قصة قصيرة
طلع القمر خجولاً، فإذا به يسير مترجلاً على شاطئ الساحل الذهبي كان القمر يتربع في صفحة البحر وكلما نظر إليه توارى بين السحب غاص في الأمواج .. كانت خطواته تغوص حتى غاصت قدماه فاحدثت صوتاً ضبياً انسكبت فوقها مياه الشاطئ الزاحفة المغطاه بصفحة الزبد من الماء البحري .. إنها لذلك تعكس القمر.. (نظرة جانبية) عيناه أزدادتا إتساعاً .. أذناه زادتا بالفعل طولاً!.. أصوات الأمواج تتعالى وهي ترتطم بتلك الصخور المتفحمة بفعل الزمن من ذلك الجبل الصامد والمسمى “بخليج الفيل” .. الأصوات تتداخل أكثر حين ترتطم ببعضها فتتدفق مياه الموج القوية في كل إتجاه ثم تتنافر .. تتشتت وتستلقي على خرطوم أرضية هذا الفيل الجبلي الرابض، معتدرة .. سماعه في أشكال سريالية، ثم تنتصب في شكل نافورة تصل إلى الشرفة الصخرية التي يقف عليها الفيل .. هاهو يقترب بحركة غير متوقعة .. إنه يفرد “مشدته”، ثم يقفز من صخرة إلى صخرة وكأنه بابا نويل جديد جاء ليقدم الهدايا والنصائح .. ولكن ما يلفت نظرة هذا المكان برحلة الزمان والمكان، والذي يستقر فيه هذا الفيل الجبلي بخرطومه الغيور ومن حوله تلك اللوحات الفنية المرسومة على ظهر صخوره الجبلية .. فهي لوحات شاعرية جميلة لتشكيلات من وجوه أطفال ونساء ... وتكوينات لمناظر طبيعية .. يتوقف طويلاً في جوف الفتحة الممتدة للمغارة مع خرطوم هذا الخليج الفيلي حتى يخيل إليه هناك في العمق حكايا تبدأ من حيث أنتهى الآخرون.. تدخل في تفصيلاتهم .. تلتصق بالبعض .. وتهمش الآخر .. يرفع رأسه قائلاً “إيه .. أنت أيها الخليج الفيلي .. أنت .. لايشبهك أحد، تختلف عني وعن كل المحيطين بك .. إسمعني جيداً أيها الفيل الجبلي لأنك مستمع جيد .. إنني أعرف كإنسان حجمك التاريخي، ومع ذلك أقول لك لم تثر في يوم ما حفيظه أحد تجاهك .. تعرف أن سر النجاح هو أن ترى الآخرين بعيونهم هم، وليس ماترى أنت فيهم .. تلتقهم وتجلس على شاطئهم الذهبي.. ترقبهم من بعيد .. تعجب من برودة الطقس عندهم، وعبثاً تحاول الاستقصاء عن زوابعهم وعواصفهم وبروقهم .. أين يخبئونها؟ لكنك تتفاجأ بأن تعابيرهم الباردة لا تعكس دواخلهم المتجرحة بخيبات الزمن القاسي” .. كانت حينها تلك الليلة القمرية تمتلئ بكل أحجام النجوم المتلألئة على صفحة البحر .. يجلس فيها مع صديق تجتر معه الأحلام وتبكي شح اللقيا .. يتحدث معه عن كل شيء، ربما لايكون بهذه الروعة ولكن .. إنه الإنسان عندما يريد أن يبتدع أسطورة يعيشها ... يمشي ببطئ مستديراً حتى نهاية الطرف الآخر لخيلج الفيل ... وفي أقصى الطرف لم يستطع أن يراه .. وحين عاد ما الذي سمع؟ .. يوازن خطواته كي لا ينزلق نحو قاع البحر والمحادي للفتحة التي يتكئ عليها بخرطومه الصخري بكل ثقله، هذا الخليج الفيلي .. ومن داخل هذه الفتحة، فجأة أحس أنه تائه، والأصوات تحاصره من كل صوب .. كان خوفاً حقيقياً ينبت لأول مرة في قلبه .. وفي سكون تام يتكسر في صوت الريح، إذا به يستمع إلى صوت واطئ “إذهب إلى الجحيم .. إنني أفضل أن انفرد بنفسي ... أرقب وحدي النجوم والقمر الخجول”.. فتح عينيه دهشة .. وتلفت هنا وهنالك ، كالمذعور .. كانت عيناه مصوبتين باتجاه النجوم والقمر الذي اختفى فجأة بحسابة مارة .. يعود الصوت من جديد “مرت الكثير والكثير من السنوات والكل يقترب مني .. ولكن اقترابك، إقتراب المدقق ... المتفحص، وكم هي متناقضة تشتبك أبعاضها في عراك حاد من خلال ألفاظ تنطلق كالمدفع”.. وفي السرعة الإيقاعية وبشكل صريح يختصر الصوت الزمن وكأنه يخطو خطوات “سريعة” قائلاً: اسمع ياهذا .. الرمال الذهبية والتي أمامي كلها دون تحديد تلك البداية البعيدة على الشاطئ وعلى هذا الخليج الفيلي برماله الذهبية .. بين هذا وذاك يختنق الصوت بالبكاء عندما يقول “لعل الأرض زحفت بك إلى هنا .. وفي الحال أختفى الصوت .. وهنا صاح من الخوف كأن سكيناً أنغرزت في حلقه، يخاله النظر بين الحظة وأخرى وهو يتجه بجسمه الثقيل مبتعداً من المغارة لذلك الخليج الفيلي المتفحم بصخوره الجبلية .. متأملاً في عمق الرمل الذهبي البارد في ليلة مقمرة تندثر فيها النجوم بكل أحجام النجوم الملألأة على صفحة البحر .. ولكن إنه الإنسان عندما يريد أن يبتدع أسطورة يعيشها.