العقل الإسلامي يعيش أزمة حقيقية، أهم ملامح هذه الأزمة هو تقديس السلف من الفقهاء وجامعي الأحاديث حتى ولو على حساب الرسول الكريم نفسه!، وكما قدس اليهود التلموذ أكثر من التوراة قدسنا نحن المسلمين كتب الأحاديث أكثر من القرآن نفسه! وأصبح انتقاد الأحاديث من أي باحث أو حتى محاولة تحليلها أو ابتداع منهج جديد لقراءتها من قبيل الانتحار أو اللعب بالنار. وهذا ما حدث مع الكاتب الشاب إسلام بحيري الذي دافع عن الرسول عليه الصلاة والسلام وأثبت بالدلائل التاريخية أن الرسول تزوج السيدة عائشة في سن الثامنة عشر وليس في سن التاسعة كما ذكر البخاري، ولأن البخاري في نظر السلفيين لا يمكن أن يخطئ، فقد كذبوا الباحث واتهموه بالجنون، وأصبحت بذلك حماية البخاري من النقد أهم بكثير من حماية الرسول من الاتهامات المغرضة. لم يكن الباحث إسلام بحيري أول من أثار هذه النقطة فقد حاول المؤرخ حسين مؤنس من قبل تفنيد مسألة زواج الرسول من عائشة وهى في سن التاسعة ولم يكن مقتنعاً بذلك، ولكن مر القراء عليها مرور الكرام لأنها كانت مجرد نقطة هامشية في كتاب ليست هذه قضيته الأساسية، ولكن الباحث الشاب الذي نشر بحثه في جريدة (اليوم السابع) وألقى الضوء عليه المفكر المجدد جمال البنا وعلق عليه الصحفي المتألق سليمان جودة، هذا الباحث بذل جهداً كبيراً في بحثه المطول، وجعل تركيزه على هذه النقطة بالذات، ولن أطيل في كيف أثبت بالمنطق التاريخي أن سن أم المؤمنين لم يكن 9 سنوات ولكنه ثمانية عشر عاماً،فمن يريد متابعتها عليه الإطلاع على موقع (اليوم السابع)، فالمهم عندي هو رد فعل القراء ورد فعل الأزهر، وهو ما أود الإلحاح عليه وفتح زوايا جديدة للنقاش، ومواجهة الحقيقة المرة التي ربما خجل البنا وسليمان جوده من إعلانها أو طرح علامات استفهامها، وهى هل الناس في مصر ومن ضمنهم الأزهريين صاروا يقدسون البخاري أكثر من الرسول، ويهتمون بالدفاع عنه أكثر من دفاعهم عن الرسول؟!، للأسف الإجابة صادمة ومحبطة. تعليقات القراء وموقف الأزهر من هذا البحث هو الذي يستحق الدراسة، وهو الذي يشير إلى الخلل العقلي الذي أصابنا، فهم لم يناقشوا البحث أصلاً، ولم يبذلوا أي جهد عقلي لإثبات أخطائه وفساد استدلالاته، وإنما كان كل همهم هو الدفاع عن الإمام البخاري فقط ومهما كانت النتائج والتبعات، وحتى لو خالف حقيقة تاريخية أو علمية، وهذه هي بعض التعليقات وسأنقلها كما هي: * إن كنت مدافعًا عن الحبيب المصطفى، فهم من علموك من هو الحبيب، فلا تستخدم جهدهم في حربهم، ولا تقف على برج بنوه بعمرهم لترميهم من عليه، فكل قواعد الحديث التي تستند عليها لتسخر منهم، هم واضعوها. * يعني من الآخر بنقول طز في البخاري ومسلم وبالتالي تشكيك مفتوح في كل حديث فيهم!! وما فيها لو تزوج الرسول منها وهى طفلة؟؟؟،والله لو لي طفلة لزوجتها للرسول حتى لو كانت في عمر السنتين. * نحن كمسلمين لا يعنينا ولا يعيبنا إذا كانت السيدة عائشة 9 سنوات أو 90 سنة ولا ينتقص من قدرها أو من قدر النبي أي شيء - ولسنا مطالبين بتبرير أو تفسير يرضي الآخرين من أعداء الدين. * اتقوا الله واتركوا العلم للعلماء... وتحدثوا بأدب عن أهل الأدب والفضل. * يا آخى لا نريد ونحن في هذه الفترة العصيبة التشكيك في أعلام الفكر الإسلامي حتى لا نحدث ضجة من التشكيك في علماء أمثال البخاري ومسلم. * سيدي إن المنطقة العربية حارة وسن البلوغ فيها للبنات يكون مبكراً ونحن نقول بالعامية ( البنت فايرة) بمعنى أن علامات الأنوثة تظهر عليها مبكرة , والسيدة عائشة بهذا المعنى لم تكن طفلة كما يقول قصار الفكر ضعاف العلم والعقل والحاقدين على عظمة الإسلام ونبيه الكريم. * الأخ العزيز كاتب المقال، أحب أن أوجه انتباهك إلى شيء مهم وهم مهما بلغ اهتمامك وحرصك على هذا الدين فلن يبلغ اهتمام وحرص السلف الصالح (الذي نعته بالتراث القديم ) على هذا الدين وهذا السلف الصالح الذي قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم (خير القرون قرني ثم الذي يلونهم ثم الذي يلونهم ) ولا ح تعترض على هذا الحديث هو الآخر،يا أستاذ الدين ليس لعبة نتقبل منها ما نشاء ونرفض منها ما نشاء حسب عقولنا فأنت لست أعقل منى ولا من غيري حتى أتقبل كلامك وارفض كلام البخاري ومسلم اتقى الله في المسلمين وفى الإسلام. * فلو فتحنا الباب لنقد البخاري ومسلم ستكون فتنة كبرى. علماؤنا هم من وصفوهما بالصحيح وهؤلاء افنوا أعمارهم. هذه التعليقات مجرد عينة مما كتب في (اليوم السابع) ولم أنقل التعليقات على مقال جمال البنا لضيق المساحة، بالطبع كانت هناك تعليقات مستنيرة، ولكنها كأي فكر مستنير ناقد في مصر هو مجرد صوت هامس مبحوح وسط صراخ وضجيج الظلاميين، ولكن ليست التعليقات في حد ذاتها هي المهمة ولكن المهم هو دلالات هذه التعليقات التي تحمل بصمات تفكير عقلي محنط. كيف واجه هؤلاء بحثاً منطقياً يتحدث بالأرقام والتواريخ؟، أتبعوا أكثر من مدرسة في الرد والتفكير، وكل مدرسة منها تحمل فيروساً مدمراً يحرض على مزيد من التخلف والتحجر : -1 المدرسة الأولى هي مدرسة ليس في الإمكان أبدع مما كان، وإنت مين يا صعلوك علشان تتطاول على البخاري، وكأن التحريض على منهج جديد في البحث هو تطاول، وكأن الاستفادة من الكمبيوتر والآلة الحاسبة وعلم التاريخ والإحصاء وإعمال العقل جريمة تطاول، وأقولها بصوت عالٍ نعم الباحثون الآن أفضل من فقهاء الماضي لو أرادوا، لسبب بسيط وهو توافر وسائل تكنولوجية ومناهج بحث لم تكن متوافرة لهم، تكفيهم مؤونة وجهدًا وكدًا عملاً مضنياً للبحث عن كلمة في ركام عشرات الآلاف من الأوراق، وهى الآن من الممكن كشفها في ثانية بضغطة على زر (الكى بورد)، وجرب أن تبحث مثلاً عن معدل تكرار كلمة معينة في القرآن وقارن بين ما تستغرقه أنت على الكمبيوتر الآن وبين ما يستغرقه فقيه من ألف سنة، وقارن معدل الخطأ عندك الذي هو تقريباً صفر ومعدل الخطأ عنده!!. -2 المدرسة الثانية هى مدرسة التخريفات العلمية، ومنها تخريفة فوران البنات فى البلاد الحارة وكأنهن كسرولة لبن على البوتاجاز!، وأرجو من إفتكس هذه الإفتكاسه العلمية أن يذهب معنا إلى السعودية الآن الأشد حرارة لنشاهد عملية الفوران الأنثوية التى تجعل البنت الحارة ضعف الباردة، وبرجاء مشاهدة الفتيات الألمانيات اللاتى تنتمين إلى طائفة الدبابات ومقارنتهن بفتيات كينيا الحارة اللاتى تبرز عظام قفصهن الصدرى من كثرة الفوران!، وإذا قبلنا هذا الدفاع المعتمد على الفوران،يبقى سؤال وهو ماعلاقة فوران البنت فى البلاد الحارة بضرورة تزويجها بدرى؟، وماعلاقة الفوران والحرارة بفوران الرغبة الجنسية؟!!، مجرد أسئلة بريئة. -3 المدرسة الثالثة هى مدرسة الستر، وإكفى ع الخبر ماجور، وبلاش اللغوصه فى المسائل دى لأنها ممكن تعمل بلبلة، وأقول يامرحباً بالبلبلة إذا كانت ستحقق تقدماً إلى الأمام، وهو الفكر إيه غير بلبلة فى البداية؟!!، مسألة أن تغطى الجرح على قيح وصديد ستنتهي بمأساة وهى بتر العضو نفسه، فالخوف والرعب من الشفافية ومناقشة ما نعتبره بديهيات تحسباً لفتح باب القيل والقال والتشكيك في السلف الصالح، لم يعد له مكاناً في عالمنا الآن، فكل شيء مطروح للنقاش على مائدة البحث، ومحاولة إخفاء الحقائق والعورات وزيادة رصيد المسكوت عنه أصبح مثل محاولة إخفاء جسد عارٍ بقطعة قماش شفافة !!. أما عن صمت الأزهر تجاه هذا البحث، وهو السؤال الذي طرحه سليمان جوده، فإجابته سهلة: أي تشكيك في أي حديث حتى ولو كان متنه مخالفاً تماماً لحقيقة علمية واضحة كالشمس، هذا التشكيك سيضيع « السبوبة « أو بمعنى آخر ستبور تجارتهم في الفتاوى المعتمدة على الأحاديث والروايات، فكلما صارت الأحاديث تابو أو جيتو أو ساحة مغلقة لا يدخلها إلا صاحب العمامة بباسبور الأزهر، كلما أصبح منح صك الغفران حقاً أصيلاً واحتكاراً مطلقاً لهم، وأي خدش لهذه المنظومة سواء من خارج المنظومة الأزهرية مثل إسلام البحيرى أم جمال البنا أو حتى من المنظومة نفسها مثل الشيخ الأزهري أحمد صبحي منصور، سيقابل بمنتهى العنف أو بمنتهى الطناش.!![c1]-----------------------------------------------* طبيب مصري- عضو منظمة (أطباء بلا حدود) حائز على جائزة الأمم المتحدة للمتطوعين ضد الكوارث في البلدان الفقيرة.[/c]
أخبار متعلقة