الجزاء من جنس العمل .. حكمة أكدتها التجربة الإنسانية على امتداد الزمان .. وخاتمة الإنسان هي جزء من تاريخه .. الذي صنعه بعمله طوال حياته !! وتكون خاتمته على قدر عمله ونيته ! . قرأت في أخبار (( الثعالبي )) عن عبدالملك بن عمار الليثي قال : (( رأيت في هذا القصر ، وأشار إلى قصر الإمارة بالكوفة رأس الحسين بن علي - رضي الله عنه - بين يدي عبيد الله بن زياد على ترس ! . ثم رأيت رأس عبيد الله بن زياد بين يدي المختار بن أبي عبيد على ترس في نفس المكان !!. ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير على ترس في نفس المكان !! . ثم رأيت رأس مصعب بن الزبير بين يدي عبدالملك بن مروان على ترس في نفس المكان !!. فحدثت الخليفة عبدالملك بن مروان بذلك فتطير من المكان وفارقه إلى موضع آخر في القصر!! )) . هذه الحكاية تفصح عن أعظم دروس الحياة ، وتكشف العاقبة المريرة لكل من تربى وترعرع في أحضان الدم وهو يعد رأسه وجبة شهية تملأ شهوة جامحة في صدر قاتله ولو بعد حين ! وتفترسه العاقبة لقمة سهلة في أجله المحتوم ! . ولقد استوقفتني هذه الحكاية ملياً ؛ لأستوحي منها دروساً شتى ، ولأقف بجلاء على حقيقة الدعوى بإنصاف الدهر ولو طال الانتظار ، وبصدق الحكمة القائلة : (( وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين ! )) . إن أسوأ لحظات الإنسان وأنكدها حين يحس بالهزيمة المرة أمام خصومه وقد حاقت به لعنة الدهر وأصبح مثلة وعبرة للمنكوبين ووجد نفسه صفر اليدين حتى من إكرام الناس وتقديرهم لمقامه ! . كم رصدت ذاكرتي من مشاهد أفرزتها حقبة ثقيلة من تاريخ الثورة المعاصر حين تملكت النشوة الكذابة ذلك المنتصر الواهم ، وأطلقت له العنان بضرب الرقاب في كل الخصوم غير عابئ بالتركة الثقيلة من حزب الأرامل والأيتام والمفقودين والمشردين جاهلاً بأن يكون النصر الموهوم هو أسوأ أنواع الهزيمة في كل زمان !! . وبقدر ما حفلت ذاكرتي بأرقام أليمة تعكس بؤس تاريخ السياسي المعاصر ، بقدر ما ثبت فيها الرقم الصعب بجدارة الذي استطاع أن يحطم الأرقام المألوفة من جنسه ، وألغى كل النتائج التي يتم انتظارها اثر كل مأساة تحيق بهذا الوطن . هذا الرقم الصعب هو القائد / علي عبدالله صالح الذي استطاع أن ينهي حرب 94 م دون كوارث بشرية كانت دائماً في الانتظار !! . لقد أعلن أصدق عفو عام في تاريخ اليمن المعاصر مهما يحاول البؤساء والمهزومون تشويهه ! فلم يقتل شخصاً واحداً بعد يوم النصر في مقاصل الإعدامات ولم يترك سجيناً واحداً في غياهب المعتقلات بعد انتهاء الحرب ، وحصرت النيابة العامة الاتهام في 16 نفراً ! ، وهو رقم متواضع للغاية أمام جسامة الحرب والخصم .. إنه رقم يبعث على الضحك مع احترامي الشديد لعمل القضاء والنيابة ، ولكنه يعكس بالضرورة أخلاق قائد تعامل مع الواقع بأسلوب اختلف عن أساليب كل الذين سبقوه ، ويعكس التربية الصادقة على السماحة وكراهية الدم ! . ولست أنكر ما خلفته الحرب من معاناة وتشريد .. لكنه البديل الذي لم يكن منه بد أمام بدائل السحل والتضييع والتغييب !! . وإذا كان كل قائد في التاريخ ، سيفتح بكل تواضع للتعلم قلبه وأذنيه ، فإن سواء الصراط سيهدي له طريقاً إلى الأمجاد يشقها بنجاح وسيبسط له في الأرض الذكر الحميد !! . ولو تأملنا قليلاً في الوراء لأدركنا كيف أصبح مصير أولئك المرضى الذين جرعوا شعبنا حشواً من أوهام قالوا عنها أنها (( علمية )) !! وجردوا شعبنا من الملك وسلموه إلى دولة الوحدة صفر اليدين مكبل القدمين .. فلما فتحت مجاري التنفس قليلاً لم يسمح لنفسه أن يتحملهم كثيراً بل أصدر حكمه الحق فيهم ووضعهم في الموضع الذي يستحقونه من مزبلة الدهر !! إلى غير رجعة إن شاء الله ! . وهم بذلك عبرة لمن خلفهم وجاء بعدهم فإما القدوة الحسنة والمصير الحميد وإما بظلم الرعية ونصر الفساد طريقاً إلى الهاوية وسوء المصير ! . تأملت ما مضى من هذه الحكاية وتداعياتها ، فتذكرت قوله صلى الله عليه وسلم : (( كن عبدالله المقتول ولا تكن عبدالله القاتل )) .وصدق الله القائل : (( ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين )) !! .
|
رمضانيات
على الباغي تدور الدوائر !!
أخبار متعلقة