ملامح رمضانية .. أمسيات فنية وثقافية تعطر ليالي رمضان
تمثل السرادقات والأمسيات الثقافية التي تقدم في رحاب القاهرة القديمة ، وكافة أنحاء المدن والقرى المصرية أهم ملامح الشهر الكريم ، وسط الأضواء المتلألئة والروائح العطرة ، التي تعبق ليالي الشهر الفضيل ، حيث يمكن لرب العائلة أن يصطحب أولاده ، وزوجته خارج المنزل ، ليقضوا وقتا بهيجا في ميادين الأزهر والحسين والسيدة زينب والقلعة ، حيث يقام العديد من الأمسيات الثقافية ، والعروض المسرحية المجانية.وهكذا تتنوع أشكال الفرجة والمتعة الثقافية والفنية ، فحين نسير في ميدان الأزهر ، سنجد تلك الشوارع المؤدية إلى قصر ثقافة الغوري ، الذي يحرص على المشاركة السنوية ببرنامج احتفالي خاص ، وحافل بالعروض المسرحية وفقرات من الإنشاد الديني ، وكذلك منزل الهراوي الذي تقام به الأمسيات الشعرية والغنائية ، ويشارك فيها عدد من الشعراء والمطربين ، ويفد عليها الآلاف من راغبي الاستماع إلى الشعر والغناء .. وفي شارع الخضيري بحي السيدة زينب ، سيلمح الرائى مئات الأطفال ، وهم ينطلقون إلى مركز ثقافة الطفل لمشاهدة العروض المسرحية ، ضمن احتفال المركز بحلول شهر رمضان ، وهي مسرحيات ذات طابع تاريخي ، تنمي ذائقة الطفل وتفتح مداركه نحو استيعاب فصول من المجد التاريخي العربي والإسلامي ،ويقوم بتمثيلها مجموعة من الأطفال.أما قلعة صلاح الدين المترعة بالأضواء ، فينهض إلى جوارها سرادق فني ، وفق برنامج عرض (ثلاثين ليلة ) ، يشارك فيه الفرق الموسيقية والمطربون والمطربات ، لتقديم نماذج من الفن الرفيع ، في رحاب هذا الصرح التاريخي ، لتنبعث النغمات والأصوات الشجية لتعانق أصداء الماضي البعيد .. والطريف أن تلك السرادقات الفنية والثقافية ، قد حققت المنافسة مع ما يقدمه جهاز التليفزيون من برامج ومسلسلات درامية تحتشد بها قنواته خلال شهر رمضان ، حيث استطاعت أن تجتذب الراغبين في التحرر من أسر الجلسات الطويلة أمام الشاشة الصغيرة ، والتي تمتد إلى ساعة متأخرة من الليل .ومن هنا توثقت الصلة كل عام بين تلك الأماكن وآلاف الرواد من عشاق الثقافة والفن ، حيث يتم الاحتشاد لكافة الفنون لتقديم عروضها ، وإتاحة الفرصة للتواصل بين نجوم الفن والأدب والجمهور ، لينبعث الدفء وتشتغل الأفئدة بحرارة اللقاء المتجدد خلال ليالي رمضان البهيجة.. وفي كل عام تزداد المنافسة اتساعا ، حيث يدخل إلى الحلبة ( منافسون ) جدد ، ففي الأعوام الماضية حرصت بعض الهيئات الثقافية على أن تقدم برنامجا ثقافيا متميزا خلال ليالي رمضان ، مثل الصالون الثقافي بدار الأوبرا ، والندوات الأدبية بمقر اتحاد الكتاب المصريين ، وكذلك المجلس الأعلى للثقافة ، وجميعها يتبارى لاجتذاب راغبي الاستماع والتزود الثقافي .[c1]المرسي أبو العباس [/c]وبعيدا عن العاصمة سنجد مدينة الإسكندرية العريقة ، وقد ازدانت شوارعها وأحياؤها بالأضواء ، وانتشرت بين أنحائها العديد من السرادقات الفنية والثقافية ، مثل أمسيات الإنشاد الديني في رحاب منطقة المرسي أبو العباس الشعبية ، وكذلك في قصور الثقافة ، التي تقام بها الأمسيات الثقافية والعروض المسرحية .وهناك بعض الفرق الفنية التي تقدم عروضها الفنية في المقاهي ، ومنها فرقة الدراويش التي تكونت عام 8491 ، وتقدم التواشيح والابتهالات الدينية ، ليتوارثها الأبناء ، ويحرصون على الانتشار خلال شهر رمضان ، بعد صلاة العشاء ، وحتى وقت السحور ..كما يوجد بعض المغنين الشعبيين الذين يقدمون السيرة الهلالية على أنغام الربابة ، فضلا عن الفرق الأخرى التي تعتمد على الآلات الشرقية في العزف مثل آلة العود والكمان والقرب ، وتقدم أغاني متنوعة من التراث الغنائي الشرقي في أواخر القرن الماضي ، وأيضا مختارات من أعمال أم كلثوم وعبد الوهاب ووديع الصافي وفريد الأطرش وأسمهان وغيرهم.وهناك العديد من معارض الفنون التشكيلية ، وفنون الخط العربي التي تجتذب الرواد إلى القاعات المخصصة في المنازل الأثرية ، وعادة مايتبارى الفنانون في تصوير ورسم الملامح الرمضانية ، التي تتجلى في رصد حركة الناس داخل الأماكن التاريخية في شوارع وأسواق القاهرة القديمة ، مثل خان الخليلي والموسكي والغورية والسيدة زينب والسيدة عائشة والفسطاط وغيرها .. ويعتز أهل الإسكندرية بتراثهم الغنائي الخاص ، والمتمثل في تراث فنان الشعب سيد درويش ، ولذا يكون كم الفقرت الغنائية التي تقدمها الحفلات الموسيقية ، مجموعة أغاني من تراث الفنان السكندري ، وتتبارى الأصوات الشابة في حسن أدائها لهذا التراث الخالد. وهناك العديد من الخيمات الثقافية التي تقدم فيها العروض الفنية ، والتي يطغي عليها الطابع الفكري ، حيث يلتقي فيها أبناء هذا الحى ، أوذلك ، بأهم الشخصيات في جميع المجالات ، لتكتمل وجبة ثقافية ومعرفية في شتى صنوف الفكر ، من خلال المناقشات والتساؤلات التي يطرحها جمهور ( الخيمة ) على الضيف سواء كان طبيبا أم فنانا أم شاعرا أم غير ذلك ..وتسعى سائر المدن المصرية الأخرى إلى الدخول في حلبة «السرادقات الفنية » ، حيث تقام أشكال متنوعة للفرجة والمشاهدة ، إما داخل قصور وبيوت الثقافة ، أو في رحاب المساجد والأماكن الأثرية ، وعادة ما تكون ( القوافل ) الثقافية ، في حالة تنقل دائم خلال شهر رمضان ، لتقدم عروضها المختلفة من محافظة إلى أخرى ، والتي تضم مجموعة كبيرة من الشعراء والأدباء والمثقفين.[c1]عشاق السيرة [/c]ولاشك أن القرية المصرية لها عاداتها وأسماؤها الخاصة خلال شهر رمضان ، فقديما كان الراوي أو المنشد للسيرة الهلالية ينزل إلى القرية في ضيافة أحد أثرياء القرية ، وطوال ليالي رمضان ، وبعد صلاة العشاء والتراويح ، يجتمع الأهالي في الساحة ، ويتحلقون حول (المنشد) الذي يسرد وقائع السيرة ، ليتم فصولها في الليلة الأخيرة من الشهر.ومن الطرائف التي تروى عن عشاق السيرة الهلالية ، أن أحد الريفيين خرج ذات ليلة ومعه «جنيه» واحد ، ليشتري به دقيقا من أجل أن تصنع زوجته ( كعك ) العيد ، فاستوقفه مشهد المغني والناس يتحلقون حوله ، واندمج في الاستماع حتى فرغ المغني و( دياب ) في الأسر ، على وعد منه بفك دياب في اللية القادمة ، ولكن الرجل أصر أن ينشد المغني أبياته ، كي يكون دياب من الطلقاء ، فاشترط عليه المغني أن يدفع شيئا ، فما كان من الرجل إلا أن أخرج الورقة المالية ، وذهب إلى بيته سعيدا بعد فك أسر ( دياب ) ، لتدب بينه وبين زوجته مشادة حامية .ولم تعد القرية الآن - كما كانت في الماضي - حيث دخلت إلى حياتها وسائل التحديث في شتى المرافق والاستخدامات ، ومن هنا اختفت هذا الأشكال الاحتفالية القديمة ، لتحل مكانها أشكال أخرى تتمثل في القوافل الثقافية ، التي تنزل إلى القري وتقدم عروضها خلال ليالي رمضان ، ويحتشد الناس لملاقاتها ، ويتواصلون مع هذه الفنون ، كما يحرص البعض على الذهاب إلى القاهرة أو الإسكندرية للاستمتاع بالأجواء الرمضانية في رحاب التاريخ ونفحات الشهر الفضيل