الزواج المبكر.. انعكاسات سلبية على حياة الأفراد والمجتمع والتنمية
عمر عبدربه السبع :الزواج المبكر واسع الانتشار في الحضر والريف ذو علاقة وثيقة بالنظام والقيم السائدة في المجتمع اليمني.للزواج المبكر انعكاسات متباينة على واقع التنمية في المجتمعفجرت الفتاة اليمنية(نجود) قضية كادت تكون منسية ومسكوت عنها في أروقة المحاكم وساحات القضاء والحياة العامة، إذ ظلت الأسر تتعاطاها كلٍ بحسب رغباتها وضميرها واحتياجاتها وعلاقاتها الاجتماعية، على اعتبار أن الوالدين(الأب والأم) هما أدرى بأبنائهم وفلذات أكبادهم، كاهل مكة أدرى بشعابها.. هذا فضلاً عن استنادهم إلى الموروثات الشعبية والتقاليد والعادات وقانون الأحوال الشخصية(المعدل) ليتفق وهوى الأسر ورغباتهم.. إنها قضية الزواج المبكر، والمعروف بين أوساط المجتمع اليمني بزواج الفتاة (بالذات) قبل بلوغها سن الحيض، والمعروف في الأوساط الطبية ارتباط الفتاة برباط زوجي مقدس قبل بلوغها سن الثالثة عشر ربيعاً في الغالب.وقد تشظت عن هذه القضية قضايا أخرى مماثلة، وجدت بعضها طريقها للمحاكم وتطرقت شخصيات اجتماعية وسياسية وغيرها حول هذا الموضوع لذا رأينا انه من الأجدى النزول الميداني لتقصي ما يمكن تقصيه حول هذه الظاهرة وآثارها السلبية أو الايجابية من وجهة نظر الأشخاص الذين تحاورنا معهم والتي يمكن أن تعكس وجهة نظر ورأي أبناء المجتمع اليمني.يقول أحد خبراء علم الاجتماع إن الزواج المبكر واسع الانتشار في الريف والحضر، وانه ذو علاقة وثيقة بالنظام والقيم السائدة في المجتمع اليمني، باعتباره صيانة من الانحراف واستكمالاً لنصف الدين.. وان هذه الظاهرة ستسود لفترة طويلة جداً إلى أن تتغير هذه التقاليد والعادات المعششة في جعبة المجتمع.. ويرى هذا الخبير أن للزواج المبكر انعكاسات سلبية على حياة الأفراد والمجتمع والتنمية بشكل عام.كما يشير احد خبراء السياسة الوطنية للسكان إلى أن الحمل المبكر للفتيات الصغيرات له مخاطر صحية كثيرة وهو احد أسباب ارتفاع معدل وفيات الأطفال الأقل من خمس سنوات هذا فضلاً عن ارتفاع نسبة وفيات الأمهات.. وفي المقابل فإن الزواج المبكر احد أسباب ارتفاع معدل النمو السكاني في اليمن( 3.5 %) ومعدل الخصوبة 7.4 لكل امرأة وهذه من أعلى المعدلات على مستوى العالم.تقول احد المدرسات إن الزواج المبكر يقطع الفتاة عن المدرسة فتتفرغ لأنشطة الأمومة لهذا فان الأمية بين النساء تصل إلى أكثر من 70 %.لقد قالت لنا إحدى الفتيات المحجبات إن الزواج المبكر مستحسن إسلاميا لأنه يحارب الفساد والزنى فهل هناك شيء أطيب من الزواج والحلال؟!فبادرناها بالسؤال التالي: هل الزواج هو الهدف الرئيسي للفتيات؟ لم تجب على السؤال علماً بأنها إحدى الطالبات الجامعيات.تقول إحدى الناشطات في منظمات المجتمع المدني أن الزواج المبكر له مخاطر وانعكاسات صحية ونفسية واجتماعية وان معدل وفيات الأطفال 94.8 لكل ألف مولود حي ومعدل وفيات الأمهات 351 وفاة لكل مئة ألف مولود حي وان الزواج المبكر للفتيات يصل إلى 75 % مقابل 25 % للرجال وترى هذه الناشطة ضرورة تأخير الزواج إلى سن الثامنة عشرة وان هذا التأخير لا يخالف تعاليم الدين الإسلامي مادام يحقق المصالح ويدرأ المفاسد ويكفل المزيد من الاستقرار الأسري والاجتماعي.ويقول احد أساتذة علم الاجتماع في صنعاء إن تأخير سن الزواج يحتاج لجهود مضاعفة في مجتمع محافظ.ويقول أحد علماء الدين إن الزواج دافع لبناء حياة اجتماعية وعلاقة إنسانية متبلورة وبالزواج المبكر تزداد أواصر الروابط والتضامن والمودة والعاطفة أكثر بين الزوجين وبه يتحقق رضا الله سبحانه وتعالى. وان الزواج المبكر لملء الفراغ الناشئ مع المراهقة ومنع اللهث وراء الأحلام الزائفة وبه تنمو القدرة على تحمل المسئوليات الاجتماعية ويستنكر هذا العلامة من تخلي الناس عن الزواج المبكر رغم انه الحل الأنسب لمشاكل الشباب ويساعدهم على الاطمئنان النفسي ويحصنهم من الانحلال الخلقي في المجتمع.يقول أحد طلاب جامعة الإيمان إن الزواج المبكر يمنع الشباب من السقوط في الرذائل.. مؤكدا قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم:» ما من شاب يتزوج في حداثة سنة إلا عج شيطانه.. (أي ثار وغضب) يقول يا ويلاه عصم هذا مني ثلثي دينه، ثم قال(ص) فليتق الله في الثلث الآخر».ولقد سألت أحد زملائي العاملين في سلك التدريس الجامعي لماذا زوجت ابنتك وهي بعد لم تتجاوز العاشرة من عمرها؟!فقال لي ببرود أعصاب هذه من العادات والتقاليد الراسخة في منطقتنا وأردفت وهل أنت راضٍ بهذا الزواج؟ فقال لا أستطيع تغيير سالف المجتمع. وأدركت بعدها أنه تزوج بنفس الطريقة وأنه يعيش حياة سعيدة وكأن التاريخ يعيد نفسه!!وقد صادف أن رأيت دمعةً في وجه رجل زوج ابنته حديثاً وهي بعد ابنة ثلاثة عشر ربيعاً، فقال دون أن أسأله: زوجتها لحل مشكلة اقتصادية خاصة.تقول إحدى الدراسات المحلية أن أسباب الزواج المبكر في اليمن مردها الحالة الاقتصادية المتردية ومستوى الفقر في الأسرة والعادات والتقاليد التي تجعل من زواج الفتيات ضمان وصيانة لشرف العائلة وكذا التسرب من التعليم الأساسي.وبيانات المنظمات الدولية المتخصصة بشئون المرأة تقول أن اليمن تحتل ذيل القائمة في معدلات الدول الأكثر عرضة لظاهرة وفاة الأمهات نتيجة الحمل المبكر وان هناك قرابة خمسة آلاف حالة وفاة في العام.. وان وزن الأطفال يقل عن اثنين ونصف كيلو جرام. وان الزواج المبكر يمنع الفتيات من التكيف عاطفياً مع أزواجهن ويحرمن من التعلم ومهارات الحياة والتعامل مع المحيط الاجتماعي وتضيف تقارير المنظمات الدولية بوجود علاقة بين الزواج المبكر وارتفاع نسبة العنف المنزلي وكذا حالات الطلاق.وتحتل اليمن المرتبة 128 في تقرير الفجوة النوعية لعام 2007م الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي والذي أشار إلى أن النساء اليمنيات يعشن في مجتمع لا يمنحهن حقوقاً متساوية مع الرجال. وان اليمن في نهاية قائمة مؤشر الأمومة لعام 2007م في المرتبة 31 من بين 33 دولة وان هذا يؤثر على جهود التنمية مما ساهم في تدني ترتيب اليمن في قائمة تقرير التنمية البشرية حيث وصل إلى مرتبة 150 عام 2007م.وتوجد دراسة لتحليل تجارب الأمهات الصغيرات تشير إلى أن أولئك الأمهات أصبحن في أعمار الثلاثينيات أكثر التزاماً بأمومتهن وبالزواج ومنحتهن التجربة تصحيحاً لحياتهن اللاحقة. وتؤكد الدراسة أن ايجابيات الزواج المبكر أكثر من سلبياته بل وقد تنعدم هذه السلبيات فتكون الحياة بعد الزواج حياة جادة مع اتزان العقل.. وان العيب ليس في الزواج المبكر وإنما في الأشخاص الذين مقياس الزواج هو الشخص نفسه وليس سن البلوغ وان الحياة الزوجية مودة ورحمة غير جادين في تحمل المسؤولية. يقول أحد الشباب المثقف إن وتفاهم ومعاشرة ثم علاقة جنسية وقد قال رسول الله(ص) ما معناه: ركعتان يصليها متزوج خير من قيام الأعزب ليله ونهاره. تقول طالبة جامعية متزوجة أن الزواج لم يؤثر على دراستها ولا على مستقبلها العلمي، وإن الله في عوننا. وأن الزواج عامل ايجابي للدراسة لأنه يشبع الغريزة والعاطفة وتدرس دون قلق أو اضطراب.تقول إحدى الطالبات أمنيتي أن أكمل دراستي بعدها ابحث عن فارس أحلامي شخص جامعي يتصف بالأخلاق الحميدة وصاحب معاش مناسب ، وتقول أخرى إن يكون متدين وذو أخلاق عالية ويحترم الحياة الزوجية ومقبول المظهر وسنه لا يتجاوز العشر سنوات من سني.تقول احد فقهاء الدين إن الشريعة الإسلامية لم تحدّد سناً معيناً بالسنوات لعقد الزواج بل أجاز جمهور الفقهاء المتقدمين زواج الصغير والصغيرة أي دون البلوغ ولكن قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية والإسلامية حددت سناً للزواج.. وقد يكون زواج الطفل والطفلة لا طائل منه إذا لم يتحقق أهداف الزواج.لقد قال احد الشباب إن أسامة بن زيد قاد جيوش المسلمين وهو ابن 16 سنة لهذا ليس من مصلحة الأمة تأخير الزواج.يقول احد الرجال المحافظين إن الدعوة إلى تأخير الزواج أفكار ماكرة وآراء خبيثة وحاقدة تجاه مشروع الزواج في الشريعة الإسلامية.لقد قالت لي إحدى المدرسات في العلوم الإسلامية إن غياب الوعي حال دون شيوع الزواج المبكر، علماً بأن الزواج المبكر معالجة شاملة لمشاكل الشباب، وقد تزوج الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عائشة وعمرها سبع سنوات ودخل عليها وعمرها ثمان سنوات.. والكل يعلم عائشة وفقهها وورعها .واخبرني أستاذ في علم الاجتماع أتدري لماذا المجتمع اليمني مجتمع يافع ، فقلت:لا لا أدري ولكن ذلك له علاقة بالإنجاب. فقال: هو ذاك فإن الزواج المبكر من حسناته هذا المجتمع الشاب، وإذا ماتم استغلاله الاستغلال الصحيح لأصبحت اليمن في مصاف الدول المتقدمة..والحقيقة أن موضوع زواج الفتاة مبكراً موضوع متشعب تختلط فيه الرؤية الدينية مع النظرة العلمانية ناهيك عن المعتقدات وتقاليد المجتمع، فبقدر ما يرى فيه البعض من ضرر اجتماعي يرى آخرون بأن معه تنمو الموهبة والقدرة على تحمل المسؤوليات الاجتماعية الكبيرة.. وعلى الأئمة والفقهاء ودعاة الأمة والعلماء أن ينيروا أفراد المجتمع بمفهوم ومقياس الزواج الذي يربط بين الدين والأخلاق والشراكة العامة في الحياة.. فنحن امة مسلمة نتطلع للقضاء على المعاصي وفي ذات الوقت نرنو إلى المستقبل لتحقيق التنمية المستدامة ورفاه المجتمع.