تحقيق / أحمد غيلان :يصل إلى صنعاء خلال الساعات القادمة وفدٌ من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي للاطلاع - عن قرب - على جديد المشكلة القائمة حول مشروع طريق ذمار - الحسينية، وهو طريق استراتيجي بطول 253كم تنفذه شركة تركية، ويموله الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي.وتأتي زيارة الوفد بعد أن تأزمت المشكلة بين وزارة الأشغال والشركة المنفذة ووصلت حد توقيف العمل في المشروع وظهور مساعٍ لسحب المشروع من الشركة وإعادة إعلان مناقصة جديدة لتنفيذه، في الوقت الذي بدأت فيه الشركة باتخاذ تدابيرها للجوء إلى التحكيم الدولي.وفد الصندوق سيصل ليسأل ويتقصى، وقد يكون له رأي باعتباره ممولاً للمشروع، ولنا كمواطنين يمنيين وللحكومة وللقيادة السياسية أن نتقصَّى ونسأل عن أسباب تعثر المشروع وإعاقة تنفيذه قبل أن يقع الفأس في الرأس، ويتبعثر التمويل البالغ 37 مليون دولار، الذي حصلنا عليه قرضاً من الصندوق العربي للإنماء بعد جهود جهيدة.. بعد أن ظل المشروع يترحل على أوراق الموازنات والمشاريع الاستثمارية منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي.ليس من المعقول ولا المقبول ولا المنطقي أن يتحوّل مشروع طريق (ذمار - الحسينية ) إلى مشروع «أشغال شاقة مؤبدة» بتعثراته التي لا تكاد تنتهي وتتلاشى أسبابها حتى يخرج لنا المعنيون في وزارة الأشغال بأسباب ومبررات جديدة للتعثر وإعاقة العمل مجدّداً.المشروع الذي انتظره أبناء المديريات الغربية لمحافظة ذمار لأكثر من ربع قرن وهو يترحل - كمشروع على ورق - من عام إلى عام , دخل مرحلة التنفيذ الحقيقي منذًٌ قرابة ثلاث سنوات بعد أن حصلت بلادنا على قرض لتمويله من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي، ورست مناقصة تنفيذه على شركة تركية, أتت بمعداتها وإمكاناتها لتجد تصاميم هندسية وهمية وغير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، فكانت تلك المرحلة الأولى من الإعاقة والشد والجذب، ولا تزال قضية التصاميم مشكلة تتمدد وتترحل حيث يتم إعدادها وتسليمها مجزأة وعلى مراحل متباعدة.[c1]بعض معوقات العمل وأسباب المشكلة :[/c]أواخر العام الماضي 2007م كانت فترة تنفيذ المشروع المحددة في العقد بـ «30» شهراً قد انتهت , وباقتراب موعد انتهاء الفترة لم يكن قد أنجز من أعمال المشروع أكثر من «40 %» تقريباً، وهنا بدأ الجدل واشتدّت الأزمة وكٌشفت بعض الأوراق ..ليتضح أن معظم أسباب التأخير تتحمّل مسؤوليتها وزارة الأشغال والشركة الهندسية التي تتولّى الإشراف الهندسي على المشروع , وهي شركة مصرية اتضح فيما بعد أن كبير مهندسيها في اليمن المهندس الاستشاري لمشروع ذمار الحسينية تخصصه هندسة مشاريع مياه وصرف صحّي وليس طرقات ... ولأن الوضع كذلك فقد اتضح أن كل المشكلات الميدانية التي كان يرفعها مهندسو الشركة المنفذة طالبين من المهندس الاستشاري أن يتخذ إزاءها قرارات وحلولاً لتجاوزها كانت تظل لفترات تصل من أربعة إلى ستة أشهر ، بينما يفترض أن يتخذ إزاءها القرارات والحلول في أقل من شهر وفقاً لما هو متعارف عليه في أعمال هندسة وشق وسفلتة وتنفيذ الطرقات والمشاريع , ما يعني أن تأخير قرارات المهندس الاستشاري كان سبباً آخر في إعاقة التنفيذ في الوقت المحدد بل في صدارة الأسباب .. ولسنا معنيين بالبحث فيماإذا كانت مماطلات وتسويفات المهندس الاستشاري في اتخاذ القرارات في مواعيدها ضٌعفاً في قدرة الشركة الهندسية التي يمثلها، أم أنها مماطلات متعّمدة ... لكنها في كل الأحوال أعاقت العمل وتسببت في تأخير انجاز العمل ... وبالمناسبة الشركة المصرية هي ذاتها التي أعدت التصاميم الهندسية لمشروع طريق (صنعاء - أرحب - حزم الجوف) وبسبب التصاميم توقف العمل في المشروع ودخلت الشركة المنفذة في خلاف مع وزارة الأشغال والمشكلة حتى اللحظة منظورة أمام المركز اليمني للتحكيم.. وعلاوة على ما سبق اتضح أن عملية الشق السابقة لطريق (ذمار -الحسينية) التي كان ينفذها أكثر من مقاول من الباطن وتحت اسم مؤسسة الأشغال صاحبتها أخطاء كبيرة تضاف إلى أخطاء التصاميم الهندسية الوهمية التي لم تراعِ الجانب الجيولوجي، ولم تضع أية اعتبارات لكون المناطق التي تمر فيها الطريق « مغرب عنس - عتمة - وصاب العالي - وصاب السافل - الحسينية» جميعها مناطق زلزالية وجبلية .. كما أنها مناطق تتساقط عليها الأمطار بكميات كبيرة على مدار ثلاثة أرباع السنة تقريباً..كل هذه المفردات ظهرت في وقت متأخر من توقيع عقد التنفيذ، ومعها ظهرت قصّة هي أغرب من الخيال.. مفادها أن بنود العقد لم تتضمن أعمالاّ مهمة وضرورية يصعب تنفيذ الطريق البالغ طولها 253 كم بدونها.. وأبسطها - على سبيل المثال - العبّارات ومصارف المياه والجدران الحامية للطريق.[c1]والمعالجات لم تكن جادة[/c]كانت أولى المعالجات التي اتخذتها وزارة الأشغال أنها طلبت من الشركة التركية المنفذة إعداد تصاميم هندسية جديدة، وهو ما اعتذرت عنه الشركة التركية واكتفت بالتوسط بين الوزارة وشركة أخرى متخصصة في هذا المجال ,أتت واستلمت العمل وبدأت في إعداد التصاميم وسلمت جزءً منها , لكنها فجأة انسحبت قبل أن تكمل.. ويقال أن انسحاب مهندسي تلك الشركة كان نتيجة لإشكالات مع الوزارة كان سببها المهندس الاستشاري المصري الذي منحته الوزارة صلاحيات الإشراف على الشركة الهندسية الذي اتهمه مهندسوها - وفقاً لروايات مهندسين يمنيين- بأنه جاهل ولا يفقه شيئاً في أعمال التصاميم الهندسية للطرقات الإستراتجية، ورغم ذلك كانت أراؤه وملاحظاته وتدخلاته هي القول الفصل لدى قيادة الوزارة.. حتى وإن كانت أراؤه خاطئة وملاحظاته غير دقيقة.. ولذلك انسحبت الشركة الهندسية وعادت مسألة الترقيع والتلفيق للتصاميم بالتجزئة وبشكل مرحلي، وتؤكد بعض المعلومات المستقاة من متابعين للمشروع أن قرابة 40 - 50 % من التصاميم لم تسلّم للشركة المنفذة حتى اللحظة.الجانب الآخر من المعالجات التي اتخذتها الوزارة فيما يتعلق ببنود العمل الإضافي التي لم تدرج في عقد العمل (الجدران والعبَّارات) أنها أعطت أوامر تنفيذية للشركة بتنفيذها، ورغم ذلك كان تأخير تسليم تكاليف ما نفذ منها أحد أسباب المشكلة التي احتدمت بين الشركة المنفذة والوزارة أواخر العام الماضي وكانت الشركة إثر ذلك على وشك أن تعزّل، غير أن ناشطين من أبناء المناطق المستفيدة صعّدوا الموضوع على مستوى قيادة المحافظة والحكومة والبرلمان والقيادة السياسية وتدخلت بعض القيادات وصدرت توجيهات فخامة الرئيس بتسوية الوضع مع الشركة وديّاً، وبالفعل تمت التسوية بصرف بعض المستحقات المتأخرة والتمديد لفترة العمل 24 شهراً إضافية على فترة العقد المحددة بـ «30» شهراّ تم توقيع العقد في 14 / 8/ 2004م وتأخر الأمر ببدء العمل 4 أشهر، وتأخر عمل التصاميم حتى 16/ 1/ 2005م، وتأخر صرف الدفعة الأولى المقدّمة 7 أشهر من تاريخ توقيع العقد.. وبتصعيد المشكلة أواخر العام الماضي 2007م كٌشفت بعض الأوراق والمفردات ومع ذلك تمت التسوية بالتمديد للفترة، وعادت الشركة للعمل بعد توقف دام قرابة أربعة أشهر غير أن المشكلة عادت من جديد قبيل إجازة عيد الأضحى المبارك... وبعد انقضاء الإجازة تسرّبت من كواليس وزارة الأشغال أخبار تفيد بأن قراراً تم اتخاذه بإقصاء الشركة المنفذة وتسليم المشروع لمقاول آخر. [c1]تصعيد جديد [/c]خبر التوقيف انتشر بسرعة البرق لدى مواطني مديريات « مغرب عنس - عتمة - وصابين» فسارعوا إلى التواصل مع أعضاء البرلمان والسلطة المحلية وبعض القيادات في السلطة وشهدت العاصمة صنعاء عدداّ من اللقاءات التشاورية لبرلمانيي محافظة ذمار وشخصيات اجتماعية وأعضاء في المجالس المحلية بالمديريات المستفيدة، وخلال هذه اللقاءات التي حضرها قانونيون ومهندسون وإعلاميون أيضا كان الواضح في الحوار والمداولات أنه يوجد لدى الجميع ما يشبه الإجماع على أن توقيف العمل أو سحبه من الشركة المنفذة كارثة كبرى ليس على أبناء المناطق المستفيدة وحسب، بل وعلى البلاد أيضا.. ولم يتردد بعض الحاضرين في أن يصفوا ما حدث بالمؤامرة وتلخصت مبررات الطرح في الحيثيات التالية: 1 - أن سحب المشروع من شركة موجودة في موقع العمل وإعادة إنزاله في مناقصة دولية يحتاج وقتاً طويلاً ,فضلاً عن احتياجه لوقت آخر لاستكمال الدراسة والتصاميم المتبقية , ما يعني تعثر المشروع لسنوات طويلة أخرى قد تكون عوامل التعرية وتساقط الأمطار كفيلة بتدمير ما هو جاهز من أعمال الشق والرصف والسفلتة وغير ذلك.2 - المشروع الذي تم توقيع العقد بتنفيذه في عام 2004م بمبلغ 37 مليون دولار أنجزت منه الشركة السابقة حوالي 40 % ولا يعلم أحدكم المبلغ الذي تم صرفه وكم سيتم صرفه لتصفية حساب الشركة وكم سيتبقى , ولا يستطيع أحد أن يجزم أنه سيتم التعاقد على المشروع مع أية شركة جديدة بالمبلغ المتبقي من القرض المتفق عليه، وربما نحتاج إلى أضعاف المبلغ , وليس بمقدور أحد أن يضمن وجود قرض آخر أو منحة أخرى لتمويل المشروع , وهو ما يعني ضياع المشروع وضياع القرض السابق .3 - تسرّبت أخبار أن الشركة المنفذة بدأت تتخذ تدابيرها للجوء إلى التحكيم الدولي في باريس وفقا ًلشروط العقد، وهو ما يعني أن الشركة سوف تطالب بتعويض مستندة لما بين يديها من مبررات , وهو ما يعني حاجة بلادنا لنفقات متابعة وتقاضي ومحاماة وغيره، فضلاً عن إمكانية أن تحصل الشركة على حكم بتعويض.. وهو احتمال وارد جداً بالاستناد إلى تجاربنا السابقة في هذا المجال حيث جميع القضايا المماثلة السابقة لبلادنا مع مستثمرين ومقاولين في مراكز التحكيم الدولية كانت نتائجها سلبية على بلادنا تقريباً.. وفي حال حدوث مثل هذا الاحتمال سنكون بحاجة إلى قرض دولي لتعويض الشركة لا سمح الله.4 - وعلاوة على كل ما سبق فإن تكرار مثل هذه التجارب السلبية مع الشركات الأجنبية يأتي متضاداً مع توجهات الدولة وبرامج القيادة السياسية وجهود فخامة الرئيس على عبد الله صالح حفظه الله في استقطاب الاستثمارات العربية والأجنبية إلى اليمن , كما أنه سيضيف لنا رصيداً سلبياً أمام المانحين سواء أكانوا العرب أو الأجانب، خاصة وأن مُدّة القرض المخصص لهذا المشروع تقريباً انتهت وبدأ موعد السداد في الوقت الذي لم يتم استثماره وتدور حوله مشكلة قد تنتهي بضياعه وضياع المشروع الذي خُصّصت له.5 - لوحظ خلال المشاكل السابقة التي كانت تنتهي بتسويات أن وزارة الأشغال- وإن كانت لديها مبررات لإجراءات قانونية ضد الشركة وفقاً للعقد- فإنها تقترف أخطاء تجعل موقفها ضعيفاً وهو ما يثير القلق من مسألة اللجوء للتحكيم الدولي فضلاً عن إثارة التساؤلات المريبة حول الأهداف والغايات من وراء افتعال المشاكل مع الشركة سواء أكان من قبل بعض متنفذي الوزارة أو من قبل المهندس الاستشاري الذي يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية في معظم الإشكالات.6 - أصبح من المؤكد أن وفداً من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي ممول المشروع سوف يصل بلادنا خلال الأيام القليلة القادمة للوقوف على المشكلة بعد أن كانت الوزارة قد قرّرت إيقاف الشركة وإجراءات أخرى بمبررات لا ترقى إلى مستوى استحقاق تلك الإجراءات .. وبصرف النظر عن الرأي الذي سوف يطرحه أو يقرره وفد الصندوق , فإنه من المعيب والمسيء أن تصل مشاكلنا إلى مثل هذا المستوى الذي يعزز وجهات النظر التي يتم تسويقها عن اليمن في كثير من المحافل الدولية وخصوصاً لدى الصناديق العربية والدولية والتي مفادها أن دولتنا وأجهزتها لاتمتلك أدنى المقومات والكفاءات لاستثمار المنح الدولية والقروض والاستفادة منها.. كل هذه الاحتمالات والمبررات ناقشتها اجتماعات أعضاء البرلمان والمشايخ وأعضاء المجالس المحلية والشخصيات الاجتماعية من أبناء محافظة ذمار على مدار الأيام الماضية على اعتبار أنها - وإن كانت أسوأ الاحتمالات - فإنها تستحق أن يُلقى عليها الضوء وتوضع في الحسبان وهو ما اقتضى أن ننقل المشكلة وما دار ويدور حولها من جدل في هذا التحقيق الذي نضع من خلاله المشكلة وما توفر بين أيدينا من مفرداتها بين يدي الرأي العام والجهات المسؤولة وصُناع القرار ، مستندين إلى التوجهات العامة وتوجهات القيادة السياسة بالتعاطي مع قضايا الوطن بشفافية ومصداقية.. لنكاشف بعضنا قبل أن يكاشفنا الآخرون.وليكن مشروع طريق ذمار - الحسينية نموذجاً نتساءل من خلاله عمَّن يعيق التنمية ويعبث بأموال البلاد ويحبط جهود الدولة والقيادة السياسية ويرسم الصورة القاتمة عن هذا الوطن ومستقبله؟!
من يعيق مشاريع التنمية ومن يعرقل تنفيذ برنامج الرئيس الانتخابي وتوجهات القيادة السياسية ؟!
أخبار متعلقة