لقد ترسخ في أذهان المسلمين حب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ودرجوا على الاحتفال بمولده كل عام، وإظهار عظمته وتوقيره، وعدوا ذلك من القربات إلى الله عز وجل، واظهروا ما عرف من عظم أخلاقه وكريم سجاياه وما اتسم به من سماحة وسمو الخلق فكان قدوة حسنه لأصحابه ومثلاً أعلى يحتذي بينهم ولم يعثر في تاريخ البشرية على شخصية عظيمة كشخصيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم.وليس في كتب التاريخ مايمكن ان يستدل به على البدايات الأولى لاحتفال المسلمين بالمولد النبوي وليس في ما بين يدينا من مراجع ما يشير إلى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد أمر بالاحتفال بمولدةهعلى النحو الذي يقوم ه الناس في عصرنا الحاضر، إلا أن ذلك لا ينفي أن النبي نفسه كان يحتفى بذكرى ميلاده فقد ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين معللاً ذلك بأنه اليوم الذي ولد فيه، فقد روى أبو قتادة (رضي الله عنه) انه قال: “سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين فقال: فيه ولدت، وفيه نزل عليَّ القرآن” “ التاج، الجامع للأصول،2/97).وإذا عرفنا أن الإسلام يأمر بصيام الأيام عظيمة القدر اجلالاً لها وتقديراً كرمضان الذي انزل فيه القرآن وعاشوراء التي نجا فيها موسى (عليه السلام)كان أول من احتفل بذكرى ميلاده وكان الصحابة من بعده يريدون أن يجعلوا هذا اليوم مبتدأ التاريخ الإسلامي، إلا أنهم عدلوا عن ذلك لأنهم اختلفوا بين من يؤرخ بمبعثه أو بهجرته أو وفاته فاستقر الرأي على هجرته لان المولد والمبعث لا يخلو من النزاع في تحديد سنته، أما الوفاة فاعرضوا عنها لما يقع في تذكرة من آسف عليه.ولقد كانت بدايات احتفالات المسلمين بالمولد النبوي سنوياً عن طريق المدائح النبوية، والأشعار التي ينشدها الصوفية وأصحاب الطرق وقد الفوا في ذلك كتباً عرفت بكتب الموالد اشتهرت بأسماء مؤلفيها مثل: مولد الديبعي ومولد لنخزرنجي، وغيرها وكانت هذه الكتب تقرأ في احتفالات المولد النبوي، وفيها عرض لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب شيق يميل إلى السجع بالإضافة إلى بعض القصائد المغناة، وهي تعبر عن حب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم.ولا خلاف بين المسلمين في أن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه من اجل القربات وأعظم الطاعات غير أن العلماء يعتبرون الاحتفال بالمولد النبوي من المستحدثات أو المستجدات التي لم تكن في عهد النبوة ولذلك اختلفوا في مشروعيتها وتباينت آراؤهم بصددها بحسب اجتهاد كل منهم..ولقد وقع الاختلاف في مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي على الصورة التي عرف بها واخذ الاختلاف ينحو منحيين أو مذهبين: المذهب الأول: يرى أن الأمور التعبدية يقتصر تشريعها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وان إحداث أي عمل على انه تعبدي يعد بدعة والبدعة ضلاله واعتمدوا في هذا على أحاديث وردت عن رسول الله صلى الله وسلم منها قوله:” من احدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد” “ رواه البخاري،5/31 ومسلم 12/16) وقوله صلى الله عليه وسلم “ إياكم ومستحدثات الأمور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة في النار” (رواه الخمسة ، التاج،1/44).لقد قال أصحاب هذا المذهب بعموم ضلالة كل بدعة ولم يميزوا بين ما استحدث في الخير أو في غيره وهو ماعرضهم للانتقاد من أصحاب المذهب الثاني: الذين يرون أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم قد فعلوا أشياء كثيرة لم تعهد في عصر النبوة، ولم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم كمجمع القرآن وجمع الناس في صلاة التراويح على أمام واحد ولو أدخلنا الاعمال التي وردت عن الصحابة الكرام لوجدناها لا تندرج ضمن ما يسمى البدعة، إلا إذ انحرفت عن غاياتها، ولذلك هم يقولون ان الاحتفال بالمولد النبوي لا يعد بدعة إلا إذا صاحب الاحتفال به منكرات مخالفة للشرع اما من يقوم بالاحتفال بالمولد النبوي بنية حسنة وتعظيماً للرسول (ص) فانه ينال مثوبة عظمية ولذلك يذهب أكثر علماء الأمة إلى جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، معتمدين في ذلك على بعض الأدلة التي تدعم مذهبهم منها:1-ثبت في الصحيح أن رسول الله(ص) وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فاستخبرهم عن ذلك فاجابوه، بأنه اليوم الذي نجا الله فيه النبي موسى واغرق فرعون، فنحن نصومه شكراً لله. وقالوا: أن شكر الله يكون بأنواع العبادة وأي نعمة أعظم من نعمة مولده صلى الله عليه وسلم هادياً ورسولاً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. فهو لذلك يستحق الشكر.2-صح عنه صلى الله عليه وسلم انه سئل عن صوم الاثنين فقال فيه ولدت وفيه انزل عليه القرآن.3-أن تعظيم رسول الله (ص) وتوقيره أمر مطلوب في الشرع وإحياء ذكرى ميلاده والاحتفاء بها نوع من التعظيم والتوقير له.4-ما ورد عن بعض الصحابة انهم أرادوا جعل مولده مبتدأ التاريخ الإسلامي، بما يعني حضور فكرة الاحتفال في أذهانهم.وقال أصحاب هذا الرأي أن القول بان الاحتفال بالمولد النبوي بدعة لأنه لم يعهد في عصر النبي فذلك أمر غير مسلم به إذ ليس كل مالم يعهد في العصر النبوي الأول بدعة إما القول بأنه مضاهاة لعمل النصارى في أعيادهم فان الأمر عائد إلى النيات فان كان الفاعلون على هذه النية فهي مرفوضة اما أن فعلوه تعظيماً لرسول الله(ص) فهولا يعد مضاهاة.وبعد فإن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف مناسبة جليلة دأب الناس على إحيائها كل عام ولكل منهم منهجه في ذلك.[c1]- إمام وخطيب جامع الهاشمي - الشيخ عثمان[/c]
أخبار متعلقة