فريد محسن عليحقق النضال المتواصل للمدافعات عن حقوق المرأة على مدى العقود الأخيرة تقدمًا كبيرًا على صعيد إلتزام المجتمع الدولي بفحص انتهاكات حقوق المرأة ومكافحتها.وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية للأمم المتحدة في عام 1948م وما زال يمثل حجر الأساس لمنظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، على أنّ لكل فرد الحق في التمتع بحقوق الإنسان دون تمييز، ويؤكد ميثاق الأمم المتحدة المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، غير أنّ "إغفال منظور النوع الاجتماعي" أدى عمليًا في كثيرًا من الأحيان إلى تجاهل الانتهاكات الجسيمة للحقوق الإنسانية للمرأة وعدم التصدي للتمييز الهيكلي ضد المرأة.. وعلى مر التاريخ ميّزت كثير من التفسيرات لقانون حقوق الإنسان تمييزًا واضحًا بين "الحياة العامة" أي المؤسسات السياسية والقانونية والاجتماعية، وبين "الحياة الخاصة" أي البيت والأسرة، ولم تكفل الحماية من الانتهاكات سوى على صعيد الحياة العامة، واستغلت القواعد القانونية المتعلقة بالخصوصية وحماية الأسرة الموجودة في القانون الدولي والقوانين الوطنية على السواء في تعزيز هذا التمييز المصطنع، ومن الإنجازات الكبرى للمدافعات عن الحقوق الإنسانية للمرأة التقدم على صعيد إقرار مبدأ أنّ كل أشكال العنف ضد المرأة، أينما وقع، يمكن أن تمثل انتهاكًا لحقوق الإنسان يمكن تحميل الدولة المسئولية عنه.. ومن شأن القانون الدولي لحقوق الإنسان كإطار للتصدي للعنف ضد المرأة أن يوفر منهجًا لتحديد التزامات الحكومات تجاه النهوض بحقوق المرأة الإنسانية وحمايتها، كما أنّه يوجه الأنظار إلى الآليات المتاحة لمحاسبة الحكومات إذا تقاعست عن الوفاء بهذه الالتزامات، وتمثل معاهدات حقوق الإنسان تعاقدات بين دول محددة تُعد جزءًا من المجتمع الدولي للشعوب، كما أنّها توفر ضمانات للحريات والحقوق التي ينبغي لها أن تكون بمقدور الأفراد المطالبة بها على المستوى الوطني، وكذلك على المستوى الدولي في كثيرٍ من الأحايين.ينبغي للدول بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان احترام حقوق الإنسان وحمايتها والوفاء بها.فأولاً ينبغي للدول احترام الحقوق، أو بعبارة أخرى ينبغي للمسئولين الحكوميين أو الذين يتصرفون بموافقة الدولة ألا يرتكبوا أعمال عنف ضد المرأة، وعليهم احترام الحقوق الإنسانية للمرأة، فعندما يتحسس أحد حراس السجون امرأة سجينة أو يضربها أو عندما يفتش أحد ضباط الشرطة امرأة مشتبه بها بتجريدها من ثيابها، أو عندما يجري طبيب تابع للدولة "فحصًا للعذرية" على فتاة، تكون الدولة قد قصرت في واجبها نحو احترام الحقوق الإنسانية للمرأة.. ويتعين على الدول أيضًا أن تحمي حقوق المرأة، ويقتضي واجب حماية الحقوق من الدولة وموظفيها وهيئاتها اتخاذ إجراءات فعالة لمنع الأفراد والجماعات الأخرى (بما في ذلك المؤسسات والشركات الخاصة) من انتهاك سلامة الفرد، أو حريته في التصرف أو غير ذلك من الحقوق الإنسانية الأخرى للفرد وتفي الدولة بهذا الواجب عندما تضع مؤسسات القوانين والسياسات والممارسات التي تحمي ضحايا العنف وتوفر لهم سبل الإنصاف المناسبة، وتكفل تقديم مرتكبي الانتهاكات إلى ساحة العدالة.والدول ملزمة باتخاذ خطوات فعالة لوضع نهاية للعنف ضد المرأة، ويتعين عليها أن تضمن عدم ارتكاب هيئاتها وموظفيها أعمال عنف ضد المرأة فحسب، بل وأن تتخذ أيضاً خطوات فعالة لمنع ومعاقبة مثل هذه الأعمال التي ترتكبها أطراف غير رسمية سواء من الهيئات أو الأفراد.وإذا تقاعست الدولة عن التحرك بدأب لمنع العنف ضد المرأة من أي مصدرٍ كان، أو تقاعست عن التحقيق في مثل هذا العنف ومعاقبة مرتكبيه بعد وقوعه، فمن الممكن تحميل الدولة نفسها المسئولية عن الانتهاكات، ويُعرف هذا باسم معيار الاجتهاد الواجب، ولا يعفي هذا المرتكبين الفعليين للانتهاكات وشركاءهم من المحاكمة والعقاب على أعمال العنف كما ينبغي للدول أن تعتمد منهجاً يتسم بالشمول يرمي إلى القضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة واعتماد إجراءات تهدف إلى القضاء على كافة أشكال العنف والتمييز، ويقع عليها التزام مستمر بأن تراقب الوضع وتستجيب للتطورات حسب مقتضى المآل من خلال تغيير الأساليب التي تتبعها أو استكمال أوجه النقص فيها عندما يتعثر التقدم.. وقد وضعت كثير من الدول التي صدقت على اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة" تحفظات عليها، والتحفظ هو اعتراض قانوني على بند معين أو مادة معينة في المعاهدة التي تقبل الدولة، فيما خلا ذلك بالالتزام بها، وتحظر التحفظات التي لا تتفق وهدف المعاهدة أو الغرض منها، ونتيجة التحفظات هي إضعاف التزام الدول بدعم الحقوق المقررة في المعاهدة وخصوصًا من خلال تقليص التزامها بتعديل قوانينها المحلية.وهناك كثيرُ من التحفظات على الاتفاقية فيما يخص مسألة الالتزام العام بإنفاذ المساواة بين الرجل والمرأة، لاسيما فيما يتعلق بالأسرة وقانون الجنسية.الاجتهاد الواجبيصف مفهوم الاجتهاد الواجب درجة المجهود الذي يتعيّن على أية دولة القيام به لإنقاذ الحقوق في الممارسة العملية، وهو مفهوم مهم على وجه الخصوص في تقييم مدى خضوع الحكومات للمحاسبة في تصرفات الأفراد والهيئات غير الرسمية، والدول مُطالبة بضمان وضع الحقوق المكفولة في قانون حقوق الإنسان موضع التنفيذ الفعلي.وفضلاً عن ذلك ينبغي للدولة إذا تعرض أحد لانتهاك حقوقه، أن تعيد له هذه الحقوق قدر الإمكان أوتقدم التعويض المناسب.ويطبق معيار الاجتهاد الواجب من أجل تقدير ما إذا كانت الدول قد نفذت هذه الالتزامات.
|
ومجتمع
حماية المرأة مسؤولية الدول
أخبار متعلقة