اليمن .. ظلمات عهد الإمامة بعيون أجنبية
[c1]الطبيب البريطاني باتريك بيتراي : نظام الرهينة هو أحد أساليب الإمام. . عشرات الصبية يحشرون في غرف ضيقة مليئة بالقذارة والحشرات[/c]صنعاء/ سبأ: جاءت الثورة اليمنية الـ26من سبتمبرالمجيدة كضرورة وطنية وإنسانية حتمية وملحة لانتشال الشعب اليمني من واقع الجهل والتخلف المرير الذي عاشه في العهد الإمامي البغيض ،لتشكل بذلك محطة تحول بارزة في التاريخ اليمني المعاصر ونقطة انطلاق إلى رحاب عصر الحرية والتقدم والتطور.ومثلت هذه الثورة الخالدة سياج حماية لشعب اتبع حكامه معه سياسة الفناء والإبادة والتسلط من خلال أساليب جد متخلفة في الحكم أفرزت واقعاً أساسه أمية شاملة وكاملة تطبق على البلاد من أقصاها إلى أقصاها وفقر مدقع تخلف مرير متعدد الاتجاهات والأبعاد وأمراض وأوبئة متعددة أبادت أسر كاملة وفتكت بعشرات الألاف وجعلت معظم أبناء الشعب عرضة للفناء دون أن يحرك ذلك ساكنا لدى ثلة الطغيان الإمامي الذين لاهم لهم سوى الإبقاء على حكمهم الكهنوتي، ولا يتعدى اهتمامهم في الجانب الصحي توفير الرعاية لأفراد الأسرة المالكة والمقربين منها ،وأبناء الشعب لاخيار لهم سوى التوجه إلى الدجالين والمشعوذين والسحرة الذين تواجدوا بكثرة في ذلك العهد ليكونوا عونا للإمام الطاغية في إيصال آلاف اليمنيين إلى المقابر.ذلك الواقع عاش مآساته آباؤنا وأجدادنا, وكشفه المناضلون والمؤرخون والكتاب والسياسيون والمفكرون الذي تحدثوا في العديد من إصداراتهم التي تناولت تلك الحقبة ورصدت ظلمات الأئمة الذين جثموا على صدر أبناء الشعب اليمني وأذاقوهم بظلمهم وطغيانهم وتسلطهم مختلف الوان العذاب.. ليس ذلك فحسب, وإنما حتى القادمين من العرب والأجانب الذين حرصوا على تدوين بعض مشاهداتهم لظلمات ذلك العهد والانطباعات التي غرست في أذهانهم عندما وطأت أقدامهم أرض اليمن في تلك الفترة وشعروا أنهم انتقلوا فجأة من القرن العشرين إلى القرون الغابرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.ومع أن اليمن في عهد الأئمة كانت معزولة تماما عن الخارج ومن الصعوبة الخروج منها أو الدخول إليها وسيما من غير اليمنيين, فقد تمكن عدد يسير من الأجانب من الوصول إليها وخاصة من الأطباء أو أصحاب المهن التي ترتبط مهنهم بإحتياجات ومصالح أسرة الإمام, ومنهم الطبيبة الفرنسية “كلودي فايان” التي عملت في اليمن في الفترة من 1950-1951م، و الطبيب البريطاني باتريك بيتراي، الذي عمل طبيبا في اليمن بين الأعوام 1937م و 1943م وكذا الصحفي الكندي ديفيد لانكا شاير الذي جاء بعد أيام من قيام الثورة السبتمبرية الأم 26 سبتمبر 1962 م، وحرص كل منهم على تدوين بعض مشاهداتهما في اليمن إبان تلك الحقبه.ونظرا للحقائق المذهلة التي تضمنتها مشاهداتهم تلك والتي تكشف بعض ظلمات ذلك العهد، حرصنا على رصد وإيراد مقتطفات منها, لتسليط الضوء على تلك الحقبة المظلمة التي كانت تعيشها اليمن. [c1] آلاف اليمانيين تفتك بهم الأوبئة يوميا[/c]ونبدأ ببعض مادونته الطبيبة الفرنسية “كلودي فايان” في كتاب أصدرته بعنوان”كنت طبيبة في اليمن”، حيث تشير إلى أن الأمراض الفتاكة كانت تفتك بآلاف اليمنيين وحتى الأمراض البسيطة التي كان يصاب بها المواطنون تتفاقم إلى أن تؤدي إلى الوفاة نظرا لعدم وجود خدمات أو رعاية طبية ولاحتى أدوية يمكن أن تقدم لهم ،في حين أن الفقر الشديد للأسر اليمنية كان يجعل معظم الأسر تقف عاجزة عن إنقاذ مريضها وتجبر على التخلي عن المريض حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة. 50 بالمائة من الأطفال المواليد يموتون وتكشف الطبيبة الفرنسية أن حوالي نصف الأطفال المواليد كانوا عرضة للموت في اليمن في تلك الفترة، لانعدام الخدمات الصحية والتحصين ضد الأمراض وسوء التغذية وغياب الرعاية للأم والطفل .[c1]مستوصفات تشبه زرائب الحيوانات[/c]وعن الخدمات الطبية، تشير إلى أن المنشآت الطبية التي كانت توجد في اليمن والتي لاتتجاوز ثلاث موزعة في صنعاء وتعز والحديدة، تفتقر لأبسط المواصفات والمستلزمات الطبية وتندر فيها معظم أصناف الأدوية عدى بعض الأصناف وبكميات محدودة وأن وجدت فإنها تخصص لتقديم الرعاية الطبية لأفراد الأسرة الحاكمة والمقربين منها وما ندر منها يمكن أن يصل إلى يد بعض المرضى من المواطنين المحظوظين.وتشبه الطبيبة الفرنسية في كتابها الوضع الذي كان عليه مستوصف تعز بزرائب الحيوانات.وترصد الطبيبة كلودي فايان جملة من المشاهد المذهلة عن واقع التخلف والتردي الكبير والفقر المدقع والجهل والمعاناة الشديدة التي كان يعيشها اليمنيون أنذاك ولايمكن أن تقارن بما كانتوصلت إليه البشرية في وقتها بل تشبه حياة القرون الغابرة. المجاعة الشديدة والأوبئة الفتاكة.[c1]اليمنيون في حياة القرون الغابرة[/c] أما الطبيب البريطاني باتريك بيتراي فيقول في ملاحظات دونها عن الأوضاع الصحية في مدينة صنعاء واليمن عموما بين الأعوام 1937م و 1943م،” تفشت حمى التيفوس في اليمن ووصلت إلى مستوى الوباء وتفاقمت المجاعة الشديدة (...) ولجأ الآلاف من أبناء تهامة إلى المرتفعات ، وتفشي الإسهال والدوسنتاريا بسبب الاكتظاظ والجوع وانعدام النظافة وارتفع عدد الموتى”.[c1]تخبط وعشوائية في الإدارة[/c] ويضيف:” وكان هناك تخبطاً وعشوائية في إدارة الأمور وغياب سلطة اتخاذ القرار لضمان الحفاظ على أبسط الضوابط الصحية “.[c1]خادم الإمام مشرف على الأطباء !!؟؟[/c]ويرصد هذا الطبيب واحدة من المفارقات العجيبة والتي تعكس العقلية المتخلفة لأولئك الأئمة وهي أن “المراقب العام للمستشفى كان أحد عبيد الإمام ويقع تحت مسئوليته رؤساء مختلف الإدارات مثل الصيدلي وأمين المخزن والطباخ، و كل منسقي المستشفى هم من الجنود وكان هناك ضابط واثنان من الرقباء مهمتهم الإشراف على هؤلاء المنسقين”!!!؟ [c1]أطفال بعمر الزهور رهائن لدى الإمام ![/c]ولم يغفل هذا الطبيب البريطاني الذي كان من بين مجموعة قليلة من الأجانب تمكنوا من دخول اليمن في تلك الحقبة المظلمة، في أن يرصد واحدة من أساليب القمع والتنكيل التي كان يتفنن بها الحكم الأمامي لإذلال الشعب اليمني وممارسته الضغوط على شيوخ ووجهاء القبائل اليمنية لإبقائها خاضعة لطغيانه من خلال أخذ الرهائن , حيث قال :”نظام الرهينة هو أحد أساليب الإمام ، والرهائن يقيمون في السجن، ومن بينهم نحو مائة وخمسين من الصبية الذين تتراوح أعمارهم بين ست سنوات وإحدى عشرة سنة!!! “ عشرات الرهائن في غرفه ضيقة مليئة بالقذارة والحشرات .ويتابع قائلا :”يحشر كل عشرين من الرهائن أو أكثر من ذلك في غرفة واحدة !!؟و يتركون لتدبير أمورهم بأنفسهم وعاجلاً ما يصبحوا قذرين وملابسهم غاصة بالهوام والحشرات”.[c1]اليمن بين عهدين في مذكرات صحفي كندي[/c]أما الصحفي الكندي ديفيد لانكاشاير الذي دون ملاحظاته فيبدأ مقال صحفي نشره بعنوان “هكذا كانت اليمن عام 1962 !! “ في ضوء زيارته لليمن عقب الثورة مباشرة .. بالقول: “ تلقينا نصيحة بعدم السفر إلى اليمن وحذرنا بأن المكان خطر كون البلد يعيش في فوضى عارمة ولا أحد يعلم ما يحدث هناك, وإننا قد نتعرض للسلب والنهب وأن وصل الأجانب إلى هذا البلد سيلقون بهم في الزنزانات ويضربون أعناقهم “. [c1]دخول أي أجنبي مقترن بموافقة الإمام[/c] ويتابع قائلا:” لقد غامرنا وصادف أن تمكنا من زيارة اليمن بعد الثورة مباشرة كون الأعداد الضئيلة من الأجانب الذين كانوا يرغبون زيارتها في السابق، عليهم الاستئذان أولا من الأمام شخصياً ليتسنى لهم دخول هذا البلد”.غياب كامل للتنمية، ولا طريق إلى العاصمة صنعاء ويردف الصحفي الكندي قائلا :” هكذا كان واقع اليمن أنذاك .. غياب كامل لأي مشاريع خدمية أو تنموية وتخلف شديد ولا وجود للسياح ولا للفنادق ولا حتى طريق تؤدي للعاصمة، وإنما طريق صخري ملتو للشاحنات والجمال, حتى المراحيض لم تكن معروفة ولا العملات الورقية .. وهو بعكس ما يمكن أن نجده اليوم في هذا البلد بعد سنوات من الثورة من فنادق خمسة نجوم في المدن وملاعب التنس ومراكز للرياضة ومتاجر ضخمة ورحلات سياحية جماعية “.[c1]مشاهد الجهل والتخلف سمة رئيسية[/c]ويستعرض الصحفي الكندي مشاهد عديدة للبؤس والحرمان والجهل والتخلف رصدها منذ أن وطأت قدماه أرض اليمن التي تمكن من دخولها عقب بزوغ فجر الثورة السبتمبرية الخالدة ونجاح الثوار الأحرار في الإطاحة بالحكم الكهنوتي المتسلط.[c1]الثوار يعلقون قيود الإمامة على الجدران[/c]ويروي تفاصيل المشاهد التي رصدها عقب وصوله إلى مدينة تعز بقوله :” وصلنا إلى قمة جبل وتأملنا مدينة تعز الحجرية حيث يقع قصر الإمام الذي أطيح به، حيث كان الجنود يحملون صناديق بنادق روسية كانت تقبع في قبو القصر( ...) تجولنا في المدينة وتأملنا فرس الإمام الأبيض يرابط ببوابة القصر، صهيله عبرعن حيرته ممّا يدور حوله وعلقت القيود على الجدران والتاج كان على وشك السقوط من فوق عرش الإمام الخشبي وقام عدد من الجنود بالتناوب على الجلوس فوق عرش الإمام حاملين بنادقهم وهم يهتفون “عاشت الثورة .. عاشت الجمهورية”.[c1] ألعاب الأطفال ودمنة من ألعاب الإمام الطاغية[/c]وعن مشاهداته لمحتويات قصر الإمام يقول :” كان للإمام قطار كهربائي يدور حول البانيو في حمامه، ولم يكن هنالك حوض والحمام كان أشبه بالسجن الخراساني بصنابير للمياه الباردة ودلو خشبي والمطبخ احتوى على صحن صيني عتيق رسمت عليه صورة الملكة اليزابيت والأمير فيليب في غرفة أخرى، وشاهدنا بعض الممتلكات الشخصية للإمام في دولابه الشخصي :” نص حبيبات الدمنة، فرشاة أسنان مكسورة، علبة علكة (شيكليتس)، مجفف للشعر”.ويستطرد قائلا :” هنا عاش الإمام السابق احمد بن يحيى الذي كان يلقب نفسه بـ “أمير المؤمنين”، وتوفي أثناء نومه بعد أن نجا في الماضي من عشرات محاولات الاغتيالات ماجعل اليمنيون يعتقدون أنه محمي ضد الرصاص”.[c1]الإمام حكم بالسيف وأعدم معارضيه علنا وذبح اثنين من أشقائه[/c]ويردف الصحفي الكندي قائلا :”وخلال 14 عاما حكم الإمام بالسيف, حيث أعدم معارضيه علناً وذبح اثنين من أشقائه واتبع سياسة أبيه للسيطرة على القبائل من خلال أخذ الرهائن (أبناء المشايخ) ولقبه اليمنيون “احمد يا جناه”وآخرون لقبوا الإمام بالعمامة الكبرى، وخلافا لذلك وجدت أن عمامة الإمام في غرفة نومه كانت صغيرة للغاية ولم أتمكن من لبسها”. الرحلة بين صنعاء وتعز كانت تستغرق ثلاثة أيام برا !!؟؟ ويقول:” التقينا بأعضاء الحكومة المستحدثة حيث تم استضافتنا في دار ملكي للضيافة عششت الحشرات في دهاليزه, عرضوا علينا السفر إلى صنعاء بطائرة قديمة من طراز دي سي 3 وكان طاقمها مصريون كون الرحلة بين صنعاء وتعز براً تستغرق ثلاثة أيام نتيجة لوعورة الطرق,مقارنة بقرابة 45 دقيقة جواً, إلا أننا وبعد ساعتين من التحليق اتضح لنا أن الطاقم المصري ضلوا الطريق و أخيراً تمكنوا من رصد مطار صنعاء وهبطت الطائرة على الطريق الخطأ عكس الرياح مما قذف الطائرة 200 متر خارج المدرج واندفعت تجاه حفريات زراعية وتدحرجت حتى توقفت نهائياً في الحقل”.[c1]حمير مصبوغة بالحناء تتجول في صنعاء ![/c]ويضيف:” توجهنا إلى بوابة العاصمة المحاطة بسور طيني كان منظراً خلاباً - مدينة ناطحات سحاب مصغرة (خمسة إلى ست طوابق) مبنية من الطين وزينت نوافذها بنقوش بيضاء مدهشة وتتجول في المدينة الحمير المصبوغة بالحناء واكتظت أزقة المدينة بالمحلات التجارية (بازار) وتتزاحم النساء حول مضخة المياه وهن منقبات بالستارة ذات الألوان الزاهية” .[c1]رجال حفاة ![/c]ويمضي الصحفي الكندي قائلا :” وشاهدنا في المدينة جنودا يتجولون ببنادقهم الرشاشة الروسية الصنع، كما شاهدنا مجموعة رجال قبائل وهم حفاة، وشاحنات وعربات متوقفة أمام أحد المباني الحجرية في المدينة( أحد القصور التاريخية) والذي كان يعج بالجنود والضباط المصريين مقر القيادة المركزية للثورة”.[c1]البدر يفرمن فتحة مرحاض قصر هدمه الثوار[/c]ويتابع قائلا :” أمام مدرجات المبنى استقبلنا رجل في بدلة رسمية قدم نفسه بصفته نائب رئيس الوزراء واستضافنا لتناول الغداء في الطابق الأعلى، طاولة منتصبة طويلة مغطاة بكيس بلاستيك والأكل (مكرونة) باردة، وبعد عدة دقائق دخل الغرفة ضابط ملتحي وجلس بجوارنا وكان شعر صدره بارزاً وحينما سألنا الوزير متى يمكننا مقابلة الرئيس السلال؟ أجاب هذا هو الرئيس السلال مشيراً بإصبعه للضابط الملتحي، تركنا الطعام واندفعنا لمذكراتنا وأقلامنا”.وينقل الصحفي الكندي عن المناضل الكبير الراحل المشير عبدالله يحيى السلال الذي كان أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية في الفترة 1962 – 1967.. تصريحاً أكد فيه أن “الثورة نجحت”، وأتبع ذلك بالقول :”على بعد حوالي 200 متر يقع قصر البشائر (مقر إقامة الإمام الجديد محمد البدر) أو ما تبقى منه, ويبدو أنه تمكن من الفرار بالرغم من أن الدبابات دكت القصر وأنهار الطابق الأعلى للقصر كليا لكننا اكتشفنا لاحقا أن الإمام انزلق وفر من فتحة المرحاض وتوجه لجمع بقايا فلول الملكيين من بعض المناطق الشمالية “.[c1]اليمن وقت الثورة مازالت في القرن الـ10 والعالم في القرن ال20 !![/c]ويلفت الصحفي الكندي في مذكراته إلى أن الرئيس السلال عندما سمع وزير التجارة في حكومة الثورة يقول أن القيادة الجمهورية تنوي إخراج اليمن من القرن ال13, صوب ذلك بقوله:” الوزيرأخطأ، فنحن في ظل هذا الواقع مازلنا نعيش في القرن العاشر بينما العالم يعيش اليوم في القرن العشرين !!”.بتلك المشاهد يدرك المرء حجم المأساة الحقيقية التي عاشها شعب صنع أولى الحضارات في فجر التاريخ الإنساني وكاد أن ينفصل عن ماضيه العريق ويفقد مستقبله الواعد لو ظل مستسلمالذلك الطغيان والحكم الكهنوتي لطغاة أتخذوا من الدين ستارا لتحقيق نزعتهم الشيطانية في الحكم والهيمنة وأن كان على حساب كل أبناء الشعب وحتى وأقرب المقربين إليهم بمن فيهم أفراد أسرتهم, ولكن اليمن وشعبه الأبي معروف على مدى التاريخ بأنه شعب الأحرار وبلد الثوار قضى على تلك الفئة من طغاة الأئمة الأشرار, ليكونوا عبرة لكل أعداء الحرية وهواة الجبروت والتسلط والطغيان.