويتأكد الأمر في حالة خطبة الفتاة إذ لا يجوز بحال من الأحوال أن تساق الفتاة إلى الزواج وهي جاهلة بما هي مقدمة عليه. الأم هي الإنسان المناسب لشرح هذه الحقائق لأنها القريبة من ابنتها وهي المسؤولة عنها فهي تستطيع منح الفتاه بعض الأضواء الهادية أثناء دروس الطهارة أو أثناء الحديث عن أحكام الأسرة وهذه المعلومات تقدم في إطار العلم الشرعي لذا فإن لها قدسية خاصة وكذلك معلمة الأحياء في المدرسة عليها دور تقديم المعلومة الصحيحة للفتاة فيما يتعلق بتشريح جسدها ووظائفه وكل هذه المعلومات تلتحم معا لتقديم صورة صادقة وأمينة للثقافة الجنسية في ذهن الفتاة ، وأخيرا لابد من تربية الفتاة تربية إيمانية عميقة تدرك من خلالها أن جسدها أمانة يجب أن تحافظ عليها فلا تترك نفسها لصديقات السوء أو للدش ومواقع الإنترنت الفاضحة لتعرف منهم إجابات للتساؤلات التي في ذهنها عن الجنس لأنها بهذه الطريقة تعرض نفسها لباب واسع من الفتن قد لا تصمد في مواجهته ولكن عليها بأهل الثقة والعلم كالأم وإن لم تكن الأم.. فمعلمة المسجد أو أخت كبرى معروف عنها الالتزام والخلق. [c1]*المصادر التى يمكن للفتاة الرجوع إليها:-[/c]نظراً لكثرة المصادر المحيطة بالفتاة من كل اتجاه والتي قد تتسبب في نقل معلومات مغلوطة أو غير صحيحة للفتاة ينبغي على الوالدين أن يستوعبا هذا جيداً ،و لك نقيها من كل هذه المصادر السيئة والمشوه ،فالأم خير مصدر لابنتها فلابد للأم أن تعرف هذا جيداً،وأنها أقرب إنسان لها ،وأن تبدأ بالمبادرة بشرح كل هذه الأمور لها،ولكن على وعى كافى منها: ومن هنا لابد من مراعاة هذه النقاط :أولاً : التدرج في المعلومات التى تعرض عليها، فالمعلومات التى تعرفها ابنتك فى سن المراهقة بالطبع ليست كمعلومات التى تعرفها الفتاة المقبلة على الزواج بعد أيام ،حيث هذه المسائل بحسب عمر كل إنسان وحالته واحتياجاته.ثانياً : عليك التمسك بأدب القرآن والسنة في الكلام في هذه الأمور قدر الإمكان، وهو الوصول للغاية المطلوبة بأكثر الطرق أدباً وتهذيباً فتعلمي أبنتك الجنس والأدب الاثنين معا. وما زال الحياء شعبة من الإيمان إلى أن تقوم الساعة.ثالثاً: الحذر من أن يكون هذا الموضوع هو كل هم الفتاة ومحور تفكيرها، فالإفراط في مثل هذا له أضرار كثيرة ربما تخرج بها عن حد الاعتدال، وذلك كما ذكرت د. عبلة الكحلاوى سابقاً ، بأن نعلم الفتاة كيف تتعالى عن الجنس. وربما يجرها ذلك إلى البحث على سبيل التثقيف وأحيانا من باب الفضول فتكون النهاية لا يحسن عقباها ، كمثل الذبابة التي قالت "من يدلني على العسل وله درهم، فلما وقعت فيه قالت من يخرجني منه وله أربعة دراهم". -----------------[c1]* نقلا عن موقع ( المحيط)[/c]