عبر الأثير جاءني صوت الفنان المثقف الصديق عصام خليدي الذي تعودته على امتداد سنوات من العلاقة الإنسانية بيننا وفي نبراته الحزن والأسى .. وقبل أن أسأله عن السبب في هذا التجهم وأقول له كإيليا أبي ماضي: ابتسم .. بين الأسباب وأعلن مع الآهات خبر رحيل الفنان الكبير الصديق فيصل علوي إلى الرفيق الأعلى بعد عودته من رحلته العلاجية .. ولم أجد سوى أن أشاركه همومه وحزنه وأدعو من أرض الله من جدة بالرحمة والغفران للفقيد الذي أثرى الحياة الفنية الغنائية العربية بمعسول الكلام اللحجي الأصيل على امتداد نصف قرن بالزيادة أو النقصان من البحر إلى البحر .وانطلق شريط الذكريات كما يقول شاعرنا المبدع احمد الجابري في قصيدته التي شدا بها أيضا بصوته الهبة الفنان عصام خليدي لاستعيد معه بعد أن نعى لي رحيل النغم الخالد في سماء الأغنية اليمنية ذكرياتي عنه ومعه .وتذكرت أني سمعت صوته وضحكته آخر مرة من خلال الهاتف من عدن في منزل المهندس الراحل عبدالله عزاني بالمنصورة .. الذي كان أيامها في رحلته العلاجية في الهند .. والفنان فيصل علوي كعادته التواصلية مع الأصدقاء وزملاء المشوار يزور أسرته للمواساة .. وأسعدني بأنه كان ينعم بالصحة والعافية بعد الوعكة الصحية .. ويومها بعد الكلام والحوار الأخوي بيننا أفادني الصديق نبيل عزاني بأنه غنى بمزاج ليلتها بعد هذه المكالمة التي أسعدته ونقلت له فيها تحيات كل المحبين له في العروس (جدة) والتمنيات بالشفاء والاطمئنان الدائم على صحته الغالية .وتذكرت مرة أخرى .. تلك اللفتة الجميلة منه في أول زيارة لي إلى عدن (المدينة) الطيبة بأهلها وناسها وطقسها .. وان لم يسعدني الحظ باللقاء به فقد كانت زيارة سريعة .. ولكنه انتهز كفنان وإنسان فرصة إهداء الصديق الشاعر عبدالله باكداده مدير عام الثقافة في عدن لديوانه الموسوم (حضرميات) فكتب إلى جانب إهداء المؤلف كلمة جميلة أصبحت من التاريخ عكس فيها روحة الأخوية وصدق مشاعره .. ودون بدوره إهداء جميلا تمنى لي فيه إقامة جميلة في عدن مرحباً ومذكراً بالصداقة القديمة بيننا بخطه الجميل المتناسق .لقد تذكرت أيضا أول مرة تعرفت عليه فيها في زيارته الأولى إلى مدينة (جدة) بالمملكة العربية السعودية .. والمشكلة التي كادت تمنع غناءه في حفل نادي الاتحاد الرياضي أيامها رغم جماهيريته الواسعة وقد طلبني للوفاق الذي وفقت فيه وأسعده من كل النواحي الإنسانية والمادية .وحوارنا الذكرى حول الأغنية اليمنية وتاريخها بحضور الصديق الراحل المقيم الفنان محمد سعد عبدالله والفنان السعودي الكبير الراحل طلال مداح .. والدور الفني الذي اطلع به للتقريب بين الشعبين الصديقين (السعودية واليمن) من خلال الغناء لشعراء وملحنين سعوديين شباب اخذ بأيديهم وأعمالهم في طريق المعرفة والشهرة .وببساطته التي كان يتحلى بها في حياته مع جمهوره العريض والأكلات الشعبية التي كان يفضلها على الموائد العامرة وإصراره على الأصالة في أغانيه .. ونقل لحج الخضيرة بتراثها القمنداني والسبيتي نسبة للشاعرين احمد القمندان (الأمير) وعبدالله هادي سبيت (الشاعر الفنان) إلى كل بلد خليجي غني فيه والحانه المميزة وعزفه المتقن على آلة العود .. ورقصه اللحجي المُعبر في السهرات الغنائية وجنة الألحان مع الراحل الإعلامي عبدالقادر خضر .. وبساطته في الكلام حيث كان يقول مافي نفسه وقلبه بلا رتوش وزي ماتطلع تطلع.. والمحزن المبكي انه عاش حزيناً متحسراً على رفاق المشوار الطويل الذين نسوه أو تناسوه في آخر أيامه .. فلم يزره احد منهم في منزله .. ماعدا فنان الشعب الكبير محمد مرشد ناجي أطال الله في عمره الذي كان يقدر له بادرته الإنسانية التي لا تأتي سوى من الكبار .وتجاهل مكتب الثقافة في عدن لرائد من رواد الاغنية اليمنية .. فلم يقدم له سوى راتب تقاعدي في حدود الـ 25 ألف ريال يمني (300 دولار امريكي تقريباً) التي لن تكفي حتى الكفن ومتطلبات الجنازة (؟!) .فهل هذه نهاية الحس والفكر رفات يضمه اخدود .. رحمك الله يافيصل الاغنية اليمنية الرائع الخلوق .. وجزاك الله عنا كل خير نظير ماقدمت للحياة الغنائية في بلدك الام (اليمن) وللعالم العربي الذي لن ينسى ابداً اغانيك الخالدة على امتداد اجيال وأجيال .. وستكون كما انت مدرسة في الاغنية اللحجية المعبرة عن اصالة الحسيني وأهله وكل تراب السعيدة من البحر الى الجبل الى الوادي .نم ايها الفنان مرتاح البال بعد رحلة الشقاء .. وسامح الله كل من لم يعطك حقك من التقدير .. ومن يكتبون كعادتنا العربية الدرر في تخليد الموتى والحسرة عليهم بعد الرحيل المُر.. رحمك الله بواسع رحمته وادخلك فسيح جناته وغفر لك ولنا والهم اهلك ومحبيك الاوفياء الصبر والسلوان .« إنا لله وإنا اليه راجعون » . [c1] *صحفي وناقد سعودي .[/c] [c1] عضو هيئة الصحفيين السعوديين .[/c]
وطوى الموت مبدعاً آخـر !
أخبار متعلقة