تجارب مريرة في عالم نساء نوبل الخاص
القاهرة/14اكتوبر/ السيد العيسوي هل للمرأة عالمها الإبداعي الخاص ، بما أنها كيان خاص بدني ونفسي؟ وهل هناك قواسم مشتركة بين النوبليات تستحق كتاباً، وهل المرأة مازالت مضطهدة شرقاً وغرباً على حد سواء؟ وهل الأديبة العربية لم ترتق بعد إلى مستوي العالمية أو أنها لم تأخذ حقها اللائق بها؟ وهل حرم الشعر العربي (للشعراء والشواعر) فعل فاعل من نيل الجائزة حتى الآن؟ وهل يقف وراء لجنة نوبل المانحة لهذه الجائزة العالمية تدبير يهودي منظم أو توجه يهودي صارخ بالأدلة والبراهين؟ وهل نحكم على الكاتب العظيم (طه حسين العقاد كمثال) من خلال حصوله على جائزة أو يكفي أن يكون قيمة عظيمة في حد ذاته تلهم الأجيال بصرف النظر عن الجوائز والمهرجانات؟تلك هي الدعائم والمحاور الباطنة التي يقوم علىها كتاب “نساء نوبل.. الفائزات بالجائزة في الآداب” للكاتب الصحافي خالد محمد غازي والصادر عن وكالة الصحافة العربية طبعة 2008 ، وهي أسئلة مستنتجة تتمخض عن قضايا كبري مازالت تشغل ـ وستشغل ـ الرأي العام المحلي والعالمي. وهو يجيب عنها بحس الصحافي وبصيرة الأديب، ومن هنا تتبدى قيمة الكتاب بما أنه يوسع من دائرة النقاش والحوار، ولا يكتفي بمجرد العرض العابر لشيء معروف سلفاً، فقيمة الكتاب الحقيقية ـ أي كتاب فيما نظن ـ تتمثل في مقدار المساحة التي يشغلها في الذهن أو الوجدان بما يثيره من قضايا ساخنة، وعلائق باطنة، وأسرار توقظ البصيرة.[c1]النوبليات[/c]يجمع الكتاب موضوع فريد وفكرة طريفة وهي الشخصيات النسائية الحاصلة على جائزة نوبل في الآداب، واللاتي يضع لهن الكاتب هذا المصطلح الرشيق “النوبليات” اختصاراً وهن السويدية سلمى لاجيرلوف، والإيطالية غراتسيا داليدا، وتوني موريسون من جنوب أفريقيا والأمريكية بيرل باك، والشيلية غابريلا ميسترال، والألمانية نيلي ساخس، ونادين جورديمر من جنوب أفريقيا، والبولندية فيسلافا شمبورسك،ا والنرويجية سيجريد أندسيت، والنمساوية ألفريد يلنييك، والبريطانية درويس ليسنغ، وهن بين روائيات وشاعرات ومنهن من تجمع بين الموهبتين.والكاتب يستعرض سيرة حياة كل كاتبة بشكل مركز لنري الجوانب الإنسانية في شخصية كل كاتبة بما يعمق من تذوقنا لأدبها، فمثلاً كانت سلمى لاجيرلوف قد أصيبت بالشلل في ساقيها وهي في التاسعة من عمرها مما حرمها من اللعب مع زميلاتها، وأبعدها عن المدرسة، فراحت تسد هذا الفراغ الروحي بالقراءة في نهم وقد أضفي هذا على أدبها جواً خاصاً.كما يستعرض آراء النقاد ولجان التحكيم في أسلوب كل كاتبة، مركزاً على الجديد فيه، ومن ثم ينفذ إلى العمق الدرامي لدى الروائيات والعمق الفني لدى الشواعر. ومن ثم نقف ـ ولو بشكل خاطف ـ على التقنيات الجمالية لدى الكاتبات التي هي الركيزة الأساسية لكل عمل فني جيد.[c1]ترميم الجراحات الإنسانية[/c]وسنجد أن هناك قواسم مشتركة بين النوبليات، فصحيح أن لكل إنسان سيكولوجية مختلفة، لكن الكاتب يلاحظ أن هناك ألواناً شتى من المعاناة والأزمات النفسية التي مرت به كل كاتبة. والجامع بين كل هذا هو شعور الاضطهاد. إن الأزمات تترك أثراً كبيراً في التكوين الإنساني والحوافز الفكرية والإبداعية لدى الأديب، ومن هنا نجد النوبليات ينشغلن بترميم الجراحات الإنسانية حتى لتبدو طفولة بعضهن جرحاً مفتوحاً يسير على قدمين، وياله من تشبيه هذا الذي يقع علىه الكاتب! وعلى هذا تبدو تجربة الاضطهاد والاستلاب الفكري والاجتماعي والعنصري هي عوامل كابدتها، بداية أو باستمرار، المبدعات النوبليات. وربما كان هذا وراء توليد نوع من الألم العاطفي المبدع، وكأن الآلام العاطفية هي شرط الوجود الإنساني على حد تعبير درويس ليسنغ.[c1]علاقات الكاتبات بالفن والواقع[/c]أما عن علاقة الكاتبات بالفن خصوصاً والواقع عموماً فلن نعدم وجود بعض العبارات الطريفة والدالة، ففي هذا السياق ترى الكاتبة سلمى لاجيرلوف ـ مأخوذة بفنها ـ أن عملية الإبداع شاقة للغاية وطوال حياتها لازمها الاعتقاد بأن شخصاً آخر هو الذي كتب لها هذا الإبداع الجميل، أما توني موريسون فتقول عن علاقتها بفنها: لا أستطيع القول: إن الكتابة تعبر عن نمط يتميز بالسهولة، بل عكس ذلك، فأنا أجد فيها لذة لا تضاهيها أي لذة أخري، فالمؤلم بالنسبة لي هو عدم الكتابة. أما الشاعرة فيسلافا شيمبورسكا التي كانت تلوذ بالعزلة فتقول عن عزلة الفنان: الشاعر عادة شخص داخلي متأمل لذاته. أما الكاتبة سيجريد أندسيت المهتمة بعالم النساء فهي حين تتكلم عن تحليل شخصياتها لا تخفي أن التحليل النفسي لفرويد كان دافعاً لها وهي تكتب عن هؤلاء النسوة فهن نساء يحملن عبئاً ثقيلا من العواطف المتناقضة وتسكن في داخل كل منهن أصوات الآباء والأمهات. أما الكاتبة نادين جورديمر حين تقدم إطلالة على الواقع الحديث فإنها تؤكد أننا نعيش في قرن الجنون المنظم، فرغم أن البشرية قد دخلت هذا القرن (تقصد القرن العشرين) بروح التفاؤل والثقة التي تجاوز أي قرن سابق في التاريخ فقد قتل خلاله أكثر من 90 مليون إنسان، وتتساءل عن المستقبل في القرن الحادي والعشرين، وهل سيكون أكثر رشداً؟![c1]دائرة الشكوك[/c]لا يقف الكاتب عندما سبق بل إنه يخصص بعض المباحث لمناقشة بعض القضايا ، كما يقدم بعض الملاحق الخاصة حيث يخلص في مبحث خاص بعنوان “دائرة الشكوك” إلى لجنة الجائزة، ويدخل في كواليس الاختيار وحيثيات الحكم، ويبين من خلال استقراء تاريخ الجائزة ومن نالوها بالأدلة والإحصاءات المقنعة مدي التشكيك في نزاهتها محلياً وعالمياً على حد سواء، مما يعني إنحراف اللجنة عن أهداف نوبل نفسه. فاللجنة تعتمد على كثير من السويديين اليهودي وذات أيديولوجية صهيونية تخدم الأغراض الصهيونية ويسرد عدة اتهامات موجهة للجنة من أكثر من طرف فقد اتهمت بتحيزها الكبير للقارتين الأوروبية والأمريكية، واتهمت بالتكريس للنمط الحضاري الغربي، واتهمت بالتأثر بالسياسة والميول العنصرية والضغوط المختلفة، فقد فازت الولايات المتحدة الأمريكية بأعظم نسبة وهي 991 مرة ، يليها انجلترا في المرتبة الثانية، مع أن نوبل نفسه أوصي بعدم الاهتمام بالجانب الجغرافي، بل أكثر ما يثير الدهشة والغرابة أن الجائزة المخصصة للسلام منحت لإرهابيين صهاينة (مناحم بيغن ـ إسحاق رابين ـ شيمون بيريز) فماذا يعني ذلك؟ وما مفهوم السلام إذن؟!!! يوازي هذا غرابة ودهشة أن هناك من الكتاب المرموقين من ذهبت الجائزة له ورفضها (سارتر ـ برناردشو ـ بوريس باسترناك) تشكيكاً في مصداقيتها ومحاباة لكتاب ضعاف ورفضاً لحسابات لجنة الجائزة التي تعرقل سيرة هؤلاء الكتاب ككتاب مناضلين أحرار ـ من وجهة نظرهم ـ ومن ثم تشوه نزعتهم الإنسانية والاستقلالية. ولم نكن لنقول هذا إلا اعتماداً على إحصاءات دقيقة ومواقف مشهودة يوردها الكاتب حين يتكلم عن النوبليات اليهوديات والنوبليين اليهود ـ وهم كثرة في هذا السياق الحضاري الأيدولوجي . التشكيك إذن منصب على اللجنة نفسها ومنظورها الخاص. وربما كانت الرواية أكثر تمثيلاً للنوازع الإنسانية العامة، والشعر أكثر تمثيلاً للهوية والروح الخاصة وبصمة الأرض والوطن والتاريخ والعقيدة، فلماذا حرم الشعر العربي على مدار تاريخه من هذه الجائزة حتى الآن بكل رموزه التي شكلت روافده الحديثة بشكل ثري؟ السؤال مطروح على اللجنة اليهودية السويدية!!! وإذن فلنبحث مع الكاتب عن هذا الأمر في المبحث المرير الذي يسميه “الجائزة في ديار العرب” ولنتأمل كيف لم يفز من العرب ـ في مجال الأدب ـ خلال قرن من الزمان إلا واحد فقط!!! القرن الذي أنجب شوقي وطه حسين والعقاد. ( تري هل كان العصر الحديث لدىنا يبدأ تاريخه الأدبي دون هؤلاء؟!!)[c1]تنوع وثراء[/c]أعجبني في الكتاب هذا التنوع والثراء في الإحاطة بالموضوع، فالكاتب تناول النوبليات وسيرة حياتهن دون إطالة فيما يربو قليلاً على نصف الكتاب، ثم تفرغ في مبحث خاص إلى “القواسم المشتركة بين النوبليات “ والتي حصرها في أربعة : الأزمة والمعاناة ـ وحدة الجنس الأدبي ـ التأثر بالمكان ـ التيمة البكائية والاتجاه إلى الله.بعدها انتقل إلى مبحث خاص بعنوان “دائرة الشكوك” أشرنا إلىه، تلاه مبحث آخر بعنوان “جائزة نوبل في ديار العرب” أشرنا إلىه أيضاً.، ولم يكتف الكاتب بذلك، بل أضاف في نهاية الكتاب مجموعة من الملاحق الممتعة لي بشكل شخصي. الملحق الأول عن” العبقرية والجائزة المدهشة” تحدث فيه عن قصة حياة ألفريد نوبل المدهشة وبذور فكرة الجائزة لدىه التي نشأت عن وخز الضمير الذي أصابه بسبب اختراعه للمتفجرات التي استخدمها لأغراض سلمىة ثم استخدمتها البشرية لأغراض حربية، فأنشأ للبشرية هذه الجائزة كدعوة للسلام. الملحق الثاني هو “مؤسسة نوبل الشروط والقانون” فتح فيه الكاتب الوثائق التفصيلية لجائزة نوبل وشروطها وقانونها “على الورق” في 22 بنداً تفصيليا: الملحق الثالث والأخير بعنوان “الجائزة والأكاديمية السويدية” تحدث فيه الكاتب بشكل جاسوسي فريد عن الإداريين وحتى الموظفين داخل الأكاديمية والعلاقات الداخلية، والاعتبارات الخاصة، والتأويلات التي تعد لشروط الجائزة ،ثم آلية العمل واختيار الفائزين وحفل توزيع الجوائز. لذا كانت هذه الملاحق ممتعة وإضافة للكتاب لأنها تقربنا إلى أقرب نقطة من أجواء الأكاديمية السويدية المانحة لنوبل .وباستثناء هذا كنت أتمنى ـ لتزداد قيمة الكاتب ـ أن يعمق الكاتب التركيز على أسلوب الكاتبات ولو تطلب الأمر مبحثاً خاصاً يتلو “القواسم المشتركة” كما كنت أتمني أن يقدم نصاً أدبياً قصيراً (روائياً أو شعرياً) للنوبليات في مبحث خاص أو ملحق خاص يعرف القاريء العربي بهن وهذا جدير أن يحقق المتعة والفائدة.وعلى أية حال تبقي الجوائز أموراً تقديرية يختلف فيها كثيراً ، لأن الأذواق تتعدد حتى لو تحققت النزاهة الكاملة، وتبقي الجائزة الأهم لكل أديب هي إحساسه بالرضا عن نفسه وإحساس القاريء بالرضا عنه مع اكتشاف قدراته الكامنة وتطويرها باستمرار والحفاظ على قيمته باستمرار، وما أروع مقولة أديب في قامة الطيب صالح ، تلك المقولة التي يمكن أن تكون نبراساً للأدباء والتي يقول فيها:” لو ظل الإنسان يفكر في هذه الجوائز فلن ينتهي إلى وضع يستريح له، والأديب يفعل ما يستطيع تحقيقاً لنوازع هي أهم من ا لجوائز”.