ندوة قاهرية ناقشت لغة الأدب والفن عند نعيم عطية
القاهرة/ 14أكتوبر / مشيرة عكاشة: أكد المشاركون في الندوة التي أقيمت بالمجلس الأعلى للثقافة حول لغة الأدب ولغة الفن التشكيلي عند الناقد نعيم عطية أن هذا الناقد يري دوماً أن الأعمال الفنية الناقصة ، هي التي يرفضها المتلقي ، لأنها لاتعجب ذوقه ومن ثم لا تترك أثراً فاعلاً على وعيه الإدراكي.وأشاروا إلى أن جدارة وتفرد د . نعيم عطية جاءت من قدرته البالغة على تحقيق نوع من التوازن الفني المقبول بين النقد والقانون من خلال عين شاعرة ترى لتكتب وتفصح عن الجمال المكنون في اللوحات من خلال أسلوب بليغ موحي ، ولغة أدبية رفيعة يحكمها القانون . وخلصوا إلى أن عبقرية عطية النقدية ربما تأكدت له لإلمامه بثلاث لغات أجنبية إضافة إلى دراسته للنقد التشكيلي والقانون ، وبالتالي امتلك أدواته فجاءت كلماته معبرة صادقة بعيدة كل البعد عن الابتذال .أكدت د . ماجدة سعد الدين بالمعهد العالي للنقد الفني أن د. نعيم استطاع أن يحقق التوازن والتناغم بين النقد والقانون من خلال عين شاعرة تري لتكتب وتفصح عن الجمال المكنون في اللوحات ، وذلك من خلال أسلوب بليغ موحٍ ، و لغة أدبية رفيعة يحكمها القانون ، الذي درسه وأعطاه عمره وحياته .وأشارت إلى أنه كتب عن الحركة الفنية المعاصرة من بدايات القرن العشرين حتي الآن ، ففي كتابه “لوحات تسر الخاطر “ وحديثه عن الفنان” يوسف كامل” والفنان “ راغب عياد “ وقصة صداقتهما الجميلة في ذاك الزمن البعيد ، والفنان “حسن البناني “وموعد مع المنظر الجميل وموعده مع الشمس كما يقول د . نعيم لكي تكون في قمة إضاءتها والفنان “ رمسيس يونان “ وحوار المستحيل وكتابه “ غاية الرسام العصري “والفنان “ سعد كامل “والفنون الشعبية وسرده لحياته ومراحل تطوره الفني ، وعن الفنانة زينب عبد العزيز يقول “ ماذا رسمت زينب عبد العزيز ؟ رملاً ،صخراً ، وجبالاً ، وقليلاً من البشر ، وإن سيناء في عيني الفنانة هي أرض النور ففي البدء كانت الكلمة نوراً من أعماق سيناء ومن هنا تحرك ركب الحضارات وآن لها أن تعود” وبهذه اللغة الأدبية الرفيعة جسد لنا عطية ملامح وأسلوب الفنانة .وأوضحت سعد الدين : أن د. نعيم عطية يفصح في كتابة “ نزهة العيون “ عن مكنون رحلته الإبداعية ، وكيف يأخذ مآقينا في تلك النزهة الخلابة لنري ولنشاهد ولنسمع عن الخطوات الأولى للتجريد في التصوير المصري الحديث وحديثه عن “ رمسيس يونان وفؤاد كامل وصلاح طاهر “ ومقارناته ما بينهم مشيرة إلى أنه تحدث عن “سيناء “ بعد تحريرها وأثرها على الفنانين وواحة الخارجة بشوارعها الثعبانية وعمائرها المتماسكة كما لو كانت تعمد في وجه عدو مجهول ، تتوقع إغارته في أي وقت ، وحديثه عن تجربة الفنان “ صبري منصور “ ومكانه الأثير على نفسه وهو الريف المصري الذي نشأ بين ربوعه ، وهكذا يسبح عطية ويضئ لنا أنوار لنري من خلال أسلوبه المتقن الذهن السابح في روحانياته متحدثاً عن أثر المكان على الفنان وكيفية معالجة الفنان له من خلال عرضه ونقده لأعمال العديد من الفنانين المصريين[c1]جماليات خاصة [/c]وحول تداخل الأجناس الأدبية في السياق النقدي لدي نعيم عطية ، قال د. ياسر منجي ، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة: إن إلمامه للغات ثلاث هي الانجليزية والفرنسية واليونانية أسهم في إكسابه مزية قلما تتوافر لغير الذين كابدوا مشاق الترجمة ، لاسيما حين يتعلق الأمر بمصنفات الإبداع ونصوص الأدب فمن المعروف لدي المشتغلين بشأن الترجمة أن تفاوت اللغات في أساليب البلاغة واختلافها في أسس الصياغة الأدبية وقواعد السبك الكلامي يجعل لكل منها جماليات خاصة علي مستوي الصياغة لا يستشعرها سوي الناطقين بتلك اللغات .وأضاف: ربما يكون المثال الأشهر في هذا الصدد متمثلاً في ترجمة الشعر ، فمن المعروف أن ترجمة القصائد من لغة لأخري يؤدي إلي فقدان الإيقاع الموسيقي للشعر ، حيث استبدال الجمل الأصلية بألفاظ مرادفة في اللغة المترجم إليها .وأوضح د . منجي أن نعيم عطية في كثير من مصنفاته الأدبية التي تصب في خدمة نظرية النقد الأدبي وإلقاء الضوء علي مذاهب الكتابة ومدارسها المختلفة يفصح عن صميم منهاجه النقدي ، ونظرته الشخصية للمسألة الإبداعية على اتساعها ، الأمر الذي يمكن معه تتبع الإطار الفكري العام لمقارباته النقدية بعامة ، ففي كتابه ( مسرح العبث : مفهومة - جذوره - أعلامه ) ترد فقرة في غاية الأهمية تكشف وجهة نظره عن مستويات عدة داخل الإطار النقدي العام ، له علي رأسها وعيه الشخصي بدرجة من الدرجات لانفتاح الأجناس الفنية بعضها على بعض .واستشهد في ذلك بالفقرة من ذلك الكتاب التي نصها : “دراسة مسرح العبث أو مسرح اللامعقول توصلنا إلى التعرف بعدد من الكتاب الطليعيين الذين ليسوا دعاة جديد لذات الجديد وحباً في الظهور بل إن مسرح العبث يتضمن عدداً من المسلمات التليدةفي تاريخ الأدب والفن ، ويرتكن إلى كثير من التجارب الطليعية التي سبقته في عقول أخري مجاورة الشعر والتصوير والرواية” .وخلص إلى أن د . نعيم في تلك الفقرة نجد وعيه بالأجناس الإبداعية وتأثير كل منها على الآخر إلى الحد الذي دفعه إلى تسويغ إبداعات كتاب المسرح بكونها ترتكز إلى أمثلة سابقة في الشعر والتصوير والرواية ، فهو يؤمن بأسبقيه العملية الذهنية في صياغة مقولات الإبداع أياً كانت وسائطهاسواء كانت شفاهية أو سردية مدونة فكل وسيط يعبر عن انتمائه وإيمانه بانفتاح الوسائط والأجناس الفنية بعضها علي بعض كروافد داعمه في خدمة العملية الإبداعية ككل.[c1] تواضع الكبار[/c]أما د. خالد البغدادي الأستاذ بكلية الفنون الجميلة فأشار إلي أن الناقد نعيم عطية لا يكتب إلا عن الفنان الذي يعجب بأعماله ويتجنب الكتابة عمن لا يعجبه عمله حرصاً منه علي عدم إيذاء مشاعره أو الإساءة إليه ، معللاً ذلك بقوله “ قد يكون العيب في أنا “ أي أنه ربما هو الذي لا يدرك ما في الأعمال من قيمة ، وهي درجة عالية من التواضع ، ولكنه تواضع الكبار ، موضحاً أنه قد وصف نفسه يوماً بقوله “أنا ناقد انطباعي” ورغم أنها عبارة تحتاج إلي نقاش فإنها تلقي لنا الضوء على منهجه النقدي ، الذي يهتم بقوة الأثر الفني الذي يتركه العمل ومدي وقعه وتأثيره علي نفس المتذوق.وأكد د . البغدادي أن العمل الفني الذي لا يعجب المتذوق ، ويترك أثراً على وعيه هو عمل ناقص غير مكتمل ، وفق رأي د . نعيم ، لأنه لا يستطيع تحقيق التفاعل مع الجمهور ، لأنه كان يرى دائماً أن الفن كامن في أعماق الانسان ، وشكل جزء مهماً من وعيه ، لذلك كان يرى أن دراسة الفقن قد تقتل الموهبة أحياناً ،لأنها تفسد بكارة الإحساس وطزاجته.وقال البغدادي : من أهم الملامح المميزة لنعيم عطية والتي أعتقد أنها لعبت دوراً مهماً بقصد أو بدون قصد في تعميق وتحديد منهجه النقدي هي دراسة للقانون وعمله في السلك القضائي الذي جسد في وعيه فكرة العدل فعندما كان قاضياً أصدر كتاب (نساء في المحاكم ) وهو كتاب يوضح اهتمامه بقضية المرأة وهمومها وملابسات اشتباكها مع الحياة وما تواجهه من ضغوط اجتماعية وميراث تاريخي ثقيل.وأضاف : وفي المقابل قدم كتابه “ عطر الألوان “ عن مجموعة من الفنانات المبدعات وكيفية مواجهتهن للعالم عبر الخط واللون والضوء كما اتجه أفلاطون وزينب السجيني ونازلي مدكور وزينب عبد العزيز ووسام فهمي ) في محاولةمنه للانتصار للمرأة في مواجهة الحياة.