في الذكرى السابعة لرحيله
في مثل هذا اليوم الخامس من فبراير من عام 2000م فقدت الحركة الأدبية والفنية في حضرموت خاصة والسعيدة اليمن عامة أحد أهم أعلامها الذي ملأ صيته الآفاق..ونردد اسمه كل يوم بالحب والإعجاب والإكبار..ونحفظ أشعاره الغنائية الجميلة الراقية العذبة.. شاعرمحبوب داخل وطنه وخارجه..وكل عشاق الطرب والغناء والفن ينهلون من معينه العذب الرقراق الذي لا ينضب والذي استطاع به أن يهز وجدان الملايين في أنحاء الوطن وخارجه وقد كانت مواهبه متعددة فبالاضافة إلى الملكة الشعرية الفريدة كان يمتلك موهبة التلحين.كان يصهر اللحن بالشعر ويصهر الشعر باللحن كي يخلق اللوحة الغنائية الجميلة المتميزة..غنى له كبار الفنانين اليمنيين في الداخل أو الخارج.إنه الشاعر الغنائي الكبير الشهير الراحل/حسين أبوبكر المحضار الذي نتحدث عنه في هذا الموضوع الخاص بمناسبة ذكرى رحيله السابعة التي تصادف الاثنين الخامس من فبراير 2007م.أحمد سعيد بزغللقد كتب الكثيرون عن الشاعر الكبيرحسين أبو بكر المحضار..وتحدث عنه الكثير..إلا أن أول من كتب عن هذا الشاعر الكبيرهو الأستاذ/الراحل/محمد عبد القادر بامطرف عندما قدم ديوانه الأول(دموع العشاق)في مايو 1981م والقى الأستاذ/بامطرف بالمركز الثقافي بمدينة الشحر مسقط رأس المحضار محاضرةقيمة عنه بعنوان[نظرات في أشعار غزلية للمحضار]وفي عام 1987م صدر ديوان الشاعر الثاني(ابتسامات العشاق)الذي كتب مقدمته الأستاذ بامطرف وبعد أن تحدث الأستاذ/المؤرخ القدير الراحل محمد عبد القادر بامطرف عن أشعار المحضار بدراية كاملة وبأسلوب ممتع وجذاب بدأ الآخرون يقتفون أثره.تحدث الأستاذ/بامطرف/في محاضرته[نظرات في أشعار غزلية للمحضار] في هذه الربوع وكان يعمل من أجل إعلاء شأن الفن اليمني وهو يكافح بمفرده ولم يكن هناك من يسنده أو يدعمه،وأصبح المحضار في اليمن مدرسة مستقلة بذاتها لها طابعها الخاص ولها خصائصها المميزة في الأشعار والألحان وراح الكثير من الفنانين اليمنيين العرب ينشدون أغانيه ويقلدون أساليبه في الشعر والتلحين..وكسب الفنانون بفضله ولم يعرف له أحد منهم حقاً مشروعاً في ثمن مجهوده الفني وهو من جانبه لم يمد يداً للتكسب من إنتاجه الفني الرفيع مع أنه كان في حالة قاسية من الحاجة والعوز ولكنه كان كبير النفس مؤمنا برسالته ولقد دفعت به الشحر إلى الاغتراب القاسي وظل الوحيد يذكر للشحر فضلها عليه..حتى وإن صدت أو جارت وقالت:سير وأتغرب.وفي مقدمة ديوانه[ابتسامات العشاق] يقول الأستاذ/بامطرف"ينظر المحضار إلى أحوال زمانه نظرة الفاحص الحصيف وذلك ما نراه متجلياً في أشعار أغانيه،وإنا لنرى تجارب واضحة بصورة أو بأخرى فيها"،ويرد الأستاذ/بامطرف/عن السؤال:هل المحضار شاعر أولاً أم أنه ملحن أولاً قائلاً:"ربما قلنا على سبيل الحكم غير المبرم إن المحضار ملحن في المقام الأول وشاعر في المقام الثاني،لأن لألحانه الفضل الأول في ذيوع أشعاره بين الناس..ولولا تلك الألحان لما عرف الناس من أشعاره إلا النزر اليسير وفي نطاق محدود..لكن المحضار بحكم المهارة في صنعته الشعرية المتقنة يجعل لحنه وشعره في حالة تنافس مستمر من حيث التأثير على النفوس فلا تدري أكان اللحن هو المفضل أم أن الشعر كان الأجدر بالأفضلية.وفي مقدمة ديوانه(أشجان العشاق)التي كتبها الأستاذ/رياض باشراحيل..[مفهوم العشق في شعر المحضار لا ينحصر في محيط العشق المشبوب أو عشق المحب للمحبوب فهذا لون من ألوان وصنف من اصنافه،ولكن معنى العشق في شعره يتجاوزه إلى نهايات أرحب وآفاق أوسع فالشاعر يعشق التربية والأهل والمجتمع والوطن ويعشق دينه الإسلامي الحنيف والأصول والأخلاق التي أرستها عقيدته في نفسه ويحب الطبيعة والفن والجمال وهو وفي الأخير عاشق للإنسان والوطن والحياة).وبعد أن تحدث با شراحيل في تلك المقدمة عن شعر المحضار الاجتماعي الوطني والسياسي والقضايا القومية والتجديد في شعره أختتمها قائلاً:المحضار نافذة حضرموت واليمن إلى ساحة الفن العربي والشاعر الذي أصبح جزءاً من تاريخ بلده".ففي شعر المحضار هيام بالوطن واعتراف بفضله وتدله بحبه أرضاً وإنساناً وتاريخاً حيث يقول في إحدى أغانيه :" حبي لها رغم الظروف القاسية رغم المحن..وإن عشت فيها لأجلها عانيت.. وإن غبت عنها فلها حنيت.. والحاصل إن الحب شيء ماله ثمن..من قال محبوبتك من؟ قلت اليمن " .وعندما يكون مغترباً عن وطنه.. وإن كان يحيا في مطرح الخير عيشاً رغداً إلا أنه يعبر عن حنينه وأشواقه للوطن بمنتهى الروعة حيث يقول في هذه الأغنية :وا ويح نفسي .. لا ذكرت أوطانها حنت..حتى ولو هي في مطرح الخير رغبانه”وإذا كان الحنين إلى الوطن متعاظماً في نفس شاعرنا على قدر حب الشاعر لوطنه فإن فرحته بالعودة إليه متعاظمة على قدر الحنين الذي كان يملأ صدره ويحفزه على سرعة الرجوع إليه.. فما كان منه إلا أن يهتف حين يعود.ويقول الأستاذ/ عمر أحمد بن ثعلب في كتاب ( المحضار الإنسان والفنان).. " ولد الشاعر أبوبكر المحضار بمدينة الشحر ( الميناء) التاريخي القديم لمحافظة حضرموت على ساحل بحر العرب في خريف عام ( 1350هـ - 1930م)وقد نشأ في كنف أبويه نشأة صالحة.. وكانت أسرته تتمتع بمكانة اجتماعية طيبة عاشت حياة الزهد والتقشف شأنها شأن الكثير من البيوت الصوفية في حضرموت.. ولم يكن من قبيل الصدفة أن يبرز هذا الشاعر الملهم ذلك لأنه شاعر تقلب في أصلاب شعراء ودلف إلى هذه الدنيا والشاعرية تسري في دمه بحكم الوراثة وبحكم الاستعداد الفطري.. فلقد كان جده لأبيه ( حسين بن حامد المحضار) شاعراً شعبياً مشهوراً.. وكان جده ( صالح بن احمد خمور) شاعراً شعبياً مجيداً.أكمل المحضار تعليمه الأولي إلى السنة الرابعة ثم واصل دراسته في ( رباط الشحر) حيث درس القرآن وعلوم التوحيد والتجويد والفقه والعبادات وعلوم اللغة العربية.واتاحت له بيئته الإطلاع المبكر على روائع الأدب العربي التي صقلت شعوره وعلمته التأمل والملاحظة وحببته في مجالس الشعر والفن وهو لم يتعد الثانية عشرة من عمره..ونظم أول قصيدة وهو في الرابعة عشرة بدأ المحضار يتفاعل مع محيطه الشاعري ويشارك في مجالس ومسامر الشعر والغناء والشرح البدوي الذي أنجذب إليه كثيراً وما بلغ السابعة عشرة إلا وكانت مدن حضرموت تردد أشعاره الشعبية وبدأ المغنون (محمد جمعة خان وسعيد عبد النعيم وغيرهم) يتغنون بأشعاره ولم تمض مدة طويلة حتى صدح بأغانيه الفنان الكبير ( أبوبكر سالم بلفقيه) وغيره من الفنانين وبدأ منذ ذلك الحين يترسخ في الأذهان اسم ( المحضار) كشاعر وملحن ملهم ومتميز..لقد تنقل شاعرنا المحضار وعاش فترات من حياته في أكثر من مدينة يمنية.. كما أغترب في السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت وسلطنة عمان, وزار معظم العواصم العربية وشارك في عدة مهرجانات أدبية وثقافية فيها في بعض العواصم الأوروبية.. وكانت لشاعرنا المحضار مقدرة فائقة على التحكم وفي صياغة الكلمة واستهلالها وابتداع المعاني وفي تركيبها وتجانسها وحبك مدلولها.. وكانت كلماته ناهيك عن ألحانه تملك كل جارحة وعاطفة في قلوب المستمعين..كما كان المحضار مواكباً للتطورات والأحداث من حوله ومترجماً للوقائع الاجتماعية بشكل كبير.. وستظل أغانيه وألحانه للوطن وتربته في أحزانه ومسراته بوضوحها ورمزيتها خالدة على كل الشفاه.لقد صدرت لشاعرنا المحضار أربعة دواوين منها :( دموع العشق عام 1972م وابتسامات العشاق عام 1987م وأنين العشاق عام 1999م وحنين العشاق عام 1999م) كما صدرت حول المحضار وشعره عدة مؤلفات لعدد من الكتاب داخل اليمن وخارجه.ولشاعرنا المحضار ( عشرة) أعمال إبداعية رائعة في مجال المسرح الغنائي بدأها عام 1974م تناول فيها العادات والتقاليد في بيئته وسجل من خلالها أحداث وطنه. وفي حلبات الشرح والزوامل في مساجلات الدان الحضرمي ( الشبواني) التي كان في صدارتها منذ أن كان عمره (22) عاماً تساجل فيها مع الشعراء الشعبيين الكبار في حضرموت.كما أن له مجموعة كبيرة من القصائد المسرحة التي ألقاها في بعض المناسبات أو تساجل بها مع شعراء آخرين, كل ذلك يمثل جزءاً مهماً من التاريخ الثقافي والفني لمحافظة حضرموت واليمن عامة.تزوج الشاعر المحضار مرتين وله ولد (محضار) وثلاث بنات.انتخب المحضار لعضوية مجلس الشعب الأعلى مطلع الثمانينات, ثم صار عضواً في هيئة رئاسة المجلس في الشطر الجنوبي سابقاً وفي ظل دولة الوحدة اليمنية المباركة كان شاعرنا المحضار عضواً في أول مجلس للنواب عام 1990م.وفي مايو عام 1998م وضمن احتفالاتنا بالعيد الثامن للوحدة اليمنية قام فخامة الأخ/ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بمنحه وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى في الآداب والفنون تكريماً لدوره الكبير والمتميز في الإبداع الثقافي والفني ليس في اليمن فحسب بل وعلى مستوى الوطن العربي.في الختام نقول سيظل شاعرنا الفقيد / حسين أبوبكر المحضار خالداً خلود عطائه وإبداعه.