أخذتني الأقدار عندما كنت طالباً في لندن لزيارة باريس ومنها أزور قريباً لي في «ريو» الفرنسية..ولسوء الحظ وصلت إلى باريس من لندن بالقطار المائي.. ووجدت إضراباً منعني من الحصول على تاكسي، أو باص ليأخذني إلى محطة أخرى تبعد عن «واترلو» الفرنسية وكان يوماً مطيراً وبيدي حقيبتان وعندما يئست من التاكسي وخلافه أوقفت شرطياً فرنسياً يمتطي دباباً، وقلت له ما واجهني من صعوبات وهو يعلم بوضع الإضراب في المدينة وحددت له المحطة التي أريدها للوصول إلى «ريو».. فكان متعاوناً وأردفني خلفه وحقائبي حتى أوصلني إلى المحطة.. منهياً مشكلتي في البحث عن وسيلة نقل وفكرت ساعتها هل طلب السعوديون من رجال الأمن المساعدة في مثل هذا الأمر ولم يستجيبوا؟؟بالنسبة لي لم أطلب أية خدمة من رجل أمن ما لم تكن هناك مشكلة أمنية.. ذلك أنني أرى أن لدى رجل الأمن ما هو أهم من المساعدات الشخصية والمبادرات الإنسانية كإيصال المواطن إلى محطة معينة أو مكان أو «أية فزعة».وأظن أن كثيراً من السعوديين والمقيمين يتورعون عن طلب مساعدات فردية شخصية غير أمنية من رجل الأمن.. والسؤال لماذا أطلب المساعدة من رجل مرور على دباب فرنسي لإيصالي إلى وجهتي، وأمتنع عن طلب الشيء نفسه من رجل أمن سعودي يشترك معي حضارياً وثقافياً ودينياً واجتماعياً ونسقياً!!إنه العرف لدينا والخوف - الذي لا مبرر له - والتورع من اعتبار رجل الأمن محافظاً على الأمن بالدرجة الأولى ومن سوء العلاقة بين المواطن ورجل الأمن فيما مضى من الزمن وهذا ما أكده مساعد مدير الأمن العام للتخطيط والتطوير «بوجود جفاء في العلاقات التي تربط بين رجال الأمن وعامة الجمهور.. كانت مسيطرة على المشهد المجتمعي منذ فترة من الزمن إلا أن الأحداث الإرهابية التي ضربت السعودية منذ 12 مايو 2003 ساهمت في إزالة هذه الفجوة».«الوطن» الاثنين 5 محرم 1429 العدد 2663 «ص7» ذلك عندما أعلن مدير الأمن العام الفريق سعيد بن عبدالله القحطاني ومساعده لشؤون التخطيط والتطوير اللواء سعد الخليوي عن تطبيق نظام الشرطة المجتمعية في المملكة وآلية تنفيذه، وضوابط آلية التعاون مع المواطنين والمقيمين لضبط الأمن في الأحياء والتجمعات السكنية.ولا شك أن هذا النظام خطوة تهدف إلى إرساء دعائم العلاقة بين رجال الشرطة وبين مؤسسات المجتمع الأخرى وخاصة الأسرة.. ومما يسر الخاطر أن هذا النظام سيعمل على افتتاح مركز للشرطة المجتمعية في كل حي سكني، أو تجمع سكاني لحفظ الأمن مع السكان في مختلف الأحياء.إن المشاركة الاجتماعية، ضرورة حتمية في عصرنا الحاضر.. ممثلة في مراكز الأحياء، وأندية الشباب، ومؤسسات المجتمع المدني، وفي الإدارة المحلية، وفي التنمية وفي صناعة حي، ومدينة جماعية شاملة لكل متطلبات العصر.. ولكن يلاحظ أن وزارة الداخلية سباقة في إشراك المجتمع المدني ليشارك في صناعة حيه وحارته.. ألم يقل الأمير نايف «المواطن رجل الأمن الأول».هذا النظام يدعم العمل الاجتماعي في جهاز الشرطة ويحسن العلاقة الاجتماعية بين الشرطة والناس، ويفعل دور الأسرة في الوقاية من الجريمة، والانحراف والاتجاه إلى الإصلاح والقضاء على مسببات الخوف من رجل الشرطة.. بل إن هذه المراكز ستكون وسيلة بناء لإيجاد الحلول للمشكلات الاجتماعية والأسرية، والمشاكل الفردية والصراعات، وتكوين أصدقاء للشرطة، وبدء العمل التطوعي والقيم الإيجابية في المجتمع والاندماج الاجتماعي للمسؤولية الأمنية.. غير أن ذلك يتطلب تعاوننا نحن كمواطنين، وتجاوبنا مع طموحات الأمن العام لإسباغ روح الأمن على هذه البلاد.. وإعلام المواطنين بالفكرة والآليات التي ستنفذ وما هو مطلوب من المواطن فعله لينجح هذا المشروع وترتيب حملة إعلامية لتفعيل «الشرطة المجتمعية» وتنفيذها على أرض الواقع والبدء في خلق علاقة صداقة مع رجال الأمن السعوديين.أعلم أن هذا النظام معمول به في الدول التي سبقتنا حضارة ومنذ زمن بعيد.. غير أنا سوف نبدأ في آليات ما انتهى إليه الآخرون ونحن نملك من وسائل الاتصال والتنفيذ ما يجعل المشروع مضمون النجاح.. بإذن الله.. والسؤال أين مبادرات الوزارات الأخرى والجهات المسؤولة - ولها علاقة مع المواطن - من هكذا مبادرات.. القضية الأم: إشراك المجتمع في صنع قرارات الأمن والتنمية والإبداع.[c1]عن / صحيفة «الرياض» السعودية[/c]
الشرطة المجتمعية
أخبار متعلقة