حسام تمام-الباحث في شؤون الحركات الإسلامية:
القاهرة/14اكتوبر/وكالة الصحافة العربية :أكدت الدراسة التي نشرها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن جماعة الإخوان المسلمين تعيش خلال السنوات الأخيرة فوق صفيح ساخن، فمن جانب تواجه الجماعة مراقبة أمنية مشددة بعد ظهور مليشياتها العسكرية في استعراض جامعة الأزهر الشهير، وعلي الجانب الآخر تتوقع كل الدراسات السياسية والبحثية أن التحولات التي تقوم بها الجماعة تفك إيديولوجيتها وتنبيء بنهاية التنظيم·وأشارت الدراسة التي أعدها حسام تمام الباحث في شئون الحركات الإسلامية إلي أن هناك سمتين رئيسيتين في التحولات التي تعيشها الجماعة التي خرج منها تيار الإسلام السياسي منذ بداية القرن أولها أن مجمل التغيرات غير واعية أو مخطط لها مسبقاً بقدر ما هي أقرب إلي التغيير السياسية بمعني أن الجماعة تتحرك وتتغير إيدلوجيتها وفقا لمصالحها، ثم يأتي بعد ذلك دور منظري الجماعة ومفكريها ليفسروا ما حدث· وأوضحت أن هذه التحولات تجري وفق منطق البرجماتية الذي يصحب دائماً المسلك الإخواني ويعطيه القدرة علي الاستجابة للتغيرات والمستجدات السياسية وخاصة فيما يتصل بالعمل السياسي والعمل العام الذي كان الدخول الكثيف للجماعة فيه المحرك والمسئول الأول عن كل ما طالها من تغيير·أما الملمح الثاني لحالة تحولات الإخوان علي حسب الدراسة كان التركيز علي البعد السياسي والذي طال أيضاً مجمل الحركة الإسلامية الكبري وأيضاً أثر علي المسارات لأخري للجماعة مثل المسارات الاجتماعية وغيرها، والتي تأثرت كلها بدخول الجماعة عقل العمل السياسي فحتى المراجعات الفكرية التي قامت بها الجماعة للنصوص والأدبيات الصادرة عنها لم تتناول أمورا كثيرة مسكوت عنها وغير مكتوب لا تزال الجماعة تحتفظ بها·
[c1]خلافة إسلامية[/c]وحول تحول مشروع الإخوان من المطالبة بالخلافة الإسلامية إلي الالتزام بالدولة الوطنية يقول الباحث في دراسته إن من يتابع المشهد الإخواني سوف يكتشف أنه شهد تحولا بالغ الأهمية انتقل به من أفق الخلافة وإقامة الدولة الإسلامية العالمية إلي استيعاب كاملاً في مشروع الدولة الوطنية الحديثة، ولكن ليس هناك مراجعة واضحة وصريحة من قبل الجماعة لقضية الخلافة والدولة الإسلامية العالمية أو موقفا واضحاً مؤكدا علي الشكل النهائي للدولة الإسلامية التي يطمح إليها الإخوان·ذكر "تمام" أنه من خلال مراجعة تفاصيل العمل اليومي وتصريحات قادة الجماعة أتضح جليا أن فكرة دولة الخلافة قد تفككت وتم تجاوزها ولكن دون مراجعة أو إعلان عن هذا التحول لافتا إلي أن المتابع للخطب الإخوانية سيلحظ تراجع خطاب إقامة الدولة الإسلامية واستعادة الخلافة، قد تواري تماماً في السنوات الأخيرة مشيراً إلي أن أهم الأدبيات الإخوانية التي حددت في المسألة السياسية في السنوات الأخيرة أغفلت تماماً أو سقط منها أي حديث أو إشارة لقضية إقامة دولة الخلافة الإسلامية، فمبادرة الإصلاح التي أصدرتها الجماعة عام 2004 خلت تماماً من قضية الخلافة وجاءت محلية بحتة غارقة في قضايا وهموم الشأن المصري البحث·وأظهرت الدراسة أن المفارقة أن أبرز التعديلات التي طالت المبادرة أن قارب النجاة أو السفينة، كانت محور الدعاية الإخوانية في انتخابات 1987، والتي كانت ترمز لجماعة الإخوان لقبطان يقود الأمة في البحار، كما طرأ علي شراعها التعديل فلم يعد سداسيا كما كان يرمز إلي مراحل المشروع الإخواني الستة،كما صاغها المرشد المؤسسي حسن البنا وهي بناء الفرد المسلم والمرأة المسلمة فالمجتمع المسلم فالحكومة الإسلامية فالدولة الإسلامية فالخلافة الإسلامية واستاذية العالم، كما جري تعديلها لتصبح رباعية واسقطت منها خطوتي إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة الإسلامية·
[c1]تسميات جديدة[/c]وشددت علي أن الدخول الكثيف في العمل السياسي أدى إلى تماهي المشروع الإخواني في حدود الدولة الوطنية، كما غلب علي المشروع الإخوان الاهتمام بالقضايا الداخلية المحلية وأن تصير مفرداته وموضوعاته محلية بحتة في الأغلب الأعم وصار الخطاب الإخواني أقرب ما يكون إلي خطاب الأحزاب أو الجماعات الوطنية المحلية منه إلي الجماعات ذات المشروعات العالمية، ومن ثم توارت بهدوء قضايا الخلافة الإسلامية وكل ما يتصل بالمشروع العالمي، وبالتالي اختفي عن الحديث الإخواني أي حديث عن الدولة الإسلامية، بل ظهرت تسميات جديدة بعضها مراوغ في حسن التخلص من أزمة الدولة الإسلامية، فصارت هناك مقاربات جديدة من دولة المسلمين، ثم الدولة الأذنة بالإسلام أي الدولة الديمقراطية ذات المرجعية الإسلامية، التي يطرحه جيل الوسط داخل الجماعة علي لسان أبرز رموزه الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح عضو مكتب الإرشاد·وأضاف الباحث: إن الإخوان قطعوا شوطاً كبيراً في قضية الانتقال من التصور الديني لشكل الدولة إلي تصور مدني وتجاوزا في هذا الانتقال خطاب الأزهر الشريف والمؤسسة الدينية الرسمية وما قدمه الإخوان في قضية المواطنة يبدو بالغ الدلالة إذا تبنوا التأسيس الشرعي لها متقدمين علي الخطاب الديني الرسمي السائد حتي في الأزهر الشريف رمز الاعتدال والوسطية، كما شهدت السنة الأخيرة التي احتدم فيها جدل الإصلاح في مصر تصريحات من قيادات إخوانية نافذة، خاصة من جيل الوسط تعلن القبول بالمواطنة الكاملة حتي لو انتهت برئيس غير مسلم إذا ما جاءت بها الانتخابات، بل ولم يجد بعض قادة الإخوان مثل د· عصام العريان علي سبيل المثال حرجا في القبول بتأسيس حزب مسيحي، وهو إعلان لم يسبق إليه تيار سياسي أو ديني ذو ثقل في الحياة السياسية بمصر حتي داخل الكنيسة نفسها، بل وهو أقرب إلي أن يكون خروجه عن المستقر والسائد في مصر·وأشار في دراسته إلي أنه بمراجعة سريعة في مواقف الإخوان من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر تقول إن الجماعة صارت أقرب إلي حزب وطني قطري، بل وحزب يميني ذي توجهات ليبرالية في المسألة الاجتماعية الاقتصادية، حيث القبول أو عدم الممانعة للتحولات التي طالت البلاد باتجاه اقرار سياسات التحول الاقتصادي نحو تبني اقتصاد السوق القائم علي الخصخصة وإعادة الهيكلة وحرية التجارة وانسحاب الدولة وربما اقتصر اختلاف الطرح الإخواني في هذه القضايا علي الإضافات الأخلاقية دون أي اختلافات جذرية·وذكر أن تغير المشروع الإخواني وتحوله من الخلافة إلي الدولة الوطنية واكبه ترتب عليه تحول لا يقل أهمية في الجماعة المفتوحة الشمولية، التي تقدم نفسها ممثلاً وحيدا للأيديولوجية الإسلامية، وبدأت تبرز صورة جديدة تحمل نوعا من الخصوصية الإخوانية، ففيما مضى كان الإخوان المسلمون يمثلون الواجهة الرسمية للإيدلوجية الإسلامية، التي اجتاحت مصر والعالم العربي بدءا من الثمانينيات حتي وصلت قمتها في نهاية التسعينيات، والتي كان شعارها أو روايتها الكبري إقامة الدولة الإسلامية، وهو شعار كان يستقطب بريقه قطاعات وشرائح وإعمارا بالغة التنوع والاختلاف ويخفي وراءه تناقضات طبقية ومصلحية تكاد تصل حد الصراعات لو تهيأت لها سبله·[c1]ظلم اجتماعي[/c]وقال: كانت هذه الإيديولوجية التي استطاع الإخوان احتكارها حصراً قادرة علي أن تلهم الطبقات المحرومة والمهمشة وتري فيها طريقا للخلاص من كل ما تعاني من فقر وتهميش وظلم اجتماعي كما كانت تلهم في الوقت نفسه الطبقات الوسطي والبورجوازية التي وجدت فيها استجابة لمصالحها وتلبية احتياجاتها الأخلاقية انتهاء بمنحها فرصة للحراك الاجتماعي صعوداً في سلم السلطة وكانت الإيديولوجية نفسها تجذب إليها المتمردين ذوي النزعات الثورية الراغبين في المواجهة الضيقة مثلما ينضوي تحتها المندمجون اجتماعيا من أبناء البورجوازية التي طالما احكمت وأجادت فن التفاوض والمساومة·وأضاف: لكن الدخول البرجماني الكثيف للإخوان في السياسة بما انتهي إلي تخليهم عن الرواية الكبري الدولة الإسلامية والالتزام بطرح برنامج لا يبعد كثيراً عن برامج الأحزاب الوطنية الأخري، بل والليبرالية منها علي وجه الخصوص كما هو الحال في المسألة الاقتصادية والاجتماعية، كان من أهم عوامل تفكك هذه الإيدلوجية لتكشف عما كانت تخفيه من تناقضات طبقية ومصلحية بما ساهم في إمكانية وجود مبرر حقيقي لتعددية إسلامية تتمايز فيها الإخوانية، التي اتجهت إلي التفعيل في رؤيتها وتصورها الخاص بفعل الدخول في العمل العام والسياسي خاصة عن أطروحات إسلامية أخري بحسب الطابع الذي يميز كلا منها "جهادية ـ سلفية ـ إصلاحية ـ مستقلة ـ يسار إسلامي" أو كشف الغطاء عن بعضها مما كانت تحجبه الواجهة الرسمية للإيديولوجية الإسلامية، التحولات التي طالت المشروع الإخواني لحقت أيضاً بإطاره أو إطاره التنظيمي أي التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي تأسس والذ ي على شاكلته كان يفترض أن يقوم ويتحقق حلم دولة الخلافة الإسلامية·وخلص إلي أنه حين يتحدث المراقبون وكذا الإخوان عن التنظيم الدولي يبدو كما لو كان تنظيماً عالمياً يمسك بقبضة من حديد بالتنظيمات القطرية المحلية فيجمعها علي رؤية واحدة ويقودها بسياسة موحدة تسير بالجماعة العالمية في طريق تحقيق الهدف الواحد·