أكد أن اللجوء إلى الفرنسية هروبٌ من الرقابة .. الروائي الجزائري واسيني الأعرج :
القاهرة / 14 اكتوبر / حازم خالد واسيني الأعرج روائي جزائري صاحب قلم مميز في كتابة الرواية والقصة القصيرة، الكتابة عنده نوع من الجراحات المتواترة التي يحاول الاتكاء عليها من آن لآخر، رغبةً منه في تقديم نصوص روائية يعبر فيها عن مدى عشقه لوطنه، الذي كثيراً ما يعبر عنه بالمرض، فالنصوص الروائية تبدو في شخوص تتحرك في الخفاء ، فهي في الغالب مطرودة من جنة الجزائر وهاربة من شبح الموت والحرب والنفي، إنها سمة غالبة على أعماله الروائية، التي تربو عن 17 عملاً آخرها رواية "مسالك أبواب الحديد.. كتاب الأمير".. تلك التي نال عنها جائزة المكتبيين الجزائريين.أكد في حواره لـ (وكالة الصحافة العربية) أن روايته الأخيرة جاءت كمحاولة منه للتعبير عن إمكانية بين أتباع الديانات المختلفة، وللإحتفاء بالعلاقة الحميمية التي جمعت كل من الأمير عبدالقادر الجزائري وقس الجزائر الكبير مونسينيور ديبوش.وأوضح الأعرج: أن الرواية الجزائرية العربية حديثة نسبياً وترجع نصوصها الأولي إلى فترة السبعينيات، وأنه مع مرور الوقت بدأت في الوجود وذلك من خلال إحداث إبداع تراكمي ونشوء أجيال تكتب بالعربية، ومن أبرزهم الطاهر وطار.وأكد أن النقد العربي لم يساهم في نجاح الرواية العربية، بقدر ما نجح في خلق حالة من التشتت للقاريء وفجوة كبيرة ما بين المبدع والمتلقي:[c1]* مؤلفك الأخير أثيرت حوله نقاشات مطولة ونلت عنه جائزة المكتبيين الجزائريين بمناسبة معرض الكتاب الدولي بالجزائر وهي المرة الأولى التي تمنح فيها الجائزة لنص مكتوب باللغة العربية.. فهل لك أن تحدثنا عن هذا الكتاب؟[/c]- رواية "مسالك أبواب الحديد.. كتاب الأمير" هي أول عمل روائي عن الأمير عبدالقادر الجزائري، هي لا تقول عن التاريخ الذي هو ليس هاجسها، فهي لاتتقصي الأحداث والوقائع لاختبارها، فليس ذلك من مهامها الأساسية، هي تستند فقط على المادة التاريخية، وتدفع بها إلى قول مالايستطيع التاريخ قوله، كما تستمع إلى أنين الناس وأفراحهم وانكساراته م، وإلى وقع خطي مونسينيور ديبوش قس الجزائر الكبير، وهو يركض باستماتة بين عزف الشعب بباريس وبيته للدفاع عن الأمير السجين بأمبورز، فهذه الرواية فوق كل هذا، درس في حوار الحضارات ومحاورة كبيرة بين المسيحية والإسلام.[c1]ميلاد الرواية* ماذا عن لحظة ميلاد الرواية؟[/c]- فكرت في الرجل الذي نستعد للاحتفال بمئوية ميلاده الثانية سنة 2008، فرأيت أنه ليس معقولاً ألا يكتب عنه أي عمل سردي، ومن هنا بدأ التفكير في كتابة النص، وبدأت أقرأ لمدة أربع سنوات كاملة تناولت فيها مئات الوثائق والكتب حول الأمير، ثم بدأت أكتب ، وكانت عندي رغبة في الخروج من دائرة النصوص التي كتبت حول العشرية الدموية، التي عرفتها الجزائر في تسعينيات القرن العشرين، وكنت أعتقد أن الرواية وسيلة للقول بإن العالم يمكن أن يسير في طريق السلام والحوار، ووجدت الأمر في شخصيتي المونسينيوردي بيش والأمير عبدالقادر، ثم جاءت بعد الكتابة فكرة نشر الرواية ضمن مشروع "كتاب في جريدة" وكنت سعيدا للغاية بالأمر مما شجعني على نشر الرواية ضمن صيغة "كتاب الحبيب" في الجزائر، ثم في طبعات أخري خارج الجزائر، وكان من الكتب الأكثر مبيعاً، وقبل ذلك كنت خائفا من نشر رواية تاريخية، لأننا لانملك تقاليد في هذا الصدد، ثم إن شخصية الأمير عبدالقادر إشكالية.[c1]* لكن بعض النقاد يعيبون عليك في هذه الرواية بتبني النظرة الملائكية في رسم شخصيات الرواية؟[/c]- هذا الأمر أرفضه، لأنه يخالف الواقع، فتناولي للشخصيات لم يكن كذلك، وبالنسبة للأمير عبدالقادر مثلاً، تناولت جانبا خفيا من شخصيته، لقد دمر مدنية "عين ماضي" وهي على أبواب الصحراء الجزائرية قرب الأغواط، تدميراً كلياً، وهذا هو سر عداوة أتباع الرواية التيجانية، التي "عين ماضي" عاصمتهم، الذين لم يبايعوه سلطانا عليهم، وتلك كانت حماقة من الأمير.[c1]* المتابع للمشهد الثقافي الجزائري يلمس غلبة الرواية الجزائرية الفرنسية علي الرواية العربية.. فلماذا هذا التراجع في رأيك؟[/c]- الرواية الجزائرية العربية حديثة نسبياً وترجع نصوصها الأولي إلى فترة السبعينيات، كما أن بداياتها الأولى لاترقى، لأن تكون رواية وبل يمكن أن نطلق عليها محاولات للكتابة الروائية، وقد بدأت الرواية الجزائرية العربية مع محاولات "ابن حدوقة" مع روايته "ريح الجنوب"، ولكن مع مرور السنين.. بدأت الرواية العربية في الوجود، وإحداث إبداع تراكمي ونشوء أجيال تكتب بالعربية، ولعل من أبرزهم الطاهر.[c1]المشهد الروائي* أصبح هاجس الموت والمنفى هو هاجس الكتابة الجزائرية، فمتى تستطيع الرواية الجزائرية التخلص منه؟[/c]- لا يستطيع أحد أن ينكر أن موضوع الحرب ظل هو المهيمن على المشهد الروائي الجزائري، وقد أعطي للرواية الجزائرية خصوصية ووفر لها مادة ثرية لاتنضب، كما أن التغيرات السياسية التي مرت علي الجزائر، من اشتراكية، ورأسمالية وليبرالية وثورة،و كان له التأثير الأكبر على الكاتب الجزائري، فأصبحت محاور الرواية، إما عن بطل الثورة ، الذي يفتك بالفرنسيين، ويعود إلى قواعده سالماً، أو العامل الذي يجابه الظلم وينتصر على صاحب المؤسسة، ولا أستطيع أن أنكر أنني تأثرت بهذا الجو شأني شأن كل الكتاب الجزائريين منذ كتاباتي الأولى حتى الآن، وقد حاولت خلال روايتي الأخيرة شرفات بحر الشمال أن أنسي أن لي وطنا لأتمكن من الكتابة عن شيء آخر غير الحرب والموت والغربة، فأنشأت قصة حب ربما كان الحب هو الحالة الإنسانية التي لاينتهي نبضها إلى الأبد، وربما يتبعني آخرون، ولكن لاتزال حرائق الوطن بداخلنا فكيف يمكن أن نغيب عنها أو ننساها.- لكن روايتك "سيدة المقام" كانت استشرافا لما حدث بعد ذلك في الجزائر، ما تعليقك؟ليست استشرافا، ولكنها معايشة دقيقة للمجتمع وقدرة كبيرة على الإنصات والوصول إلى الصوت الهامس وراء الغلاف الخارجي للمجتمع، وفي "سيدة المقام" رأيت ما وراء غلاف الديمقراطية من خلال معايشتي لتلامذتي في الجامعة، وغيرهم من الشرائح الاجتماعية الأخرى، ورصدت أشياء كانت تشير إلى أن الانفجار قريب، فالموضوع طرح من موقع إنسان عادي، مثل بقية أفراد الشعب الذين توقعوا حدوث هذه المتغيرات، وكل ما فعلته هو أني قمت بوصف هذه العناصر أدبيا مما جعل منها نصا قريبا مما هو عميق في المجتمع الجزائري، وتحديدا في الفرد الفنان بوصفه الحلقة الأكثر حساسية وأيضا تضرراً، فهي إذن ليست استشرافا أو نبوءة، ولكنها قراءة موضوعية قدمها إنسان عايش الحدث من داخله.[c1]مصادرة الحرية* روايتك "مرايا العميان" هي أول أعمالك الصادرة بالفرنسية قبل العربية ، لماذا؟[/c]- ربما لأني استشعرت مصير طبعتها العربية، فقد صودرت في الجزائر بعد الطبع، وتم طحنها لأنها تتناول الوضع السياسي والثقافي للجزائر اليوم، مع اعتمادها على المادة التاريخية لقراءة الوضع الحالي، ونحن نعرف أن قراءة تاريخ الثورة الوطنية وتاريخ الحاضر لم يزل رهين قراءات أيديولوجية وسلطوية لاتقبل بالنقد، وكل ما خرج من هذه القراءات، فإنها ترفضه وتقصيه وتنفيه، ولكن مع ذلك يبقي أصلاً، فنحن في عصر خففت فيه الرقابة، إذ إن ناشري الفرنسية عندما عرفوا بطحن نصي بعثوا به عن طريق الإنترنت، وهو الآن يجوب العالم بدون جواز سفر، ومن حين لآخر أتلقي العديد من الردود من قراء عرب وغير عرب علي كامل الكرة الأرضية.[c1]* قاريء رواياتك يلحظ طول وغرابة عناوينها منذ أولها "جغرافيا الأجساد المحرومة"، وحتي "مرايا العميان" ومروراً بـ"وقع الأحذية الخشنة" و"حارثة الظلال" و"ذاكرة الماء، شرفات بحر الشمال"، فلم تحرص على ذلك؟[/c]- أنا أؤمن بأن عنوان الكتاب هو هويته وربما هو النبض الأساسي فيه، الذي من خلاله إما أن تمسك بالقارئ ولا تفلته، وإما أن يضيعه، لهذا فإن اشتغالي على العناوين يشكل لي أزمة، فخلال رحلتي مع الرواية منذ بدايتها وحتى نهايتها تمر بذهني عشرات العناوين، ولا أستقر إلا علي كلمة، وسرعان ما أشعر في هذه الكلمة بالنقص التعبيري، فلا أتوقف عند حدود المفردة وتصبح الكلمة جملة.[c1]تشتت وتشرذم* في رأيك، هل نجح النقد العربي في المساعدة في تقديم الرواية العربية، أم على العكس كان عنصراً معطلا لتقدمها؟ [/c]- النقد لم يساهم في نجاح الرواية العربية، بقدر ما نجح في خلق حالة من التشتت للقاريء وفجوة كبيرة ما بين المبدع والمتلقي، ولعل أزمة المصطلحات هي السبب الأول في وجود هذه الفجوة، فعدم وجود مصطلحات نقدية متفق عليها.. خلقت للقاريء حالة من التشتت والتشرذم، كما أن اعتبار الناقد أن عدم وصول فكرته إلى المتلقي يرجع إلى أن القاريء قاصر فكرياً ولايفهم فهذا اعتقاد خاطيء، لأنه من الضرورة خلق مساحات ومصطلحات مشتركة.. لتوصيل رأي الناقد للقاريء، كذلك لابد من خلق لغة بسيطة تساعد القاريء علي استيعاب الفكرة والإبداع، مقارنة بالنقد الغربي، الذي كان من أهم العوامل المساعدة لنجاح الرواية الغربية، ويكفي لنا أن نعرف أن النقد هو الذي استطاع تقديم فكر كاتب، مثل "وليام فوكنر" الذي تتميز كتاباته بالصعوبة، للقاريء العادي.