مثقفون مصريون يحذرون من تردي واقع الفكر العربي
القاهرة/14أكتوبر/ مشيرة عكاشة:أكد المشاركون في الندوة التي أقيمت في المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة عن مستقبل الفكر العربي ، أن الفكر العربي يعيش في مرحلة صعبة وهي مرحلة الردة والعودة للعصور المختلفة ، وأن الشباب الآن لا أمل فيهم للنهوض بالمجتمعات العربية، ولا أمل في المستقبل دون تحليل الوضع الراهن وطرح حلول للخروج منه.وأشاروا إلى أن نقطة البدء نحو المستقبل سوف تكون من خلال تشخيص الوضع الذي تعيشه الأمة الآن ، وبالتالي لا أمل في النهوض بأن هذه المهمة الخطيرة التي يجب أن يتعرض لها كل مثقفو الأمة بكل اتجاهاتهم وقناعاتهم .أكد د. أنور مغيث أنه لا يوجد مجتمع دون فكر أو مستقبل، وأن الفكر العربي له تيارات متعددة منها السلفي والإصلاحي والعلماني والليبرالي والديني، متسائلاً : ما مستقبل تلك التيارات في السنوات القادمة ، وما مدى تبعيتنا للغرب في السنوات القادمة.ومن جانبه تحدث د . حسن حنفي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة قائلاً : موضوع مستقبل الفكر من الموضوعات التي لا يمكن قصرها علي ندوة واحدة أو حلقة نقاشية منفردة ، لأن الأمر كبير للغاية ، في الدول العربية ثلاثة مراكز للإبداع هي مصر والشام والمغرب ، فلا يمكننا دراسة المستقبل دون النظر إلى السياسة والدين والفن في تلك الدول ، والفكر الفلسفي فكر فيه اتساق منطقي ومنهجية منتظمة، ولا ينفصل الفكر الفلسفي عن الأوضاع القائمة .وأضاف: نحن الآن في مرحلة يمكن تسميتها بمرحلة “ الردة “ فهي مرحلة تعبر عن حصيلة قرنين منذ فجر النهضة العربية، وصحيح أن هناك محاولات للإصلاح، ولكنها مازالت تعمل تحت شعار الرغبة في جعل الإسلام هو النمط الوحيد ، ويغيب مفهوم النقد عندنا ، فليست لدينا خطة تاريخية تحدد دور الأجيال، والنموذج الغربي هو المسيطر على الدولة والدستور وحرية الصحافة، فالجميع الآن يتبنون النموذج الغربي ، الذي انبهر به الاصلاحيون .وأكد د . حنفي أن أحد أسباب تلك “ الردة “ ربما تيون ناتج عن أن الفكر كان في المنتصف، فأخذنا الأمور بطريقة نسبية وليست جذرية، حتى في الإصلاح الديني والتعليمي ، بدأت الأمور تتقدم خطوة وتتأخر خطوتين ، وأصبح شعارنا ( قال الدين ، قال النظام الحاكم ) .وأوضح أن الجامعة المصرية تتحول الآن إلي جامعة أمريكية بساعات معتمدة ، وغابت المؤسسات والاستقلال الفلسفي عند أستاذ الجامعة ، وغابت أيضاً الكتابة في علم النفس والاجتماع، ومستقبل الفلسفة مرهون بعودة تلك الكتابات ، ومستقبل الفكر الفلسفي مربوط بثلاثة قيود ، القيد الأول هو الماضي والأجداد ،فمازلنا مرتبطين بــ ( الغزالي وابن سينا والمذاهب الأربعة )، وهم ليسوا مقدسين ولكنهم بشر مثلنا، فلماذا لا نقدم مذهباً جديداً ، كما قدم السابقون .أما القيد الثاني - كما أشار د . حنفي - فيرتبط بالغرب والانبهار به حيث وقعنا في استقطاب الغرب بين السلفية والعلمانية والانتقاء ليس الحل كذلك إعادة التوظيف ، والقيد الثالث هو النص والتأويل لأننا حضارة صوتية ، والنص لدينا لا ينظر للواقع مباشراً ، والغرب وحده هو القادر على تحويل الواقع إلى نص ، فيجب ألا نكتفي بتأويل النصوص القديمة فعلينا النظر إلي الواقع المعاش والقضايا الرئيسية في الأوطان التي مازالت محتلة.[c1]مواجهة الأزمات[/c]الناقد د . صلاح قنصوة بجامعة القاهرة قال : الفكر يعني الاهتمام والهم لأن الإنسان يحمل عبئاً وهو محاولة حل مشكلة ، ويفكر في مواجهة هذه المشكلة ، ويحاول أن يقترح لها الحلول ويناقش غيره في تلك الاقتراحات للوصول لأفضل الحلول ، وفي مجتمعاتنا العربية لا يتوجه الأفراد لكشف المشكلات وحلها .وأضاف : الفكر لابد أن يعيش في رحم الثقافة ، والثقافة هي أسلوب حياة الإنسان المختلف عن سلوك الحيوان، وهي تمثل كل مجتمع وكل شعب ، ولكنها الرحم الذي يجهد منه الفكر ، وكل جماعة لها مستوى أدبي من الثقافة تنمو فوق طبقة أخرى وهي المشترك الثقافي الذي لا يتفق فيه كل البشر في قيمه نظمه وتصوراته للواقع، وكل واحد فيه ينتمي إلى منظومة ثقافية خاصة .وأكد قنصوه أن هذا المعترك يكون من الأطر التي لا توجد في أي ثقافة مثل (السلطة ، الدين ، العلم)، ثم يأتي المحتوى الذي تكون قيمه ( عقيدة ، ولغة) ثم تأتي العلاقات الثقافية ، وهي أهم نقطة ، وتتغير فيها الثقافة من مرحلة إلى أخرى ، وهذه العلاقات تختلف في كل مرحلة من مراحل الثقافة، فالدين مثلاً يختلف من مرحلة إلى أخرى ، وعندما تتغير تلك العلاقات تتغير الثقافة بمجملها .وأوضح الكاتب أنور مغيث أن الجيل الجديد ليس لديه وعي ثقافي ، فهناك تطور في المواثيق الدولية واتجاه نحو سيادة سلطة المنظمات الدولية والمؤسسات والشباب لا يعلم شيئاً عن ذلك .وقال أتصور أنه لا توجد قيم كونية ، ولكن هناك معايير أدت إلي وجود قيم كونية متعلقة بقضايا مهمة، وهناك مشاكل أخري من الصعب حلها داخل إطار ثقافي قوي مثل الهندسة الوراثية ومشاكل البيئة ، ويجب ألا نفكر في هذه القضايا للثقافة ، ولكن للإنسانية ، التي تعني البشر علي اختلاف ثقافتهم .[c1]عودة الطهطاوي[/c]أما الروائي بهاء طاهر فأكد أن الأفكار المفروضة الآن بخصوص مستقبل الفكر العربي لا تختلف عما قاله د. طه حسين منذ أكثر من 70 عاماً ، وأنه باعتباره دارسا للتاريخ وجد تشابهاً بين طرح القضايا من منظور فلسفي ومنظور تاريخي ، موضحاً أن المشكلات متشابهة في المنظورين ، وبالتالي عندما تتحدث عن العودة الراهنة يجب أن نسأل كيف وصلنا إلى ما نحن فيه الآن ، وكيف سنصل للمستقبل، فنحن في محنة حقيقية مهما كانت أسبابها.وأشار إلى أنه طرح في كتابه ( الثقافة والحرية أبناء رفاعة) فكرة التتر بل والتغريب ، والتتريك يعني أن الناس لا رعايا بل قطيع يسجن العثمانيون الذين يسقون الغنم ، وتحولت تلك الفكرة إلى راعي الأمة من خلال تقسيمهاعلى أساس الملة ( شيخ - زعيم طائفة - خطيب ) وهذا هو الصراع الأساسي الذي تحدث عنه الطهطاوي حيث تكلم عن المصريين الذين يمكن أن يكونوا مسلمين ومسيحيين ، وقال الطهطاوي : ( ما يحب على الإنسان نحو أمة يجب عليه نحو وطنه .أما التغريب كما أوضح طاهر، فهو يعني تحرير المصريين من قطيع الفرنساويين من خلال الانجليز ،وهنا الحكم الغربي الاستعماري وقال عنهم ( كرومر) إنهم عظماء ولكن لابد أن يحكمهم حاكم أجنبي مستبد وعادل ) وكانت مصر في تلك الفترة تجمع بين الشوام والأتراك والأوروبيون ، فهم مجموعة من المجتمعات يعيشون تحت قيادة المندوب السامي البريطاني .وخلص بهاء طاهر إلى أنه ليس متفائلاً بالمستقبل، وأن نقطة البدء نحو المستقبل سوف تكون من خلال تشخيص الوضع الذي نعيشه الآن ، تم وضع أفكار للخروج من هذا المأزق .