د. شهاب غانميقول الأستاذ الدكتور أحمد علي الهمداني نائب رئيس جامعة عدن لشؤون الدراسات العليا والبحث العلمي في كتابه (دفاعاً عن لطفي جعفر أمان) المنشور في صنعاء عام 2004 في صفحة 158«لطفي أمان الشاعر والفنان، الناقد والمترجم، الرسام والملحن، القاص والمسرحي، الصحفي والكاتب، المربي والفيلسوف هي هذه الجوانب المتعددة او بعضها التي تشكل هذه الشخصية الإبداعية وتلك الموهبة الفنية التي تستدعي التفسير والتحليل وتقتضي العناية والاهتمام». والحقيقة هي أن لطفي أمان كان واسع الثقافة مطلعاً على الثقافة العربية التراثية والحديثة، وخصوصاً ما يتعلق منها بالشعر، ولكنه كان أيضاً ملماً إلماماً جيدا بالثقافة الغربية من خلال تمكنه من اللغة الإنكليزية. كما يمكننا أن نضيف إلى ما ذكره د. الهمداني أن لطفي كان مذيعاً متميزاً فقد كان أفضل من يقدم القراءات الشعرية من إذاعة عدن في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي على الإطلاق. كما كان لطفي أيضاً يمتلك خطاً جميلاً متميزاً. [c1]الأسرة التي ينتمي إليها لطفي أمان[/c]يبدو أن الخط الجميل موهبة ورثها لطفي عن أبيه جعفر علي أمان (1890 /7/8 - 1986/6/2) وجده الحاج علي أمان (1867-1935) كما ظهر لي من نتف من مذكرات شخصية بخط يديهما أكرمني سليلهما الشاعر المذيع رعد علي عبدالله جعفر أمان بإطلاعي عليها. ويقول جدي الصحافي المحامي محمد علي لقمان رجل التنوير الشهير في إحدى مذكراته المنشورة في فتاة الجزيرة في الخمسينيات أو الستينيات من القرن الماضي والتي أعاد نشرها في إحدى الصحف نجله الصحفي المعروف فاروق لقمان: « وقد قابلت أكثر الأمراء لاسيما السلطان أحمد فضل العبدلي سلطان لحج فقد ذهبت لزيارته مرارا في (دار الأمير) وكان أميرها حينذاك الحاج علي أمان....كان يحضر مجلس السلطان أحمد فضل الحاج محبوب فرحات والحاج ريحان والسيدعلوي بن حسن الجفري ومحمد حسن جلبيب صهر علي ميسري ووالدي وعلي منيباري وحمد خليل وعلي واردالخضرة والحاج علي أمان و إبراهيم عبدالله حسن علي وعلي جعفر عبدالرحيم وعباس حسن علي وكان سريع النكتة». ودار الأمير هي دار سعد وكانت يومها قرية تابعة لسلطنة لحج تقع على حدود مدينة الشيخ عثمان بمستعمرة عدن. أما الجد أمان أحمد موسى بغدادي فقد توفي ودفن في مكة المكرمة في ذي القعدة 1328 (أي 1910م). ويبدو أن بعض أقارب آل أمان كانوا يعيشون في جدة ومكة المكرمة. أما جعفر علي أمان والد الشاعر لطفي فقد كان مقاولا يعمل في تزويد الغذاء لبعض المشاريع فهو على سبيل المثال يذكر في مذكراته أنه في عام 1935 حصل على «القنطراز حق مصاريف الكلية حق أولاد الأمراء في جبل حديد» لمدة عام من المستر إنجرام معاون والي عدن، وأظنه يقصد هارولد إنجرامس مستشار السلطنتين القعيطية والكثيرية بحضرموت والذي لعب دورا رئيسيا في الصلح بينهما عام 1937 وهو الصلح الشهير في تاريخ حضرموت الحديث المعروف بصلح إنجرامس.ولجعفر علي أمان ثمانية من الأبناء الذكور وبنتان. أما الابن الأكبر عبدالله الذي توفي في 2005/11/3م فقد كان مثقفا وكما يذكر د. علوي عبدالله طاهر في كتابه (لطفي أمان دراسة وتاريخ) المنشور في عدن عام 1981 فإن هذا الأخ الأكبر كان يملك مكتبة لا يفارقها وكان الطفل لطفي يتسلل إليها ويقرأ في بداية أمره العناوين ثم صار يقرأ الكتب ولو لم يفهم إلا القليل مما يقرأ. وعندما سافر لطفي للدراسة الثانوية والعليا في السودان كان كما يبدو يوجه رسائله أو كثيرا منها إلى أخيه عبدالله. وعبدالله هو والد الشاعر علي أمان صاحب الكثير من كلمات الأغاني العدنية مثل (فينك وفين ساكن) و(ياريت ما كان اللي كان) و(يا اهل الهوى يا اهل الهوى في حبكم قلبي انكوى) والذي هو بدوره والد الشاعر رعد أمان المذيع المتميز بتلفزيون الشارقة. والابن الثاني لعبدالله هو وديع أمان وكان زميلَ صفٍ لأخي الدكتور قيس غانم وكانا يسبقانني بسنتين وكان وديع صاحب خط جميل، وأذكر عندما كنت في الصف الأول المتوسط طلب منه قيس أن يخط اسمي واسم الموضوع على دفتري لقواعد اللغة العربية والتي كان مدرسي لها في تلك السنة الأستاذ عبدالعزيز عمر علي. وكان وديع شخصا وديعاً حقا وتوفي في شبابه رحمه الله.والابن الثاني لجعفر هو حمزة أمان المتوفى عام 1989 وكان يسكن في حارة القطيع قريبا منا وكان يجيد العزف على العود ويبدو أن هوايته هذه أثرت على لطفي الذي كان له بعض الاهتمام بالعزف ومشاركة الفنانين في تلحين الأغاني من كلماته وهي أغان عدنية كثيرة بالعشرات منها (بيني وبين الليل من غير كلام نجوى) و (ألومك واعاتبك) من تلحين وغناء الفنان سالم أحمد بامدهف و(صدفة التقينا على الساحل ولا في حد) للفنان أحمد بن احمد قاسم و (أسمر وعيونه) التي لحنها الفنان أبوبكر فارع كما لحنها أيضا أحمد قاسم، و (وصفوا لي الحب) للفنان أبوبكر سالم بلفقيه، و (ليش هذا الهجر) للفنان محمد سعد عبدالله، و (طير من وادي تبن) لحن الأمير محسن بن أحمد مهدي وغناء الفنان عبدالكريم توفيق، و (هات يدك على يدّي) للفنان محمد مرشد ناجي، إلخ. ومن أبناء حمزة أمان الصديق الراحل محمود حمزة الذي كان يعمل في الكويت في شركة الطيران الكويتية وكان يسبقني في المدرسة بعام رحمه الله، والصديق فاروق حمزة أمان المهاجر إلى كندا والمقيم بعاصمتها (أوتاوا) مثل شقيقي الأكبر د. قيس غانم.اما الابن الثالث لجعفر فشفيق أمان المتوفى عام 1986. وكما يذكر علوي عبدالله طاهر فقد «كان هوايته الرسم والتصوير وكان يزين جدران منزلهم برسومات فنية بديعة فيقف الطفل -أي لطفي- أمامها طويلا مسحورا». والحقيقة أن لطفي أصبح فيما بعد رساما موهوبا ومن لوحاته على سبيل المثال غلاف ديوانه (بقايا نغم) وغلاف مسرحية علي لقمان (العدل المنشود) ومسرحية لقمان (قيس ليلى). وكان لطفي يجيد رسم وجوه متخيلة لجميلات وكذلك أجسادهن العارية متأثرا بفناني عصر النهضة في أوربا كما كنت أرى في بعض رسوماته عندما كان يدرسني مادة التاريخ في كلية عدن، بل ومن إعجابه بمايكل أنجلو فقد رسم بالحبر الأسود الصيني صورة كبيرة تمثل وجه ذلك الفنان نقلها من صورة صغيرة في كتاب مادة التاريخ ببراعة فائقة.أما الابن الرابع لجعفر أمان فهو الأستاذ نجيب الذي تتلمذ في السودان وكان مولعا باسطوانات الأغاني المصرية كما كان يقرض الشعر وكان لطفي يسأله وهو طفل عن ماهية الشعر فلا يقدم له جوابا شافيا، وكان جارا لنا في حارة القطيع في الخمسينيات من القرن الماضي. والابن الخامس لجعفر هو عبد الحميد المتوفى عام 1973. أما الابن السادس فهو الأستاذ فتحي أمان المتوفى عام 1987 وكان جاراً لمنزل والدي عندما كنا نسكن في الخليج الأمامي (الرزميت) في كريتر في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات. وقد درسني في إحدى السنوات في المدرسة المتوسطة مادة الرسم فقد كان فنانا ولكن ليس بمستوى لطفي في الرسم. ومن نماذج رسمه غلاف المسرحية الشعرية لعلي محمد لقمان (سمراء العرب) و ديوان لقمان (أنات شعب). أما الابن السابع فهو لطفي نفسه، ثم يأتي في الترتيب حسن جعفر أمان كثامن وآخرالإخوة الذكور، كما أن للطفي شقيقتان.ولد لطفي أمان في 12 مايو 1928 في عدن وتوفي 16 ديسمبر 1971 في مستشفى القوات المسلحة في المعادي بالقاهرة ودفن في عدن وشيعه جمع غفير. ورثاه يومها شعراء عدن ومنهم والدي الدكتور محمد عبده غانم أستاذه والذي كان قد كتب مقدمة ديوانه الأول (بقايا نغم)، وهي المقدمة التي قال عنها د. أحمد علي الهمداني في كتابه (عدن من الريادة الزمنية إلى الريادة الإبداعية) الصادر في عدن عام 2007 «ونستطيع أن نقول في شيء من الثقة والاطمئنان إن المقدمة النقدية التي كتبها الأستاذ محمد عبده غانم لديوان لطفي جعفر أمان (بقايا نغم) الصادر عن دار فتاة الجزيرة بعدن عام 1948م تشكل نموذجا نقديا جادا في الأربعينيات». ومما يقوله غانم في مرثيتة الطويلة للطفي التي تبلغ نحو سبعين بيتا والمنشورة في ديوانه (في موكب الحياة) وفي أعماله الشعرية الكاملة الصادرة عن دار العودة، ويشير في بعض أبياتها إلى عناوين بعض دواوين لطفي:[c1]يا نائح الورق كاد الدمع يسلبنانور المآقي وكم للدمع من سلبٍفاصبر وقل للردى إن كنت قد حجبتكفاك لطفي فإن اللطف لم يغبهناك في كل ديوان له عجبمن فنه المشمخر الراسخ الطنبياحسنه في (بقايا) كلها نغمثر لنا «بالمنى معسولة الحلب»ما زال في (الدرب) منه موكب خطرت(أيامه) فيه للرائين عن كثبحتى إذا خيم (الليل) الطويل وقدناداه ياليل أين الفجر لم يجبفانصاع يدعو إلى الهيجاء (أخوته)ومن دعا للنضال الحق لم يخبدنيا (الفداء) وهل فيها سوى ظفربالحق منتزع من كف مغتصب[/c]ومن دواوين لطفي (بقايا نغم) و(الدرب الأخضر) و(كانت لنا أيام) و(ليل إلى متى) و(إليكم يا أخوتي) و (إلى الفدائيين في فلسطين) وهي التي يشير إليها غانم.ويشير غانم في البيت الثاني أعلاه إلى اللطف الذي كان لطفي أمان يتحلى به وقد أخبرني الأستاذ لطفي عندما كان مدرساً لي أنه ولد أثناء اجتياح وباء الطاعون لعدن والذي أودى بحياة الآلاف وكان سكان عدن في تلك الايام من عام 1928 كثير منهم من خسر قريباً أو جاراً أو صديقاً - لا يتوقفون عن الابتهال إلى الله «الطف بنا يالطيف!»، وكان ذلك الدعاء هو ما أوحى لجعفر أمان أن يسمي المولود الجديد (لطفي).
أخبار متعلقة