ألقى الدكتور صلاح علي بن مدشل الأستاذ المساعد في كلية الآداب بجامعة حضرموت مؤخرا محاضرة في منتدى الخيصة الثقافي الاجتماعي بمدينة المكلا م/ حضرموت فيما يلي نقدم عرضا موجزا لها .[c1]معنى الثقافة [/c]كما جاء في لسان العرب كلمة ثقافة مشتقة من ثقف أي حذق رجل ثقف بمعنى رحل حاذق وفاهم.[c1]الثقافة في الزمن الراهن[/c]لم تعد الثقافة في الزمن الراهن وقفاً على الإبداع الفني فقط أي أنها ليست محصورة على الشعر والرواية وعلى الخواطر الأدبية والفكرية والفلسفية بل أصبحت تتماثل مع الفكر الشامل الذي يحيط بمجمل النشاط الفكري الإنساني بمعناه الواسع كما أنها لم تعد حكراً على السياسي والشاعر والأديب فقط.[c1]تطور الثقافة[/c]إن تطور الثقافة يدور حول أربعة مجالات :1. أنها حالة العقل في نشاطه الإبداعي.2. الثقافة بمعنى حالة الفكر العامة مع حيز أساسي لتطور الأخلاق.3. الثقافة بمعنى المضمون العام للآداب والفنون والممارسة الفكرية.4. الثقافة بمعنى السبيل الشامل للحياة الروحية والفكرية والمادية للمجتمع ككل.وعلى ضوء هذه المجالات الأربعة تتحدد الرؤية الثقافية..[c1]تعريف اليونسكو للثقافة[/c]في المؤتمر الدولي الذي انعقد في المكسيك عام 1982م ورد في بيان اليونسكو تعريف شامل للثقافة نصه كالآتي :« الثقافة بمعناها الواسع يمكن أن ينظر إليها اليوم على أنها السمات الروحية والمادية والفكرية التي تميز مجتمعاً بعينه أو فئة اجتماعية معينة وتشمل الفنون والآداب وفرائض الحياة والحقوق الأساسية للإنسان «..وهذا المفهوم الشامل للثقافة أعطى بعداً لها وهو البعد التنفيذي ويمكن القول :1. إن الثقافة هي التي تمنح الإنسان القدرة على التفكير في ذاته وتجعل منه كائناً يتميز بالإنسانية المتمثلة في العقلانية والقدرة على النقد والالتزام الأخلاقي وعن طريقها يهتدي إلى القيم ويمارس الاختيار.2. إن الثقافة هي وسيلة الإنسان للتعبير عن نفسه والتعرف على ذاته كمشروع غير مكتمل وإعادة النظر فيما أنجز والبحث دون توقف عن مدلولات جديدة وإبداع أعمال يتفوق فيها الإنسان على ذاته.خصائص رئيسية للثقافةالخاصية الأولى :إن الثقافة من إبداع الإنسان أي أنها مكتسبة لا تنتقل بالوراثة بل عن طريق المعرفة بمعنى أنه إذا كان هناك شخص مثقف ثقافة عالية المستوى فليس بالضرورة أن يكون أبناؤه بنفس الدرجة من الثقافة أو العكس.الخاصية الثانية :الثقافة لا تورث إلا أنها تنتقل من جيل إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر من خلال العادات والتقاليد وعبر القوانين والأعراف وعملية النقل تتم عن طريق التعليم أي أن يطبق كل جيل ما اكتسبه من الغير وما يطرأ على حياته من قيم وسلوكيات جديدة.الخاصية الثالثة :الثقافة متغيرة غير ثابتة تخضع للتعديل من جيل إلى آخر وفق الظروف الخاصة بكل مرحلة حتى إن الأجيال الجديدة قد تطبق قيماً ومفاهيم لم تكن معروفة من قبل.إذاً الثقافة هي جملة المعارف والمدارك التي يحاول الإنسان اكتسابها.[c1]ما علاقة الأخلاق بالثقافة؟[/c]القيم الأخلاقية تعتبر من ضمن المسائل الثقافية العليا فإذا استطاع الإنسان أن يتمتع بثقافة عالية ويدرك كثيراً من القيم الأخلاقية فبإمكانه أن يتجنب السلوكيات الخاطئة والقيم الفاسدة.علم الأخلاق يهتم بالجانب السلوكي للإنسان وموضوعه هو الحكم التقويمي الذي يفرق بين الخير والشر هنا تصبح الثقافة نوعاً من أنواع الأسلحة الفكرية التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يتجنب كثيراً من المخاطر في مجتمعه.[c1]الأخلاق هل تكتسب أم تورث؟[/c]إذا قلنا أن الثقافة لا تورث فالأخلاق أيضاً لا تورث.القيم الأخلاقية هي قيم يسعى إليها الإنسان يكتسبها يتعلمها ومن ثم يأتي العنصر الثالث وهو الجانب العملي (السلوك).[c1]متى تتحول القيم إلى سلوكيات؟[/c]لا يكفي فقط الإلمام بالقيم الأخلاقية والمدارك الثقافية والفكرية بدون ممارستها فعدم ممارستها يعني أن تظل معطلة وبالتالي يصبح المجتمع في حالة من الفوضى ولكن عندما يتحول الجانب الأخلاقي في الإنسان إلى جانب سلوكي عملي مباشر يصبح للأخلاق (المبادئ الأخلاقية) قيمتها وهذا الأمر يتطلب في المقام الأول الإرادة فالإرادة عنصر مهم في استكمال الأخلاق وربطها بالجانب الثقافي فبدون إرادة من الصعب التحلي بالصدق والأمانة والإخلاص والوفاء.وهنا لابد من الربط بين ثلاثة عناصر :1. الثقافة كحد أعلى : من المهم جداً الوصول إليه.2. القيم الأخلاقية : من الضرورة الإلمام بها.3. الإرادة : الربط بين كل هذه الجوانب.إن الجانب الثقافي والأخلاقي والإدراكي عندما يتحول إلى جانب سلوكي عملي نكون قد وضعنا أنفسنا على طريق الخير وأعلى درجات الخير أن يكون الإنسان مسالماً مع نفسه ومع الطبيعة ومع أقرانه من الناس.القيم الأخلاقيةالقيم بكاملها وبكل مستوياتها إذا لم تتحول إلى سلوك عملي تصبح لا قيمة لها.. هذه القيمة تأتي عن طريق الممارسة اليومية من خلال ثقافة عليا الأخلاق والقيم ومن مصدر أساسي وهي الإرادة وطالما أن الإنسان يتمتع بإرادة عليا يستطيع أن يحقق الكثير من القيم.[c1]الفضيلة والرذيلة[/c]يقول الفيلسوف اليوناني سقراط إن (الفضيلة علم والرذيلة جهل) وبنظرة متفحصة واستقرائية نجد أن هذا القول يتهافت يومياً في الحياة العملية فكثير من الناس يمارسون الرذيلة مع عملهم بها وآخرون يمارسون الفضيلة رغم جهلهم بها لذا يمكن القول أن هذه المقول عارية من الصحة ويدحضها الواقع فالفضيلة لا تورث بل تكتسب ولها مستويات وهذه المستويات تدخل في إطار ما يسمى بالمستويات العليا للقيم الروحية الخالدة وهي التي يسعى إليها كل فرد فكل فرد له تجربته الخاصة في اكتساب القيم والمعرف ولكن ليس في مستوى واحد من التنفيذ والسلوك.إن كثيراً من الناس يتمتعون بالكثير من القيم الروحية والثقافية والفكرية من خلال الإدراك والإطلاع ولكنها لا تمارس. هنا تظل الأخلاق معطلة وبالتالي يصبح الجانب السلوكي هو العنصر الفعال في إظهار القيم الأخلاقية.الثقافة هي اتساع المعارف القيمية الأخلاقية والسلوك هو العنصر الآخر الذي نقوم من خلاله بالممارسة.مصادر الثقافةالثقافة لابد أن يكون لها مصادر والمصدر الرئيسي لتشكيل الوعي هو وسائل الإعلام من تلفزيون وسينما وصحافة وانترنت... الخ.هل الإعلام العربي في مستوى التحدي لمواجهة الغزو الثقافي في عصر العولمة؟في ظل العولمة وقطارها المتسارع وثورة الاتصالات والفضاء المفتوح لم يعد هناك شيء يمكن إخفاؤه في عالم اليوم الذي أًصبحت فيه وسائل الإعلام في متناول الجميع ولكن هل كل الوسائل الإعلامية تقدم الشيء الجيد والنافع للناس؟ هناك الكثير من الوسائل الإعلامية وبالذات القنوات الفضائية التي أغلبها تروج للثقافة الهابطة والإباحية والذي لا شك في أن لها تأثيراً سلبياً في تشكيل وعي الأجيال القادمة فادا لم نحم أطفالنا من هذا الغزو الثقافي فربما يذهبوا إلى التهلكة ومع الأسف الشديد رغم المخاطر التي تحيط بنا نجد أن الإعلام العربي بمجمله سلبي وغير قادر على بلورة رؤية ثقافية واضحة المعالم غالباً ما يسهم في إفساد الدوق العام .الثقافة حصانة إذ لم تؤمن مصادرها يصبح من دون جدوى الحديث عن رقي الأخلاق ... عن الحصانة الأخلاقية الروحية عن الاعتصام الذي يؤدي إلى بلورة فكر قومي عربي يحمي المجتمع من الأعداء في الداخل والخارج.[c1]التعدد والترويج الإعلامي [/c]الأخلاق والثقافة ليست مسالة شخصية ولكنها مسالة تدخل في إطار علاقة الإنسان بنفسه وعلاقة بالأخرى أي المجتمع ففي إطار الوطن الواحد نجد إن هناك تعدد ثقافي سلوكي وأخلاقي وهذا ناتج عن التعاون الثقافي بين الناس والذي بدوره يؤدي إلى تفاوت في الحياة سلوكياً وعملياً ..الخ وهذا شيء إيجابي ولكن السلبي في الموضوع أن يكون الإعلام هو الذي بدوره لا يؤمن الحماية المثلى للأفكار الجيدة بل يروج للأفكار السلبية .
أخبار متعلقة