على هامش ندوة محمد علي لقمان رائد التنوير في اليمن
عرض/ د. عبدالله الحو:في الفترة من 13-15 نوفمبر الجاري تنعقد في رحاب جامعة عدن ندوة المجاهد محمد علي لقمان رائد حركة التنوير اليمنية وهي في اعتقادي واحدة من أهم الندوات العلمية كونها تتناول شخصية رائدة في مجال التنوير ، وتقف أمام جوانب متعددة في حياة هذه الشخصية تضمنتها الأبحات والدراسات المقدمة إليها ومن بينها بحث د. اعتدال عمر محسن الكثيري مدرسة النحو والصرف بكلية التربية في جامعة عدن بعنوان " قضايا المرأة في كتاب محمد علي لقمان " الذي يأتي ضمن المحور الأول للندوة وهو : محمد علي لقمان رائد حركة التنوير اليمنية.وهذه الورقة البحثية المقدمة للندوة تحول كما أشارت معدتها استجلاء نصوص محمد علي لقمان للوصول إلى موقفه من قضايا المرأة والمهمة التي اضطلع بها في سبيل تنوير المجتمع من خلال تعريفه بحقوق المرأة وواجباتها حيث تناول البحث قضايا تعليم المرأة وعملها وكذلك حياة المرأة الاجتماعية ووظيفتها كزوجة وواجباتها كأم وأخت بالإضافة إلى قضية السفور والحجاب وغيرها من القضايا التي تصدى لها لقمان في العديد من كتاباته وأعماله التنويرية .. ولم تنس الباحثة أن تتناول صورة المرأة في عملين من أعمال لقمان الروائية وهما "سعيد" و"كملا ديفي" لما لهذين العملين الرائدين من مقاصد تربوية وأهداف تعليمية ولما فيهما من إشادة بالمرأة وادوارها في الحياة الاجتماعية.وفي ما يخص تعليم المرأة وعملها اوضح البحث ان المرأة اليمنية ظلت محرومة من التعليم لفترة طويلة من الزمن وكذلك الفتاة على الرغم من وجود اشكال مختلفة من المدارس الأهلية البدائية "الكتاتيب" فضلا عن بدايات يسيرة للتعليم النظامي وذلك بسبب اعتقاد الاهالي بأن تعليم الفتاة محرم لانه يقود الى خروج الفتاة من البيت والتقائها الرجل، وهذا الحال اثار حفيظة المفكرين اليمنيين ومن بينهم المجاهد لقمان للدفاع عن حق المرأة اليمنية في التعليم حيث نشر المجاهد لقمان مقالا في جريدة ( بمباي تايمز) الصادرة في الهند باللغة الانجليزية عام 1923 بعنوان (هل هذه قصاصة ورق؟) انتقد فيه حالة التعليم في عدن ذاكراً إن 50% من الاولاد في عدن لايجدون مدرسة يؤمونها.وكان صوت المجاهد لقمان يعلو اكثر ونبرة التذمر لديه تبلغ حدها وهو يرى كيف ان المبشرين - حسبما اشارت الباحثة - استفادوا من تهافت الاهالي على تعليم بناتهم الخياطة الامر الذي ادى الى الاقبال على المدرسة التي انشؤوها للبنات فيقول: اليس من العار ان عدن مثلاً فيها معلمة واحدة عربية تجيد القراءة والكتابة والحساب؟ اليس من الحرام على مسلمي عدن ان بناتهم يذهبن لقمة سائغة للمبشرات ويصرن الى مهواة الفساد الديني والاخلاقي.وقد وظف محمد علي لقمان صحيفة فتاة الجزيرة التي انشأها عام 1940م لخدمة دعوته الى تعليم المرأة فراح يدعو من هذا المنبر مرات عديدة الى تعليم الفتاة وتعميم التعليم للبنين والبنات ونشر الحرية والاخلاق الحميدة.وفي ما يخص دعوته الى عمل المرأة اوضح البحث ان المجاهد لقمان كان حذراً في التعاطي مع هذا الموضوع في بداية الامر ولم يدع الى ذلك صراحة الا انه من خلال المقارنة بين وضع المرأة العدنية والمرأة الاوربية اوضح ان الافضلية للأخيرة من حيث اسهامها في خدمة المجتمع بالعمل النافع ومن حيث مساندتها للرجل في تحمل اعباء الحياة المعيشية.وفي ما يتعلق بالموقف من الحجاب والسفور اشار البحث الى ان لقمان وقف موقفا وسطاً، فقد كان يحث على افساح المجال للمرأة كي تخرج من بيتها لطلب العلم ولخدمة المجتمع شريطة الالتزام بالضوابط الدينية ومنها الحجاب ، وشدد على ماستجلبه مخالفة الدين من الفساد الاخلاقي، فقد قال في كتابه (بماذا تقدم الغربيون؟) ان الاخلاق الفاضلة لاتكتسب بمجرد الحجاب من وراء الحيطان او بتغطية الوجه اذا كان العقل فارغاً من كل النظريات الاخلاقية الكاملة، ولا اقول دعو النساء سوا فر لأن الحجاب هو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره جدير بالاتباع.واوضح البحث ان رائد حركة التنوير اليمنية كثيراً ما كان يدعو الرجل الى منح المرأة حرية الخروج من البيت وعدم سجنها فيه باعتبارها وسيلة للمتعة ليس غير، وهو دائم الحديث على التزام المرأة بالحشمة اثناء خروجها من البيت.وحول الحياة الاجتماعية للمرأة اشار البحث الى ان محمد علي لقمان لم يكتف بما نشره في كتبه ومقالاته من كلمات تنصف المرأة بل انطلق لنشر الوعي على نطاق المجتمع مستفيداً من المخيمات الادبية للقيام بحملات التغيير والثورة على التقاليد المختلفة. ومن هذه المخيمات ( مخيم ابي الطيب المتنبي) الذي اسسه لقمان عام 1939 كما اشار الى ان جهود لقمان في مجال التعريف بحقوق المرأة كانت تصدر في دعوته الاصلاحية من العقيدة الاسلامية لا من مجرد التقليد للغرب وهو الامر الذي لم يجعل دعوته بعيدة عن روح الدين الاسلامي الحنيف.وأوضح البحث ان محمد علي لقمان كان حريصاً في دعوته الاصلاحية على معالجة قضايا الطلاق وعناية المرأة بمنزلها وتربية اطفالها وتمريضهم بالادوية النافعة. وكان دائماً يحث المرأة على الخياطة والتطريز والاهتمام بصحتها ومساعدة زوجها في حساب نفقة البيت والقيام ببعض الرياضة البدنية وزيارة المستشفى ووضع حملها فيه بدلا من التعرض للموت على ايدي القابلات.وحول صورة المرأة في اعمال لقمان اوضح البحث ان من يقرأ كتابات لقمان يتبين له ان لقمان كان من اشد المدافعين عن المرأة وحقوقها وانه كان يكن لها احتراما عظيما وكان يؤلمه ما تتعرض له من اضطهاد ، وهو مابينه في رواية " سعيد " التي ابدعها عام 1939، حيث قدم نماذج لنساء مقهورات منهن آمنة الأم التي قهرها ولدها العاق حسن فسرق حليها وكاد يقتلها وزوجة سالم المقهورة من فسق زوجها الذي كاد يقتلها ايضاً وعائشة التي كاد يقتلها اهمال والدتها ومع ذلك فان لقمان عندما يقول :" اما فتاة الجزيرة العربية فهي حبيسة دارها، لا تزور ولاتزار الا باذن سابق من رجلها ، ولاتحضر حفلاً ولاتسمع محاضرة في التدبير المنزلي والصحة ولا اقول محاضرة ادبية فهذه محرمة عليها الا نادراً " انما ينحي باللائمة في ذلك كله على التربية الخاطئة والقيود الاجتماعية المفروضة على الفتاة.ويبين البحث ان لقمان على الرغم من نقمته تلك فقد كان متفائلا . ففي روايته " سعيد" نماذج لنساء مثقفات وعاملات ومتفانيات في خدمة المجتمع، وفي روايته الاخرى " كملا ديفي" ترى لقمان قد أعطى للمرأة مكانتها السامية التي تحتلها في نفسه ، حيث وصل بها في هذه الرواية الى قمة العطاء المنشود فاصبحت كما قالت الباحثة رديفاً للثورة على الطغيان ورمزاً للحرية من خلال بطلة الرواية (كملا ديفي) التي حصلت على التعليم الثانوي ثم حاولت انشاء مدرسة للبنات فلم تجد احداً من النساء يفهمها ويدرك مرماها واخيراً استطاعت الصمود بوجه الحاكم الطاغي واقنعته بتحرير شعبه ومنحه حقوقه.وهكذا نرى من خلال هذا العرض السريع للبحث المذكور الدور التنويري الذي قام به محمد علي لقمان رائد النهضة التنويرية في اليمن للتعرف بحقوق المرأة ومكانتها عنده والدور الذي يمكن ان تضطلع به في حياة المجتمع.لقد كان محمد علي لقمان بحق مفكراً ومثقفاً ومصلحاً اجتماعياً استحق بكل جداره ان تقيم جامعة عدن له هذه الندوة للتعريف بدوره الريادي والتنويري وبمكانته الاجتماعية في اليمن، ونتمنى ان تلتفت الجامعة الى شخصيات وطنية اخرى كانت لها ادوار مماثلة لتحظى بنفس الرعاية والاهتمام هذا ماعهدناه في هذه الجامعة الرائدة.