أضواء
محمد الدعمي إذا كان الخليج العربي قد شهد ثلاثة من أسوأ حروب العصر الحديث (الخليج الأولى والخليج الثانية وحرب الخليج الثالثة، غزو العراق 2003)، فإن هذه الحروب، سوية مع الأزمة المتفاقمة اليوم بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة، من الجهة الأخرى، هي الأخرى تنذر بحرب واسعة من النوع الأكثر تدميراً نظراً لمتراكم القوة والتدمير الذي حققه طرفا التحدي باستخدام وسائل العلم والتقنيات الحديثة التي لم تقدم للإنسان الخليجي (على الضفتين الشرقية والغربية) سوى القلق والخوف من المستقبل الذي ربما يطوي الكثير من التعقيدات النابعة مع منابع ثروات هذا الحوض المائي الزاخر بالنفط وبسواه من المعادن الثمينة.لقد نبهت الأزمة الجارية قادة الخليج خاصة عبر دول الخليج العربية التي أسست «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» كإجراء احترازي وإستراتيجي حيال توسع وتواصل الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، نبهت الأزمة الجارية المتفاقمة اليوم إلى سؤال تتوجب الإجابة عنه لأنه يتأرجح بين الوجود والعدم: ما الذي ينبغي أن تفعله شعوب وقيادات المنطقة من أجل تجنب الآثار السلبية والمدمرة لأي حرب يمكن أن تندلع. لقد عكست وسائل الإعلام الخليجية في الأشهر الأخيرة قلقاً مبرراً مفاده أن واحداً من أخطر ما يهدد أمن الخليج، وربما الأمن العالمي والإقليمي عامة، هو احتمال تعرض مضيق هرمز للإغلاق من قبل أحد الأطراف المتحاربة من أجل خدمة أغراض عسكرية أو اقتصادية مباشرة أو غير مباشرة، الأمر الذي يلقي بظلاله على اقتصاديات الخليج والإقليم بأسره نظراً لاعتماد أغلب دول الخليج على موارد النفط اقتصاديا. السؤال إذاً، هو: كيف يمكن تلافي المخاطر والنتائج الكارثية لإجراء من هذا النوع دون التورط في نزاعات أو احتكاكات عسكرية لا طائل منها، أو سبق وأن جربت نتائجها بطرق مأساوية، عبر العقود الماضية؟.إن سطح ماء الخليج العربي يمثل شريان الحياة التجارية والصناعية للعالم أجمع، لذا ينبغي للمرء أن يفكر ملياً بالطرق والأساليب المناسبة التي يمكن أن تحل محل سطح الماء من أجل تواصل الحركة التجارية الإقليمية والعالمية في حالة حدوث ارتطام عسكري من النوع المذكور، لا سمح الله.إن أهم ماهو متاح للمخططين الإستراتيجيين الخليجيين (على سبيل الاستغناء عن سطح الماء أو الإقلال من الاعتماد عليه، قناة وحيدة للتجارة وللتبادل) يتمثل في استثمار سطح الأرض والأراضي اليابسة الممتدة بين دول الخليج العربية، وبينها من ناحية، وبين دول الجوار، من الناحية الثانية، وهي مساحات صحراوية في أغلبها، ولكنها تؤدي إلى منافذ مائية، بحرية يمكن أن تساعد على حل المشكلة ومنع الاختناق الذي يهدد العالم بأسره. إن أهم الخيارات المتاحة لتفادي مشاكل وتعقيدات ما يمكن أن يحدث في حالة حرب، هو خيار المناورة بالأرض عن طريق مد الطرق الخارجية السريعة super highways وكذلك مد سكك الحديد التي، بالرغم مما يمكن أن يوجه إليها من نقد، تمتد موازية لسواحل الخليج العربي الغربية بين أقاصي السلطنة من جهة الغرب، والجنوب، وبين الكويت والبصرة شمالاً. إن مشروع مد خط سكك الحديد هو مشروع حيوي للغاية بالنسبة لجميع دول الخليج، ليس فقط لأنه يساعد في حل الكثير من الأزمات والمشاكل، بل كذلك لأن سكك الحديد يمكن أن تعوض غياب البواخر وحاملات النفط الكبيرة على نحو نسبي، كما أنها يمكن أن تخدم دول الخليج العربية في المناورة والمناقلة باستخدام منافذ التصدير والاستيراد البحرية جنوباً وشمالاً حسب الحاجة، وحسب الاقتراب أو الابتعاد عن خطوط الالتهاب.لقد برهنت الحرب العراقية الإيرانية التي امتدت لحوالي ثماني سنوات عجاف على أن الحروب لا يمكن لأحد أن يتنبأ بطولها وبآثارها، ومنهم من يخطط لها ومن يريدها، الأمر الذي قاد إلى الكثير من الأفكار والآليات المساعدة على تجنب الآثار السلبية والمدمرة للحروب طويلة الأمد. لذا فقد قام العراق، منذ السنوات الأولى لحرب الخليج الأولى بمد أنبوب نفط بين جنوب العراق، حيث آبار حقول الرميلة الغزيرة باتجاه البحر الأحمر عبر أراضي المملكة العربية السعودية، وذلك رداً على قيام سوريا بإغلاق أنبوب النفط العراقي المار عبر أراضيها باتجاه البحر المتوسط عبر بانياس.إن التفكير الجدي باعتماد أنابيب النفط لمواصلة التصدير في حالات الطوارئ المتوقعة في أي إقليم في العالم إنما ينبغي أن يبدأ الآن كي لا يحاصر الإنسان الخليجي في خانق زمني أو مادي يمكن أن يحرمه من ثرواته في حالات الطوارئ. لقد حاول العراق إبان تلك السنوات الصعبة كذلك، إيجاد الوسائل المناسبة لحل مشكلة خنقه تصديرياً عن طريق تدمير موانئه الخليجية الجنوبية ومنعها من العمل، الأمر الذي قاد إلى التفكير الجدي بتطوير وتحسين وتوسيع الطاقات التخزينية في المواقع القريبة من حقول إستخراج النفط، وفي الأماكن القريبة من نقاط تصديره قريباً من الموانئ.. مثلاً. مثل هذه المخازن الكبرى تجعل عملية المناورة والتصدير بحسب جداول دقيقة ومواعيد مضبوطة عملية ممكنة لا تضع المصدر أو المستورد في حالات وزوايا محرجة. إن دول الخليج العربية تمتلك، إضافة للسواحل الطويلة والموانئ الحسنة التجهيز أعماقاً برية تسمح بمد خطوط السكك الحديد التي نتكلم عنها، زيادة على فتح طرق النقل البري الطويلة. وهي لذلك يمكن أن تراهن على هذه المشاريع الإستراتيجية الكبرى التي تستثمر اليابسة بديلاً عن الخليج لأغراض من هذا النوع. إن هذه الإجراءات ستقود إلى سلسلة من الإجراءات الأخرى التي تساعد على تجنب التعقيد وحماية الإنسان الخليجي من الآثار السلبية لأية حرب محتملة، الأمر الذي يجعل التفكير الجماعي (بين القيادات الخليجية) ضرورياً حول تأسيس أسطول بري مكون من الشاحنات الثقيلة التي يمكن أن تنقل النفط الخام أو منتجاته من مكان لآخر ومن ميناء لآخر، حسب الحاجة وحسب القرب أو البعد من مناطق الإلتهاب.إن الأزمة الساخنة الجارية اليوم توجب على المرء التفكير بما ينبغي أن يفعل من أجل حماية الحاضر وإستشراف المستقبل والإفادة من تجارب الغير.[c1]* عن/ صحيفة (الوطن) العُمانية[/c]