غياب الأمن وتكاتف الحكام الجدد ضدهم أفرز الظاهرة:
القاهرة/ وكالة الصحافة العربية:كشف مراقبون دوليون أنه على الرغم من مرور نحو أربع سنوات ونصف السنة علي سقوط النظام العراقي السابق وتغيير الصورة النمطية للصحافة العراقية وانتقالها إلى حد كبير من موقع الدفاع عن السلطة، إإلى ممارسة النقد والكتابة ضد الحاكمين الجُدد في كل مراحل مجلس الحكم والحكومات المؤقتة والانتقالية، وأخيرا الدائمة، ظل الصحافيون العراقيون على الدوام هدفا سهلا لعمليات القتل أو الخطف·وشددوا على أنه بمقارنة سهلة بين الصحافة في العراق، في ظل النظام السابق وفي العهد الجديد، يبدو جلياً أن الساحة الصحفية العراقية تشهد ولادة صحافة مُعارضة ومستقلة، وحتى مقاومة للنظام الجديد مع فارق واحد، هو أن الصحافيين العراقيين باتوا اليوم هدفا للقتل والخطف والتهجير القسري من بلادهم، بينما كانوا في النظام السابق أكثر أمناً، لأنه لم تكن في العراق آنذاك صحافة حُرة، إلا صحافة قائمة على تمجيد الحزب الواحد·وأوضحوا أنه ليس غريبا أن تضع الإحصاءات الرسمية العالمية، العراق في المرتبة الأولي من الدول، التي تُسجّل فيها خروقات خطيرة، تهدد حياة الصحافيين العراقيين، إذ كشفت السنة الماضية وحدها أن 74 صحافياً في العراق لقوا مصرعهم وهم يمارسون مهنتهم، ليس إلا، وليس لأنهم عبّروا عن آرائهم، وذلك من بين 81 صحافياً قُتلوا في العالم·وأشاروا إلى أنه بذلك، يُعتبر العراق، وللسنة الرابعة على التوالي، أكثر الدول خطورةً في العالم، ليس على حياة العاملين المُحترفين في القطاع الإعلامي وحسب، وإنما على حياة المعاونين الإعلاميين، من سائقين ومترجمين ومساعدين، علماً بأنه منذ بداية الحرب في مارس 2003 تعرّض 139 صحافياً للقتل في العراق، أي أكثر من ضعف عدد الصحافيين الذين قتلوا في 20 سنة من الحرب في فيتنام، ( التي سجّلت مقتل 63 صحافياً ما بين 1955 و1975)·وفي ذات السياق، تبين التقارير الدولية المهتمة بذات الشأن أن نحو 90% من الضحايا، هم صحافيون عراقيون، الذين يخوضون غِمار مِهنتهم من دون حماية أو معلومات وتدريبات أمنية، ويكونون دائما في مقدِّمة العربة الإعلامية للحصول على الأخبار، عمّا يجري في العراق· واللافت في كل عمليات القتل التي تعرض لها الصحافيون العراقيون، أن التحقيقات بشأن الجهة التي تقف خلفها، تبقى طيّ النسيان، وغالباً، لا يتم فتح ملفات لها، ولا تتم أية ملاحقة قانونية لمرتكبيها، مما سمح لقتلة الصحافيين من الإفلات من العقاب· كما لا يجري الكشف عن القتلة، حتى في الحالات التي يتحدّث فيها المسؤولون العراقيون عن "معلومات" حصلوا عليها في عمليات عسكرية طالت جماعات مسلحة، اتُّهمت بقتل هذا الصحافي أو ذاك، كما حصل في قضية مراسلة قناة العربية في بغداد أطوار بهجت، عندما أعلن مسؤولون أنهم قتلوا أو اعتقلوا عناصر اعترفت بقتل الزميلة الراحلة أثناء تغطيتها لتداعيات تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء في فبراير 2006وتشهد الأحداث أنه خلال العام الماضي هناك أكثر من ثلاثين صحافياً عراقياً أصيبوا بجروح بفعل هجمات استهدفتهم، لم تُعرف مصادرها، وكانت بغداد الأكثر عنفاً ضد الصحافيين، وجاءت المُوصل بعدها ثم ديالي، ولم تتمكن قوات الأمن من إلقاء القبض سوي علي خمسة من مرتكبي تلك الجرائم· قتلة الصحافيين العراقيين كثيرون جدا، ويتوزّعون بين السُرّاق واللصوص الباحثين عن "الفدية" وهم شركاء الجماعات المسلحة والأحزاب وفرق الموت والمليشيات والتنظيمات المعادية لها، والحكومة وقوات الاحتلال، التي قتلت الكثير من الصحافيين العراقيين وأشخاص عاديين يملكون السلاح "وهو بمتناول الجميع "، لاتعجبهم طريقة هذا الصحافي أو نهجه وحتي شكله أو أنهم يريدون إزاحته من الحياة، ليحل بديلا عنه من يريدون تحويله إلى صحافي يسل الكلمة بين فكي كماشةوهكذا، حين آراد رُسُل الكلمة الصّادقة في العراق، خاصة المخلصين منهم التحرك في فضاءات واعدة جديدة، جُوبِهوا بأشكال متعدّدة لشخصيات أو حتى جماعات تحمل ثقافة "الرجل الواحد" وفي أفضل الأحيان إلي "الحزب الواحد" ومن ليس معنا فهو ضدّنا، وصار التكفير والطرد من الملّة، والخيانة للوطن الجديد تهمة جاهزة تجري المحاسبة عليها وتنفيذ العقوبات الصادرة فورا ودون تمييز أو استئناف أو إعطاء الفرصة للضحية لكي تدافع عن نفسها·بعض الجماعات المسلحة، أوجد ما أطلق عليها اسم "المحكمة الشرعية" وهذه بدورها تُحاكم الصحافيين العراقيين غيابيا، وتصدر بحقِّهم أحكاما تتراوح بين الموت ذبحا والموت بإطلاق الرصاص، والمُهم هو أن يُقتَل الصحافي العراقي، الذي تُفسِّر "المحكمة الشرعية" نشاطه بأنه لم يكن مرّة واحدة لسهو أو لقراءة خاطئة من الجماعة نفسها في صالح تلك الجماعة، حتي وإن كان الضحية مُعاديا ًحتي الثمالة للاحتلال·والملاحظ أن الحكَّام الجُدد يحاسِبون الصحافي العراقي إذا نقل أي خبر لا يعجبهم، وهم بالمناسبة أطياف وألوان شتى يعجز الواحد عن إرضائهم جميعا، والحال نفسه يتكرّر مع الجماعات المسلحة، وبذلك يجد الصحافيون العراقيون أنفسهم بين فكّي كمّاشة تعصِرهم حتى الموت، وأنه لا يبدو أن دعوات يطلقها نشطون مُدافعون عن الصحافيين العراقيين، إلى المنظمات الدولية لاتخاذ تدابير عجلة لحماية أرواحهم، تجد لها أصداء ايجابية لدى مُعظم الدول، التي يتوجّه نحوها الصحافيون العراقيون، خصوصا أن معظم هذه الدول أخذت تتعامل مع العراقيين بشكل عام من منطلقات علاقاتها بالحكومة والأحزاب وباقي المفردات في الساحة السياسية العراقية، حباً وبغضاً، والشيء نفسه تُواجهه دعوات مماثلة إلى الحكومة العراقية، لتعمل بكل جدية من أجل وقف الانتهاكات والتصدّي لمرتكبيها وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب، وإلى مدِّ يد المساعدة للصحافيين العراقيين المهجَّرين داخل بلادهم، وإلى تقديم ضمانات حقيقية لسلامة وأمن الصحافيين أثناء تنفيذ الخطة الأمنية الجديدة·وخلصت دراسة حديثة عن قياس اتجاهات الرأي العام تجاه الصحفيين إلى أن الوعي الجماهيري في معظمه ضدّ الصحافيين العراقيين العاملين في مؤسسات أجنبية، لأن الرأي العام العراقي المنقسِم، طائفيا وحزبيا، يتعامل مع الإعلاميين العراقيين علي أساس قُرب أو بُعد نهج مؤسسته من تلك الطائفة أو ذلك الحزب وبالتالي، فإن مصير الصحافي العراقي بات في معظم الأحيان رهن مواقف مُكوِّنات الرأي العام العراقي، من الوسيلة الإعلامية التي يعمل معها، موضحة أن الطامة الأكبر هنا، أن الرأي العام العراقي، وعندما يتم حل إشكالية التعاون بين الحكومة العراقية مثلا وهذه الوسيلة الإعلامية أو تلك ممن تقرر الحكومة إغلاق أو وقف عمل مكاتبها في العراق، فإنه لا يجد نفسه مُتصالحا مع الصحافي العراقي، وهذا الأمر يزيد من الصعوبات التي تعترض سبيل عمل الصحافيين العراقيين·ويمكن القول، والحال هذه، إن عمل الصحافيين العراقيين داخل العراق سجَّل في العام الماضي تراجُعا كبيرا، وما عاد الصحافيون العراقيون قادرين على مُمارسة عملهم في الشارع، إلا في نطاق ضيق جدا، خوفا من تعرُّضهم للقتل أو الاختطاف، وما من شك، فإن محاولة الخطف التي أدّت إلى إصابة مراسل قناة العربية في بغداد جواد كاظم بثلاث رصاصات شبه قاتلة في وضح النهار، دفعت بالعديد من زملاء وزميلات جواد إلي ترك بغداد لإنقاذ حياتهم من موت يبقي يحيط بهم كل حين·وتشير الأرقام إلى أن أكثر من 60 صحافيا غادروا العراق بعد محاولة اغتيال جواد كاظم، ومعظمهم تلقّوا تهديدات مباشرة من جماعات مجهولة، تطالبهم بترك مهنتهم أو يتعرّضون للتصفية الجسدية، وقد شهد العام نفسه هجمات بالأسلحة الثقيلة على خمسة منازل للصحافيين، اثنان في ديالي وثلاثة في العاصمة بغداد·في العراق الجديد يذهب 87% من الدعم المالي المخصَّص للإعلام العراقي، إلي شبكة الإعلام العراقي (شبه الرسمية)، وهذا بالتأكيد لن يساعد في إنشاء إعلام عراقي تعدّدي، يدفع باتجاه ضَمان أمن وسلامة الصحافيين العراقيين من ذوي الرأي الآخر، المنتقد أو المعارض للحكومة· ومع ملاحظة أن الحكومات تعاقبت باتِّجاهات سياسية مختلفة، فإن الإعلام العراقي الرّسمي تأرجح في طريقة أدائه لصالح الحكومة العراقية، خِشية قطع الدعم المالي ليتحول الإعلام العراقي إلي إعلام دولة، لا يختلف كثيرا عمّا كان عليه في الزمن السابق·