نبض القلم
لما كانت أمتنا الإسلامية فيما مضى صحيحة في عقيدتها، صالحة في أعمالها، حسنة في معاملاتها، كريمة في أخلاقها، بصيرة في شؤون دينها ودنياها، راقية في آدابها وعلومها وفنونها، كانت عزيزة الجانب، قوية الشوكة، جليلة مهيبة، صاحبة السلطان والصولة على من عاداها.واليوم لقد تغير حال هذه الأمة، وتبدل أمرها، وضعف شأنها ، وتأخرت في علومها وصنائعها، فصارت ذليلة الجانب، ضعيفة الشوكة، ساقطة الكرامة فاقدة الهيبة، مغلوبة على أمرها، متأخرة في كل مناحي حياتها، فأصبحت لا حول لها ولا قوة، قال تعالى ((وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)). ( العنكبوت، 40 ) وما ذلك إلا لأن الأمة انحرفت عن الطريق السوي، ولم يسر أفرادها على طريق الدين القويم الذي يستوجب أن يكون أتباعه لديهم عقيدة صحيحة، وعبادات قويمة، ومعاملات حسنة، وأخلاق كريمة.فهل يا ترى - نحن المسلمين - نتحلى بهذه الصفات،؟ وهل نحن فعلاً نحسن معاملاتنا فيما بيننا وبين الآخرين؟ أم نحن منحرفون عن الطريق القويم؟ للإجابة عن هذه الأسئلة لابد يسأل كل واحد منا نفسه: أين أنا من أخلاق الإسلام؟ إنه رغم امتلاء مساجدنا بالمصلين، إلا أن كثيراً منهم لا يسلكون سلوكاً إسلامياً في معاملاتهم فيما بينهم أو مع غيرهم، فلوكنا مسلمين حقاً نسير على منهج الله ورسوله، ما ظهرت في مجتمعنا بعض الظواهر الشاذة، والمناظر المؤذية، وهو ما يجعلنا نتساءل: * هل من الدين ألا يحترم صغيرنا كبيرنا؟ ولا يوقر صغيرنا كبيرنا ؟ * هل من الدين أن يكون المرء كاذباً محتالاً ؟ * هل من الدين أن يكون المرء سارقاً، لا يتورع حتى عن سرقة أحذية المصلين في المساجد؟ *هل من الدين أن يكون المرء نماماً ومغتاباً، أو لعانا وسباباً، أو غاشاً وخائنا، أو فاسقاً وفاسداً؟* هل من الدين أن يكون المرء ناقضاً للعهد، مخلفاً للوعد، مماطلاً في حقوق الناس، ومسوفاً في قضاء الدين؟ * هل من الدين أن يكون المرء ناكراً للمعروف، جاحداً لايعترف بفضل غيره عليه؟ * هل من الدين أن يكون المرء قاسي القلب، لايرحم مسكيناً، ولايكرم يتيماً، ولا يعطف على ذي عاهة أو أرملة؟ *هل من الدين أن يعتدي المرء على غيره بالسلاح لمجرد الاختلاف معه في الرأي أو الرؤية أو العقيدة ؟* هل من الدين أن يقطع امرؤ طريق المسافرين لمجرد الابتزاز أو الضغط على الدولة لتحقيق بعض المطالب؟ * هل من الدين اختطاف الأجانب، وترويع السياح، وإخافة الآمنين، أو تحطيم الممتلكات العامة والخاصة أو سرقتها في حالات الشغب والفوضى؟. ما هذا التدهور الأخلاقي الذي يدمر حياتنا في مجتمعاتنا الإسلامية؟ أتحكمت الشهوات في النفوس فأفسدتها؟ أم تسلطت الأهواء على العقول فنبذت الفضيلة؟ ( أفلا يتدبرون القرآن، أم على قلوب أقفالها) - محمد، 24. هل يعلم هؤلاء المفسدون أو الفاسدون أن الدين الإسلامي حرم كل ما يفضي بالناس إلى الفناء، ويوقع بينهم العداوة والبغضاء، أو يفسد العقل أو يحط من كرامة المرء، ويذهب بحيائه وماله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه). إن الاعتصام بالدين يهذب النفوس ويطهرها من الرذائل وسوء الخلق، ويظهر أثر ذلك على سلوك الإنسان في معاشرته للناس ومعاملتهم، فمن كان متديناً حقاً حسنت أخلاقه، وتهذب سلوكه، وأحب الناس معاشرته، فالمسلم المتدين لا يغش إذا باع أو اشترى، ولا ينقص مكيالاً أو ميزاناً، ولا يكذب إذا تحدث، ولا يخلف إذا وعد، ولا يخون إذا أؤتمن، ولا يكون جباراً ولا مختالاً ولا متكبراً ولا مغروراً، ولا عنيداً ولا يماطل في حقوق الناس، وإذا أو كل إليه عمل أتفنه، وأداه على الوجه الأكمل، من غير تسويف أو تأخير، وإذا ولي على الناس عدل فيهم، ونظر في مصالحهم، ليس لغير الحق سلطان على نفسه، فلا يحابي قوياً، ولا يضيع حق ضعيف، فهو ملك كريم في صورة إنسان رحيم، والله سبحانه تعالى يقول: (من عمل صالحاً من ذكر وأثنى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون). النحل ، 97. [c1]*خطيب جامع الهاشمي (الشيخ عثمان)[/c]