أجمعت كتب التاريخ بأن السلطان عامر بن عبد الوهاب المقتول سنة ( 923هـ / 1517م ) سلطان الدولة الطاهرية في اليمن الذي امتد حكمه قرابة 29عاماً ، كان أعظم سلاطين بني طاهر ، فقد شهدت الدولة في عهده ازدهاراً كبيراً في المجال الاقتصادي ، واتسعت العمران في عهد ه اتساعاً عريضاً ، فقد كان يشرف بنفسه على ميناء عدن في أثناء موسم الرياح ليراقب حركة نشاط الميناء ، والسفن المتجه إلى الهند , وكان يمكث ثلاثة أشهر في عدن ليتفقد أيضاً أحوال العباد والبلاد .[c1]مكتبة السلطان عامر الضخمة[/c] وكان إلى جانب اهتمامه الكبير بالحياة الاقتصادية ، كان يهتم أيضاً بالحياة الثقافية ، فكان قصره ومقر حكمه في المقرانة في رداع تحتوي على مكتبة فخمة وضخمة ضمت أمهات الكتب القيمة ، والكتب النفيسة ، وكان يبعث مندوبين إلى الكثير من البلدان العربية والإسلامية للبحث عن الكتب النادرة والجديدة لشرائها وجلبها له . وكان إلى جانب هذا قائد عسكري فذ ومحارب من الطراز الأول وعلى يديه توسعت رقعت دولته ، وقضى على خصومه والمناوئين ضد حكمه أو بالأحرى حد من قوتهم . وبمجرد أن جلس على كرسي الحكم بعد وفاة والده السلطان المنصور ، اندلعت الثورات والتمرد في كثير من أقاليم الدولة ، ولكنه تمكن بحكمته ، وقوة شكيمته ، إخماد جذوة تلك القلاقل والإضطرابات . [c1]الأوضاع السياسية في عهده[/c]ولكن التاريخ كما هو معروف ذكر أحداث الملك السلطان عامر بن عبد الوهاب مجردة أو بتعبير آخر أبرز لنا الأوضاع السياسية الخطيرة التي شهدتها اليمن في ظلال حكمه والتي كانت لها تأثير كبير وخطير في مجريات الأحداث على كيان دولته وعلى حياته أيضاً والتي أدت إلى مصرعه على يد المماليك المصريين تحت أسوار صنعاء ـــ كما قلنا سابقاً . ولم يتناول الوجوه الإنسانية من حياته ، وتأتي السيرة الشعبية لتروي تلك الجوانب الأخرى من حياة السلطان عامر بن عبد الوهاب الإنسانية أو الوجه الآخر من حياته الذي لم يميط التاريخ اللثام عنه . فقد كان هم التاريخ وشغله الشاغل الأول هوا تدوين وتسجيل لأحداث التي شهدتها المنطقة في عهد حكم السلطان (( عامر )) المتمثل بالغزو البرتغالي لسواحل اليمن سواء في البحر العربي أو البحر الأحمر ، و تحويله بحيرة برتغالية ، وكان من جراء ذلك أن فرض الأسطول البرتغالي الضخم بمقاييس ذلك الزمان الذي كان يمتلك الأسلحة الفتاكة حينئذ على المدافع الثقيلة ، والبنادق والتي لم تشهدها اليمن من قبل علاوة على الأسطول البرتغالي المدرب على القتال في عرض البحر والذي اتبع سياسة الأرض المحروقة ـــ إنّ صح هذا التعبير ــــ حيث كان يخرب ويدمر موانئ السواحل العربية الجنوبية ، ويستخدم أعنف الأساليب في إغراق السفن العربية التجارية في عرض البحر الأحمر أو المحيط الهندي بهدف إحكام قبضته على الحصار الاقتصادي المفروض على السواحل الجنوبية العربية ومنها السواحل اليمنية بهدف أن تكون سلع وبضائع الهند في حوزة قبضته فقط. [c1] المماليك المصريون[/c] ثم شهد في أيام حكمه نزول المماليك المصرية إلى سواحل اليمن وذلك بالتعاون مع خصومه السياسيين المناوئين له الذين ساءهم أن يكونوا في مربع الظل بسبب شخصيته القوية التي لم تسمح لأحد من مناوئيه أن يرفع رأسه ولكن عندما حانت الفرصة المتمثلة بالحصار الاقتصادي البرتغالي الذي ضرب على سواحل دولته من ناحية ونزول المماليك الغورية ( نسبه إلى السلطان الغوري سلطان المماليك المصرية ) سواحل اليمن ــ كما أسلفنا ـــ حيث حدث العداء الصريح بين هؤلاء المماليك المصريين والسلطان عامر بن عبد الوهاب بسبب عدم تعاون الأخير معهم من خلال تقديم التسهيلات البحرية ضد البرتغاليين حيث خشيا السلطان عامر أنّ يتعاون مع هؤلاء المماليك فتصير دولته تحت نفوذ المماليك سياسياً مما يؤدي إلى دفع الإتاوات والجزية لهم . وهذا ما أكده الدكتور سيد مصطفى سالم في هذا السياق ، قائلاً : وقد مال السلطان في بادئ الأمر إلى إجابة طلب حسين الكردي ـــ قائد الحملة البحرية المملوكية ـــ والوفاء بوعوده السابقة للسلطان ( الغوري ) ، ولكن أشار عليه أحد قادته بعدم إجابة طلب مطالب المماليك وطرد رسولهم “ . ويضيف ، قائلاً : وكانت حجة هذا القائد هي الخوف من أن تكون مطالب المماليك نوعاً من فرض السيادة السياسية أو السيطرة العسكرية على اليمن ، أو يتحول طلب المماليك إلى جزية سنوية يطالب بها اليمن باسم محاربة البرتغاليين “ . وعلى أية حال ، فقد تمكنت الأوضاع السياسية الخارجية المتمثلة بالبرتغاليين أن تقلب موازين القوى لصالح خصوم السلطنة والسلطان عامر بن عبد الوهاب ، وكان من نتيجة ذلك هو غروب شمس الدولة الطاهرية وذلك بمصرعه على يد المماليك المصريين ـــ كما أشرنا سابقاً ـــ بالقرب من صنعاء في سنة 1517م . [c1]التاريخ صامتاً [/c]كل تلك الأحداث الخطيرة والهامة التي شهدتها اليمن والسواحل الجنوبية العربية ذكرتها كتب التاريخ ، ولكن كتب التاريخ وقفت صامتة لا تحرك ساكناً حول الجوانب الأخرى الإنسانية التي لم يكشف عنها النقاب عن حياة السلطان عامر بن عبد الوهاب أو بتعبير آخر لم تسلط الأضواء على سيرة حياته والتي تعتبر من الضرورة بمكان أن نتعرف على جوانبها المختلفة والمتنوعة لكونها ألقت بظلها على أسلوب حكمه منذ أن جلس على كرسيه سنة ( 894هـ / 1489م ) بعد وفاة والده الملك المنصور . وتأتي السيرة الشعبية لتسد الفراغ الذي تركه التاريخ في كتابة الجوانب الإنسانية للسلطان عامر الذي حكم اليمن قرابة 29عاماً والذي يعد أعظم ملوك وسلاطين الدولة الطاهرية جميعا ، وبمصرعه غابت الدولة الطاهرية عن مسرح اليمن السياسي .[c1]والدة السلطان عامر[/c]يذكر ابن الديبع أن والدة السلطان عامر بن عبد الوهاب توفت قبل أن يعتلي العرش بعامين أي في سنة ( 892هـ / 1487م ) ونعتها بأنها “ كانت من أهل الخير والصلاح ، والدين ، والصدقة ، والمعروف “ . والحقيقة كان من الطبيعي أن تلك الخصال الطيبة أن تؤثر على شخصية الشاب السلطان عامر ، وتروي السيرة الشعبية بأن السلطان عامر كان منذ صغره متعلق بها تعلقاً كبيراً ، وكان معظم وقته يمضيه معها بسبب أن والده الملك المنصور كان رجل دولة ، وكان أوقاته دائما وأبداً في حالة حرب مع خصومه السياسيين . ويضيف راوي السيرة الشعبية ، بأن والدة عامر فضلاً عن خصالها الحميدة ، كانت تختلف عن نساء القصور في ذلك العهد أو في تلك الفترة التاريخية وهي أنها كانت تعشق القراءة والإطلاع على الكثير عن كتب السيرة النبوية الشريفة ، وكتب سير الصحابة الكبار ، ويقال أنها كانت تقرض الشعر المجيد ، وقيل أنها كانت متبحرة في العلوم الشرعية . ومع الأسف العميق لم نعثر أو نقف على قصيدة من قصائدها أو مقطع من مقطوعاتها الشعرية . ويبدو أن (( فاطمة )) وهي اسم والدة السلطان عامر ولدت وتربت ونشأت وترعرعت في بيت علم ومعرفة من ناحية وأنها كانت تميل إلى الثقافة بصورة عامة من ناحية أخرى . [c1]السلطان عامر والحياة الثقافية[/c] وتروي السيرة الشعبية أن السلطان عامر بن عبد الوهاب ، عندما كان شاباُ يافعاً قبل أن ينشغل بشؤون الحكم ، كان يقرض الشعر الجيد ، وخاصة الشعر الحماسي ويقال أيضاً في الشعر العذري أو شعر الغزل العفيف ، وكان كثير القراءة والإطلاع على الكتب وخاصة كتب سيرة الرجال من الحكام العظام ، والقادة الكبار بسبب والدته التي كانت ـــ كما أسلفنا ــــ ولعة بالقراءة سواء في الأدب بشقيه النثر ، والشعر وأيضاً في العلوم الشرعية ، كالفقه ، والحديث ، وتفسير القرآن الكريم . فعندما يقول لنا التاريخ أن السلطان عامر بن عبد الوهاب كان مهتم اهتماماً بالغاً بالحياة الثقافية , وكان يبعث المندوبين إلى مختلف البلدان العربية والإسلامية للبحث عن الكتب النادرة ، والجديدة ، فلم يكن ذلك غريباً على طبيعة وروح السلطان عامر ، فقد تربى ونشأ في أحضان والدته التي كانت تقدر وتحترم العلم والمعرفة فتشرب منها حب الثقافة ـــ كما قلنا سابقاً ـــ. وفي حكمه شهدت الدولة الطاهرية ازدهاراً واسعاً في الحياة الثقافية . وهذا ما أكده سيد مصطفى سالم ، قائلاً : “ وعمل السلطان عامر كذلك على تنشيط الحياة الثقافية ، فالإضافة إلى اهتمامه ببناء المدارس ، وتقريب العلماء إليه ، كان يهتم باقتناء الكتب العلمية النفيسة ، فيرسل مندوبيه إلى العواصم الإسلامية لشراء الجديد أو الثمين من هذه الكتب ، كما كان يأمر بكتابة نسخ منها لوضعها في جامع زبيد حتى تكون تحت تصرف العلماء والفقهاء “ . ويضيف ، قائلاً : “ ولقد كانت (( زبيد )) مركزاً علميا هاماً طوال العصور الإسلامية “ . [c1]المدارس الإسلامية[/c] ولقد ذكر الدكتور سيد مصطفى سالم ، بأن السلطان عامر وجه عنايته ببناء المدارس الإسلامية لكونه وجه من وجوه الثقافة التي يعشقها ويحترمها وعلى سبيل المثال المدرسة العامرية في مدينة رداع والذي قال عنها المؤرخ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع : “ بناها السلطان الظافر عامر بن عبد الوهاب بن داود بن طاهر في شهر ربيع الأول من شهور سنة عشر وتسع مئة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام . وقد قام بالإشراف على بنائها وزيره الأمير علي ابن محمد البعداني “ . والملاحظ أن الذي قام بالإشراف على بناء تلك المدرسة العامرية برداع وزير السلطان عامر بنفسه ، وهذا دليل واضح على مدى العناية الفائقة في بناء المدارس الإسلامية في دولته .[c1]عمارة جامع تريم[/c]ويحدثنا القاضي إسماعيل الأكوع عن مناقب ومآثر السلطان عامر في بناء العديد من المدارس في اليمن ، فيقول : “ وله مآثرُ خيرية أخرى ، منها مدرسة في زبيد ، ومدرسة في تعز ، ووقف عليها أوقافاً واسعة ، وعمر وأصلح ما تشعث من المدارس السابقة ، وكذلك عمارة جامع زبيد الكبير ، والجامع الكبير بالمقرانة ، ومسجد القُبة بها ، ومسجد بعدن ، وأخر بالمباءة ( معلا دكة الكباش تحت باب عدن حالياً ) بظاهر باب البر منها ، وعمارة الجامع بتريم “ . وعندما نرى ونلمس المدارس الإسلامية التي أقامها السلطان عامر في العديد من الأقاليم اليمنية غربها وشرقها ، وجنوبها نستخلص من ذلك أنّ سلطان نفوذه كان قوياً ، وأن الدولة الطاهرية في حكمه كانت مرهوبة الجانب ، وأنها ثبتت أقدامها في غالبية المناطق اليمنية ما عدا بعض المناطق في شمال اليمن التي كان يسيطر عليها الأئمة الزيدية.لقد تبوأت الحياة الثقافية ـــ كما قلنا سابقاً ــ في تفكير السلطان عامر بن عبد الوهاب مكانة عالية ، واحتلت مساحة كبيرة ، وهذا إنّ دل على شيء فإنما يدل بأن والدته كانت لها تأثير واضحاً في تكوُين حياته الشخصية الثقافية أو بالأحرى بذرت في نفسه بذور حب العلم والمعرفة منذ كان صغيراً وعندما تولى شؤون الحكم اعتنى بالحياة الثقافية اعتناءاً كبيراً ، وصارت الثقافة من أوليات أعماله في الحكم. [c1] السلطان عامر والسياسة[/c] وتروي السيرة الشعبية بأن والدته كانت ذات شخصية قوية ، وكانت لها مكانة كبيرة في حياة زوجها الملك السلطان المنصور ويبدو أنّ زوجها لم يكن طموحاً ، وكان يكتفي بما لديه من مناطق ، في عهده لم تشهد الدولة الطاهرية توسعاً في الأقاليم اليمنية ، والدخول في صراعات حادة وشرسة ضد خصومه السياسيين وعلى رأسهم الأئمة الزيدية ، والأشراف , وعلى أية حال ، كان كثيراً ما يستشيرها ، ويطلب رأيها نظراً لسداد رأيها ، ونظرتها الثاقبة في مجريات الأمور التي كانت تطفو على سطح الحياة السياسية من حين آخر ، نظراً لكونها ولدت وتربت في بيت كان يخرج منه القرار السياسي الخطير التي غيرت مجرى وجه التاريخ المتمثل بالقضاء على الدولة الرسولية التي حكمت اليمن أكثر من مائتي عام ، فهي من الأسرة الطاهرية الحاكمة ـــ على حسب قول ابن الديبع ـــ . وكان من البديهي أن يتعلم ابنها السلطان (( عامر )) على يديها أمور الحكم والسياسة ، مثلما تعلم منها حب الحياة الثقافية والذي أوسع لها مكانة واسعة في دولته بعد أن تقلد أمور الحكم ـــ كما شهدنا قبل قليل ـــ . [c1]طموحه العريض[/c]والحقيقة أن مصادر التراث ، تؤكد أنّ والده المنصور لم يكن لديه الطموح العريض والشخصية القوية التي تساعده على مواجهة الأوضاع السياسية ــ كما أسلفنا ــ ، فقد كان مكتفياً ، وقانعاً بالأقاليم الواقعة التي تحت يديه ، ولم يكن يسعا إلى التوسع ، بخلاف ابنه السلطان عامر الذي كانت له طموحات كبيرة وعميقة في التوسع في طول وعرض وارتفاع اليمن . فقد اكتسب قوة شخصيته من والدته التي كانت سيدة من الطراز الطموح والرؤية الثاقبة للأمور السياسية والتي تربت في بيت سياسة ورياسة ـــ كما أشرنا سابقاً ـــ . [c1]توسيع رقعة دولته[/c]وكيفما كان الأمر ، فقد تمكن السلطان عامر بن عبد الوهاب بعد أن تربع على قمة هرم الدولة الطاهرية أن يوسع أملاك دولته وأن يبسط ونفوذها في الكثير من الأقاليم في اليمن من ناحية وأن يخمد صوت المعارضة السياسية من ناحية أخرى . وهنا ربما كان مناسباً ، أن نقتبس من كلام الدكتور سيد مصطفى سالم حول جهود السلطان (( عامر )) الكبيرة في توسيع أملاك دولته من جهة وإخماد جذوة معارضيه من جهة أخرى . فيقول : “ ولذلك فيمكن أن نقسم حكمه الطويل الذي امتد حوالي تسعة وعشرين عاماً إلى مرحلتين ، المرحلة الأولى وهي التي عمل فيها على تثبيت أقدامه في المنطقة الطاهرية أو بالأحرى في المنطقة الجبلية الجنوبية والسواحل . أما المرحلة الثانية فهى التي بدأها بالصدام مع الأئمة والتي انتهت بتثبيت حكمه في المنطقة الشمالية إلى حد كبير “ . وفي موضع أخر ، يقول سيد مصطفى سالم عن السلطان (( عامر )) : “ والحقيقة أنّ السلطان عامر كان حاكما قوياً طموحاً . ويعتبر من أبرز شخصيات الأسرة الطاهرية ، فقد أظهر نشاطاً كبيراً منذ توليته الحكم في جمادى الأولى سنة 894هـ ( أبريل 1489م ) ، وعمل على توسيع رقع أملاكه على عكس والده الذي قنع بالعيش في سلام مع باقي السيادات التي عاصرته ، وخاصة الزيدية . وقد ورث السلطان عامر بن عبد الوهاب حوالي ثلثي اليمن فقط عند توليته الحكم ، أما الثلث الباقي فقد كان موزعا بين عدد من الأئمة الزيديين “ . والحقيقة أن السلطان (( عامر )) لم يأتِ إلى قمة السلطة إلاّ بعد أن أكتسب علي يد والدته (( فاطمة )) أمور الحكم ، وأسرارها . [c1]السلطان عامر والإمام شرف الدين[/c]ويذكر المؤرخ القاضي إسماعيل الأكوع أن ألد خصوم السلطان (( عامر )) هو الإمام شرف الدين يحيى الذي أعلن الإمامة في حجة في سنة ( 912هـ / 1506م) لم يتمكن من بسط نفوذ دعوته وظلت محصورة في حجة وذلك نظراً لقوة شخصية السلطان عامر بن عبد الوهاب السياسية . وفي هذا الصدد ، يقول : “ وكان السلطان عامر بن عبد الوهاب من الملوك البارزين ، تولى المُلك سنة 894 ، على إثر وفاة والده المنصور ، فبسط نفوذه على اليمن الأسفل والأعلى ، وتهامة وتغلب على الإمام محمد بن علي الوشليّ ، ثم قام الإمام شرف الدين فدعا إلى نفسه بالإمامة سنة 912 ، ولكن نفوذه كان محصوراً في بلاد حجة “ . فكان وجود السلطان (( عامر ) على قمة السلطة في الدولة الطاهرية يؤرق الكثير من القوى المحلية التي تحاول أن تطل برأسها على الساحة السياسية أو بالأحرى أن تلعب دوراً هاماً وبارزا على مسرح اليمن السياسي . وأنّ تلك المعارضة السياسية لم ولن يمكنها أن تخرج إلى حيز الوجود السياسي في اليمن إلاّ بعد القضاء على السلطان (( عامر )) ودولته قضاءاً مبرماً .[c1]فارساً شجاعاً[/c]وتروي السيرة الشعبية أن السلطان عامر بن عبد الوهاب ، تدرب على الفروسية وفنون القتال ، والطعان ، والنزال منذ كان شابا يانعاً يافعاً أو بتعبير آخر منذ أنّ شب عن الطوق . ولقد اعتنت والدته بأن يصبح فارساً شجاعاً مهيباً إلى جانب عنايتها بتنمية الجانب الثقافي فيه ـــ كما سبق وأنّ أشرنا سابقاً ـــ . ولقد أوكلت ذلك الأمر إلى أحد الفرسان المهرة في تدريب ابنها ( عامر ) . و تروي السيرة الشعبية أنه تمكن الشاب ( عامر ) في غضون شهور قليلة أن يصبح من أمهر الفرسان في الطعان والنزال ، وكان إلى جانب مهارته الفذة في القتال يمتلك قلب الأسد ، وكان سيفه بتار يقطع الرءوس ، ويزلزل قلوب أشجع الشجعان ، ولا يشق له غبار في المعارك . [c1]عدن والسلطان عامر [/c]وتروي السيرة الشعبية بأن الشاب عامر بن عبد الوهاب الذي صار فارساً شجاعاً وماهراً في فنون القتال أوكل إليه والده الملك المنصور وعمه المجاهد علي بن طاهر بن معوضة انتزاع عدن من يد ( آل كلد ) , وتقول الرواية الشعبية بأن الشاب (( عامر )) كان له دور كبير في السيطرة والاستيلاء على عدن , وقد دارت معركة حامية الوطيس بينه وبين حكام عدن من ( آل كلد ) أظهر فيها (( عامر)) شجاعة منقطعة النظير ، وتواصل الحكاية الشعبية بأنه بالرغم من أنّ قوات ( آل كلد ) تفوق قوات الشاب الأمير (( عامر )) إلاّ أنه تمكن أن يحقق نصراً كبيراً عليهم وذلك بفضل شجاعته في القتال ، ومهارته في أساليب إدارة المعركة وبذلك وقعت عدن دُرة مدن اليمن في قبضة الشاب الأمير (( عامر )) وصارت من أملاك الدولة الطاهرية . [c1]رواية مغايرة[/c]أما التاريخ فله قول آخر ، فيقول أنّ الذي استولى على عدن هو المجاهد علي بن طاهر بن معوضة وأخيه الظافر عامر بن طاهر . ولقد تم الاستيلاء على عدن دون قتال ، فيقول في هذا الصدد الأستاذ حسن صالح شهاب حول كيفية سقوط عدن بيد الطاهريين : “ فلما وصلا ( يقصد المجاهد علي بن طاهر ، وأخيه الظافر عامر بن طاهر ) بعسكرهما إلى باب عدن اغتنم ( آل أحمد ) ، حراس السور والحصون فوق الجبل المنقور بأسفله باب عدن هذه الفرصة ، واتفق رؤساؤهم مع بني طاهر على أنّ يساعدوهم على دخول عدن مقابل أخراج خصومهم ( آل كلد ) منها “ . ويضيف حسن صالح شهاب ، قائلاً : “ وأستوليا عليها ، وأقر الأمن فيها . ويقال إن آل كلد أخرجوا بعد ذلك من عدن ، فلجأ بعضهم إلى الشحر والبعض الآخر إلى ساحل الصومال الشمالي “ .[c1]بعيون قلوبهم[/c]والحقيقة أن السيرة الشعبية تعبر عن نبض الناس تجاه من تحبه ، فتصبغ عليه آيات المدح والثناء ، وتكلل هامته بالشجاعة ، والأبهة ، والعظمة , ولا يهمها الوقائع التاريخية كل الذي يهمها هو أن ترفع من تحبه وتحترمه وتقدره إلى مصاف الحكام العظام الذين نحتو مآثرهم في نفوس الناس مثل السلطان عامر بن عبد الوهاب. فالناس البسطاء لا يرون الحاكم الذي يحبونه بعيون التاريخ المجرد من العاطفة بل يرونه بعيون قلوبهم المليئة بالحب العميق له الذي يمثل لهم نموذج العدل ، والشفقة والرحمة أو بالأحرى الذي يجسد لهم الأمن والأمان والطمأنينة . والحق يقال أنّ السلطان عامر في إبان حكمه استطاع أن ينشر رداء الأمن والطمأنينة على غالبية أقاليم اليمن التي خضعت تحت حكمه من ناحية وفي أيامه شهدت اليمن ازدهاراً اقتصادياً كبيراً ، وشهد أيضاً ميناء عدن حركة تجارية واسعة ، ونشاطاً عمرانيا ضخماً من ناحية أخرى . [c1] رؤية الشعب لتاريخه[/c] والحقيقة أن السيرة الشعبية ـــ كما أسلفنا ـــ تختلف اختلافا مغايراً عن التاريخ , فالسيرة الشعبية تعيد صياغة الأحداث التاريخية على حسب أفكار وآراء ووجدان العامة من الناس أو الشعوب فهي لا تهتم بالأحداث التاريخية المجردة الجامدة أو بالأحرى لا يعنيها الزمان والمكان والذي يعنيها في المقام الأول هو بطلها الحقيقي في نظرها التي أحبته وعشقته وصار لها رمزاً للعدالة والشجاعة الهادئة ، والأمن والأمان مثلما حدث مع السلطان (( عامر )) . وهذا ما أكده الدكتور قاسم عبده قاسم ، قائلاً : “ والموروثات الشعبية تقدم الرؤية الجماعية للحقيقة التاريخية لأن الجماعة في رؤيتها للحدث بالتاريخي تتجاوز التفصيل ، وتقفز فوق الجزئيات التي يهتم بها المؤرخون الأفراد ، ولا تأبه لعلاقات الزمان والمكان ، وإنما تهتم برسم صورة كلية تحمل كافة الرموز الاجتماعية والثقافية ، كما أنها تحرص على بلورة موقفها التاريخي إزاء الأحداث والأشخاص والظواهر التاريخية “ . وفي موضع آخر ، يقول : “ فالمأثورات الشعبية لا تحمل كل الحقيقة التاريخية ، وإنما تحمل رؤية الشعب لتاريخه ، كما توضح لنا أنماط المثل العُليا والقيم وشكل النظام الأخلاقي الذي حكم حركة هذا المجتمع أو ذاك في الزمان والمكان “ . [c1]مصرعه في السيرة الشعبية[/c]روت السيرة الشعبية أنّ السلطان عامر بن عبد الوهاب رؤى في المنام ، بأن السماء ملبدة بالغيوم الكثيفة الرمادية ، وأشعة الشمس الذهبية توارت وراء ها ، وصوت الرعد يصم الآذان ، وضوء البرق يخطف الأبصار ، ورأى في المنام أن قصره الضخم الفخم في المقرانة برداع مقر حكمه وحكم الدولة الطاهرية تلتهمه النيران ترتفع إلى عنان السماء ، وقد غطى الدخان الأسود كل مكان من المدينة ، وانتشر الخوف ، والهلع ، والاضطراب في نفوس الناس ، وصاروا كالجراد المنتشر أو كالسكارى وما هم بسكارى وذلك من أثر الفزع الذي أصابهم ، وكشر الموت أنيابه ، وأخذ يغرز أنيابه الحادة في أجساد الناس . ورأى جثت كثيرة ملقاة على الأرض عليها آثار الطعن والأرض مخطبة بالدماء . ورأى جثته ملقاة بجانب سور عظيم ، وقد اجتزت رأسها , ورأى أخيه عبد الملك يسقط بجانبه والابتسامة تغطي وجهه المضيء . وتمضي الرواية أو الحكاية الشعبية ، قائلة : “ ورأى جثته ، وقد صعدت إلى السماء يشدها نور ملء المكان كله ، وكلما صعد شيئاً فشيئاً إلى السماء شعر بالبهجة والغبطة الكبيرين” . [c1]مصرعه في التاريخ[/c]هذا ما تقوله السيرة الشعبية عن مصرع السلطان عامر بن عبد الوهاب الذي قتل تحت أسوار صنعاء ، بعد أن تفرق الجند من حوله ، وحاصره المماليك المصرية من كل جانب . ولقد وضعت السيرة الشعبية مقتل السلطان عامر بصورة مغايرة عما ذكرها التاريخ . فيقول عيسى بن لطف الله صاحب روح الروح المتوفى ( 1048هـ / 1638م ) عن مصرع السلطان عامر على يد المماليك بصورة مؤثرة ما يلي : “ تبع ( السلطان عامر ) الجند المصري إلى صنعاء ، فلما علموا بوصوله قصدوه قبل أنّ يحط أحماله ، وكانت بينهم وقعة عظيمة وثبت أخوه عبد الملك ثباتاُ يحيّر العقول يوم الخميس 22 ربيع الآخر ثم أنه رمى ببندق فأسقط ميتاً لا تحميه جنوده ، ولا تحفه بنود ، تسفي عليه الرياح ، وتذهب برواه مرور العشي والصباح “ . ويمضي لطف الله ، قائلاً : “ فلما رآه السلطان قتيلاً طاش لبُه ، وجزع قلبه ، وولى مهرولاً يسعى على قدميه ، ويضرب من الندم صدره وكفيه ، فلقيه في الآكام المقاربة لنقم رجل من سعوان ـــ منطقة في شمال صنعاء ــ ، فعرفه ودنا منه وأسره وتوجه به إلى بعض الأجناد ، فاجتز رأسه وقطع رأسه “ . ويضيف لطف الله ، قائلاً : وترك جسده ملقياً تلفحه الهاجرة ، وتجاذبه الذئاب الحاضرة ، يفترش التراب بعد الأرائك ، ويتضمخ بالدم بعد المسك ألعابك ، فكأنه ما رقى على الأسرة ، ولا حوت أضعله المسرة ، ولا خضعت له الأكابر ، وشرّفت باسمه المنابر “ . [c1]ضريح السلطان عامر[/c] والحقيقة أنّ التاريخ لم يشر من قريب أو بعيد إلى جثة السلطان عامر بن عبد الوهاب هل تركت في العراء تنهشها الطيور الجارحة ، وتلتهمها الذئاب ، ويغمرها التراب ، ولكن السيرة الشعبية تروي أنّ بعض الجنود المخلصين للسلطان عامر ، بعد أنّ توجه المماليك المصريين إلى صنعاء وأعملوا القتل في أهلها وسلبوا ونهبوا ما فيها من أموال طائلة ، فوجد بعض هؤلاء الجنود الطاهريين الفرصة سانحة لانشغال المماليك المصرية بالقتل ، والسلب والنهب في صنعاء ، فعادوا تحت جنح الظلام إلى جثة السلطان (( عامر )) ، وكان بجوارها رأسه المقطوعة ، وقاموا بتغطيتها بالقماش ووضعوها على عربة حصان وتوجهوا بها نحو المقرانة برداع مقر حكمه وحكم الدولة الطاهرية وهناك دفنت جثته مع رأسه وعمل له ضريح ويبدو أنّ الضريح تم بناءه في وقت متأخر ، ويقال أن ضريح السلطان عامر كان ماثلاً للعيان فترة من الزمن ولكنه لم يعد له وجود في وقتنا الحالي ، وإن كان البعض الآخر من الطاعنين في السن يقول “ أنه يوجد بقايا ضريح من المحتمل يكون مدفون في داخله السلطان (( عامر )) . وعلى أية حال ، رواية أخرى تقول أن بعض حاشية السلطان (( عامر )) بعد مقتله ، دفنوه في نفس المكان الذي سقط فيه ، ودفنوا بجانبه أخيه عبد الملك الذي قتل قبله بوقت قصير حتى لا تتعرضان الجثتان إلى الطيور الجارحة ، والحيوانات المفترسة و حتى لا تتعرضان إلى التمثيل بهما من المماليك المصريين ، وخصومهما وأعدائهما السياسيين المناوئين لهما . ويقال أن بعض الجراكسة المصريين ، عادوا إلى ساحة المعركة ليجمعوا غنائم الحرب ، ولكنهم لم يعثروا على جثتي السلطان (( عامر )) وأخيه عبد الملك . وهذا دليل بأن بعض أنصار الدولة الطاهرية ، قد دفنوا الجثتين في مكان آخر بعيد عن المكان الذي سقط فيه السلطان (( عامر )) وأخيه عبد الملك صريعان في أرض المعركة ــ كما أسلفنا ـــ . [c1]السلطان عامر في الميزان[/c]وكيفما كان الأمر ، فقد كانت قصة السلطان عامر بن عبد الوهاب سواء في التاريخ أو في السيرة الشعبية عظيمة . فقد كان ـــ كما أشرنا سابقاً ـــ من أعظم ملوك الدولة الطاهرية إنّ لم يكن أعظمهم جميعاً . فقد أسس دولة مترامية الأطراف بسطت نفوذها وسطوتها على غالبية أقاليم اليمن من ناحية وفرضت هيبتها على خصومها السياسيين أو بتعبير آخر حجمتهم من ناحية ثانية وعهدها كان عهد ازدهار اقتصادي كبير ، ونشرت الأمن والأمان في ربوع اليمن من ناحية ثالثة وأخيرة . ولكن العواصف السياسية العاتية التي هبت على اليمن والسواحل الجنوبية العربية من الخارج والمتمثلة بالغزو البرتغالي , والمماليك المصريين ، كانت أقوى من إمكانيات الدولة الطاهرية فلم تستطيع الصمود أمامهما علاوة أن المعارضين السياسيين ضدها ، كانوا يتربصون بها للانقضاض عليها , وكان نتيجة الحصار الاقتصادي المحكم الذي ضربه البرتغاليين على سواحل اليمن من العوامل الرئيسة في زلزلت كيان الدولة الطاهرية و المسمار الأخير في نعشها . ويصف الدكتور سيد مصطفى سالم شخصية السلطان (( عامر )) في ميزان التاريخ ، قائلاً : “ وهكذا انتهى عهد السلطان عامر بن عبد الوهاب بعد أنّ ظل حكم هذا السلطان قائماً في اليمن حوالي تسعة وعشرين عاماً .... فامتد حكمه من ((صعدة))و((جيزان )) شمالاً إلى ((عدن)) و ((حضرموت)) جنوباً .[c1]ما أسباب سقوط الدولة الطاهرية ؟[/c] ويوضح سيد مصطفى سالم الأسباب الرئيسة التي أدت إلى سقوط الدولة الطاهرية( 858 ــ 943هـ / 1454 ــــ 1537م ) التي حكمت اليمن قرابة 85 عاماً ، قائلاً : “ والحقيقة أنّ سقوط حكم السلطان عامر في اليمن لا يرجع إلى فساد هذا الحكم أو إلى الاضطرابات الداخلية فحسب ، بل يرجع سقوط هذا الحكم إلى انهيار أحدى الدعائم الاقتصادية الهامة التي كان الحكم ألطاهري يرتكز عليها ، فقد حدث في عهد هذا السلطان تحول التجارة الشرقية إلى طريق رأس الرجاء الصالح على أيدي البرتغاليين ، فأدى هذا التحول إلى نقص إيرادات السلطان , و بالتالي إلى ضعف حكمه . ومن ناحية أخرى أدى تحول التجارة الشرقية إلى قيام الصراع المملوكي البرتغالي حول هذه التجارة ، فترتب على هذا الصراع أنّ فقد السلطان عامر استقلاله بل وحياته “ . [c1]الهوامـش :[/c]ابن الديبع ، تحقيق الدكتور يوسف شلحد ؛ الفضل المزيد على بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد ، مركز الدراسات والبحوث اليمني ـــ صنعاء الدكتور سيد مصطفى سالم ؛ الفتح العثماني الأول لليمن 1538 ـــ 1635 ، سنة الطبعة 1969م ، معهد البحوث والدراسات العربية . القاضي إسماعيل بن علي الأكوع ؛ المدارس الإسلامية في اليمن ، الطبعة الثانية 1406هـ / 1986م . مؤسسة الرسالة ــ بيروت ـــ مكتبة الجيل الجديد ــ صنعاء ـ عيسى بن لطف الله شرف الدين ، تحقيق : إبراهيم بن أحمد المقحفي ، روح الروح ، الطبعة الأولى 1424هـ / 2003م ، مركز عبادي للدراسات والنشر ـــ صنعاء ـــ الجمهورية اليمنية ـــ . حسن صالح شهاب ؛ عدن فرضة اليمن ، الطبعة الأولى 1410هـ / 1990م ، مركز الدراسات والبحوث اليمني ـــ صنعاء ـــ . دكتور قاسم عبده قاسم ؛ بين التاريخ والفولكلور ، الطبعة الثانية 2001م ، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية.Express yourself instantly with MSN Messenger! MSN Messenger Download today it’s FREE!
|
تاريخ
السلطان عامر بين التاريخ والسيرة الشعبية
أخبار متعلقة