المبدعون المنفيون في أوطانهم
جميل محسن :المبدعون في الوطن العربي في حال واحد ومعاناة واحدة فهم في حياتهم مغيبون وبعد مماتهم يكرمون، والسعداء منهم في حياة شعوبهم مخلدون، وعلى مدى السنين الماضية قرأنا الكثير عن حال هؤلاء وكيف اصبحت ابداعاتهم الفكرية والادبية مصدر شقاء لهم، وكيف انهم ينتهون تعساء في محطات اليأس والارتجاء، وغالبا منفيون في اوطانهم، والامثلة كثيرة في بلادنا (اليمن) مصدر الابداع والمبدعين وفخر العرب والمسملين، امثلة من العصر الحديث نفي محمد عبده غانم الى صنعاء ونفي علي محمد لقمان وعبدالله هادي سبيت الى تعز ونفي احمد الجابري الى الراهدة، ولكل واحد منهما حكاية لها من الف قصة وقصة، واسماء لم ندونها وهي حية في الذاكرة، قد يقول قائل لبعضهم ( مبرر) واختار بنفسه مكان وزمان هذا النفي، وربما نتفق معه ولانتفق، فالسفر من محطة الى محطة له فوائد عدة ومعرفة ولكن النفي تعبير عن ردة فعل قد يكون ظلم اهل البيت او نكران الدولة لابنائها، فغانم وسبيت ولقمان دفعهم اختيار النفي تسلط الدولة وجهلها بالابداع والمبدعين، ونفي الجابري ظلم القربى بنكرانهم حقه في مسكنه واهمال السلطة لابداعه، فظلم مرتين وظلم كل منهما اكبر واشد، واليوم لم يعد الجابري المبدع يرتجي القربى ولا السلطة، بعد ان وكل من هو اقوى، الله سبحانه وتعالى، ولكن هل نلزم الصمت وندفن رؤوسنا في الرمال، لان هذا هو حال كل مبدع في اليمن، هل نترك الامور تسير على سجيتها في الوقت الذي نغير كل يوم وليلة وزير وراء وزير، هل نقبل جميعنا بهذا الواقع، خاصة وان فنانا قديرا مثل يوسف احمد سالم لم يجد مأوى له غير مأوى العجزة ويد كريمة من اهل الخير تمد له يد العون في مداواة آلامه، هل نرضى بهذا الواقع وشاعر مثل علي عمر صالح طريح السرير فاقدا رجليه، وهل يا ترى نرضى ونقبل وهناك اكثر من مبدع يئن تحت وطأة الحاجة والعوز، أليسوا هؤلاء ايضا منفيون في وطنهم اليس هؤلاء من قدم خلاصة فكره لهذا الوطن واعطى اجمل الصور في الابداع، اذن لنصمت او لنتحدث ونقول ان المبدع هو احق بان يعيش معززا مكرما في وطنه لا ان ينفى فيه، ولانريد ان نطرح امثلة لحكومات جارة لنا كيف ترعى مبدعيها وكيف هم ينالون الوفاء والتقدير لاعمالهم الابداعية، ولانريد ان نطلب لهؤلاء الفيلل والارصدة المالية واحدث موديلات السيارات فهذه نتركها للوزراء والمحسوبين على السلطة، وانما ما نطلبه هو ان نزيل احساس النفي في الوطن والغربة فيه، وان نعيد لهؤلاء حقوقهم واعتباراتهم وان نقدرهم احياء لاأموات، ما نطلبه من الدولة وهي اليوم تقوم بتطبيق البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح ان تعيد حساباتها بالمبدعين وان تكرس جهودها لانتشالهم من اوضاعهم المعيشية الصعبة وارجاعهم الى قلب الوطن ووسط احبائهم وجماهيرهم واخيرا اقول ان اعادة اعتبار لمبدع وعودة حقوقه من المسكن والمعاش، او تركيب اطراف لمن فقد رجليه، او انتشال احدهم من اليأس والشعور بفقدان المأوى، هو افضل بكثير من طباعة 500 ديوان او رعاية حفل غنائي، ولعل الوقت مازال ممكنا في انتشال المبدع اليمني واعادته من منفاه القسري داخل الوطن الى مكانه الطبيعي بين الناس، والبحث عن المبدعين المنفيين داخل الوطن لايحتاج الى بحث او دراسة، فلنفتح عقولنا ونبحث عنهم وهم قريبين منا.[c1]* صحفي بجريدة (البيان) الاماراتية[/c]