قراءة في ترجمة جديدة لرباعيات الخيام
صدر مؤخراً كتاب جديد يحوي ترجمة لنحو مئتين من رباعيات الشاعر الفارسي عمر الخيام ترجمها عن الفارسية الشاعر الإماراتي محمد صالح القرق. والكتاب في نحو290 صفحة من الحجم الكبير والورق الصقيل في إخراج جميل وزخرفة ملونة ومذهبة ولوحات لمزهريات وأباريق وشمعدانات فمن الواضح أن المترجم تعمد عدم استعمال الصور المعتادة في ترجمات الخيام من لوحات فارسية لأشخاص مثل تلك التي تصور الخيام مع حبيبته ودنِّه وديوانه تحت غصن شجرة .كنت قد فجعت بوفاة والدتي الحبيبة أرملة الشاعر الدكتور محمد عبده غانم وابنة رجل التنوير اليمني المحامي الصحفيمحمد علي لقمان رحمهم الله جميعاً وذلك في آخر رمضان الماضي وعندما عدت من صنعاء إلى دبي بعد أن ودعت الراحلة الغالية في رحلتها إلى مثواها الأخير زارني الصديق الشاعر محمد صالح القرف مواسياً وحمل لي نسخة من كتابه الجميل الذي طالما شمعته على إنجاز طباعته وكان ممن يحمه لفعل ذلك الأصدقاء الأدباء القاصي محمد المر والدكتور عمر عبد العزيز والأستاذ عبد الغفار حسين وكان محمد صالح القرق قد شفع إهداءه النسخة لي بأبيات شعرية جميلة طبعها على الغلاف المقوي الجميل وتقول الأبيات.[c1]يا رفعا شأن القصيدة عالياً أهدي إليك من القصيد حصادي[/c]هذي الأناشيد التي ترجمتها عن نابع من عقله الوقاد:[c1]فيها تجلـت للعقـول رسالـة جادت بفيض بلاغـة ورشـادإني لأجور أن تنـال رضاكـم أنت الخبـيـر بفطنـة وسـداديا مبدع الأشعار دمت موفقا أنت الجديــر بصحبــة ووداد[/c]ويمكنني أن أطمئن شاعرنا القرق بأن هذه الترجمة في حلتها القشيبة وقد نالت إعجابي وإعجاب المثقفين الذين أطلعوا عليها في الإمارات. وكان القرف قد عكف نحو سبع سنوات على تأليف هذه الترجمات وكان ينشرها في مجلة الشروق في الأمارات مع ترجمات لشعراء آخرين لنفس الرباعية التي في ذلك العدد من الجملة وكان القرق قد أولع بالخيام منذ نحو ثلاثين عاماً وأهتم بجمع عشرات الكتب التي تتعلق بالخيام بمختلف اللغات وخاصة الفارسية والعربية والإنكليزية وهو يتقن اللغات الثلاث وله مكتبة شخصية عامرة بالكتب ومنها الرباعيات وترجماتها . أما في الكتاب فقد نشر في كل صفحة رباعية بالفارسية وبجانبها ترجمته لها ثم ترجمة إلى الإنكليزية فترجمة إلى الفرنسية. وأعتمد في ترجماته أربعة أبيات على أحد الأوزان الخليلية ولم يترجم الرباعيات المكونة في الأصل من ( دوبيت ) أي بيتين أو أربعة مصارع على وزن (لا حول ولا قوة إلا بالله) ينتهي كل مصراع بقافية أو روي وحد في النوع الكامل الموحد القافية أو يختلف روي الشطر الثالث في النوع الأعرج من الرباعيات أما ترجماته الإنكليزية فالقرق أستعمل منها ترجمة فريدرك روزن حيث أمكنه ذلك وإلا فقد أستعمل أحدى ترجمات إدوارد فتزجرالد الأكثر شهرة أو وينفيلد أو غيره وكثيراً ما قال لي القرق إنه يفضل روزن على فتزجرالد لأنه أقرب إلى الأصل أما الترجمات الفرنسية فأغلبها للإيراني الأصل عصمت زاده. ولترجمات فتزجرالد لرباعيات الخيام أهمية خاصة في حياتي إذ كانت بعض هذه الترجمات مقررة علينا في المدرسة الثانوية في كلية عدن وأعجبت بها إعجاباً بالغاً ومنذ ذلك اليوم آمنت بإمكانية ترجمة الشعر على خلاف رأي الجاحظ الذي اطلعت عليه فيما بعد ووجدته مبالغاً فيه بل وترجمت بعض رباعيات فتزجرالد إلى العربية يومها وأنا في المدرسة الثانوية ثم عدت وترجمت ثلاث رباعيات إلى العربية عن فتز جرالد بعد أربعة عقود وضمنت تلك الترجمات التي نشرت في المجلات ضمن كتابي إذا وقصائد أخرى وأشاد بها الدكتور يوسف الدكتور يوسف بكار في مقالة له بصحيفة الرأي الأردنية. والدكتور يوسف بكار يعد من أهم الخبراء في العالم العربي برباعيات الخيام وكتب عنها دراسة قيمة بعنوان ( الترجمات العربية لرباعيات الخيام -دراسة نقدية ( صدرت عام 1988 عن جامعة قطر رد يوسف بكار صديق لمحمد القرق وهو الذي كتب مقدمة جميلة لكتاب القرف وموضوع هذه المقالة. يقول د . بكار في المقدمة إنها برباعيتها المائتين ثالث أطول ترجمة عربية لمهتارات من الرباعيات الكثيرة العدد بعد ترجمة عبد الحق فاضل ( 381 رباعية ) وترجمة أحمد الصافي النحفي (351 رباعية ) وتساويها عدداً ترجمة أحمد حامد الصراف النثرية في طبعتها الثانية كما أنها الترجمة الخليجية الثالثة بعد ترجمة إبراهيم العريض البحريني ( 152رباعية ) في آخر طبعاتها وترجمة الشاعر السعودي محمد حسين عواد ( 6 رباعيات في ديوان : نحو كيان جديد 1955). ويقول بكار في المقدمة في تقييم الترجمة التي قام بها القرق ( الترجمة اتصالية معنوية فضفاضية وليست حرفية وهذه حتميات قالب المريعة الذي كاد المترجم يحكم سيطرته عليه إذ حافظ في أكثرها على مفصل الرباعية الأصل وبؤرتها المركزية وفكرتها الرئيسية وجعل يمنح منها ويحلق في جوهرها تحليقاً شعرياً لا تكلف فيه أو صفته أو بعداً عن المحور. كان عمر بن الخيام قد ولد أغلب الظن في نيسابور في النصف الأول من القرن الهجري الخامس وتوفى في نيسابور بين 515ه و526 وكان صاحب شهرة واسعة كفلكي له كتب مثل كتاب نور وزنامة وكرياضي له كتب مثل الجبر والمقابلة وكان أيضاً عالماً في الطب والفقه الإسلامي والحكة والفلسفة والتاريخ ولكنه اشتهر العصور الحديثة كشاعر الرباعيات وخصوصاً بعد أن ترجم فتزجرالد رباعياته وأعاد ترجمتها خمس مرات بتغيرات وتنفيحات مختلفة وإن كان كثير من النقاد يفضلون الترجمة الأولى التي كانت بخمسة وسبعين رباعية نشرت في كتاب عام 1859 وكان ناشرو الكتب والمجلات قد رفضوا نشرها فاضطر إلى نشر 250 نسخة على حسابه وباع النسخة بشلن ثم اضطر إلى بيع النسخة ببنس والحد لكسادها ولكن بعد أن اشتهرت بيعت النسخة الواحدة عام 1929م بثمانية الألف دولار للنسخة في أمريكا وكان فتزجرالد قد نشر طبعة ثانية معدلة وفيها 110 رباعية عام 1868 وثالثة فيها 101 رباعية معدلة ورابعة شبيهة بها وبعد وفاته نشرت طبعة خامسة ببعض التعديلات عام 1889 وفي العصر الحديث نشرت كل الترجمات في مجلد واحد. وفي كتابه الصادر عام 1988 عن الترحمات العربية يقول يوسف بكار إن عدد الرباعيات التي تنسب للخيام غير متفق علية فبينما يقول الجاحر في أن عدد الرباعيات التي يمكن الاطمئنان إلى أنها من تأليف الخيام هي نحو ستين يخمن المستشرق الألماني روزن إلى أنها قد تصل إلى خمسة آلاف فقد نسبت إلى الخيام ألوف الرباعيات التي ليست له ولذلك نجد هذا التفاوت الكبير والاختلاف في المواقف المنسوبة إلى الخيام في أفكاره وإيمانه وأفكاره وعقيدته وتأرجحه بين الكفر بالإيمان واللا أدرية وبين مذاهب اللذة والتصوف ولكن يبدوا أن الخيام تأثر بأبي العلاء المعري رأبي العتاهية وأبي نواس . وللخيام شعر بالعربية قليل منه :[c1]إذا رضيــت نفســي بمـيسـور بلـغـــة يحصــلهــا بالكــد كــفــي وسـاعــدي أنت تصـــاريـــف الــحـــوادث كلــهــا فكن يا زمـانـي مــوعــدي ومواعــدي البس قضى الأملاك في دورهـا بأن تعـيـد إلـى نحــس جميــع المساعــد[/c]ويعدد د. بكار في كتابة المنشور عام 1988 خمسة وخمسين ترجمة عربية ولكنه يقول إنه قد تكون هناك ترجمات أخرى فائتة وهو احتمال كبير وبعض الترجمات التي عددها كانت ترجمات مباشرة عن الفارسية وبعضها عن ترجمات فتزجرالد الإنجليزية وأخرى عن ترجمات شعرية أو نثرية لمترجمين عرب بل وهناك ترجمات عن الإيطالية والتركية وبعضهم ترجمها نثراً وشعراً مثل الزهاوي وبعضهم ترجمها بالشعر المنثور والشعر الحر مثل تيسير سبول وبعضهم ترجمها بالزجل المصري أو اللبناني. وإذا تجاوزنا ترجمة نظام الدين الاصفهاني في القرن الثالث عشر الميلادي فإن أول ترجمة شعرية عربية كانت لعيسى المعلوف عام 1910 ليست رباعيات ثم ترجمة وديع البستاني عام 1912 لثمانين رباعية ومن الترجمات الشعرية الشهيرة ترجمة محمد السباعي عام 1922 لمئة رباعية ورباعية وترجمة أحمد رامي الذي ترجم عن الفارسية 168 رباعية اشتهرت بعد أن تغنت أم كلثوم ببعض تلك الرباعيات. وترجم أحمد الصافي النجفي 351 رباعية عن الفارسية وإبراهيم العريض 152 رباعية عن الفارسية وفتزجرالد وعبدالحق فاضل 381 رباعية عن الفارسية وجميل الملائكة 50 رباعية لم يذكر عن أي أصل لها. وهناك على الأقل 34 ترجمة من الشعر الفصيح وقد أورد القرف صور عدد كبير من المترجمين العرب وغير العرب في الصفحات الأولى من كتابه وقد قسم القرق كتابة أبجدياً حسب قوافي ترجماته للرباعيات من الألف إلى الياء. يقول القرق في إحدى رباعياته:[c1]يــارب أنــي مذنــب بحاجـة إلـى رضــاكوإن قلبـــي مظلـــم نورك ربـي وصفـاكإن كانـت الجنــان لا يدخلهن من عصـاكفإين لطفـك اللهــم ربنـــا أيـــن عطــاك[/c]وهي ربما تقابل الرباعية التي ترجمها أحمد رامي:[c1]يا نفس ما هذا الأسى والكدر قـد وقـع الإثـم وضــاع الأجــرهـل ذاق حلـو العفــو إلا الـذي أذنــب والله عـنــــا واغتــفــــر[/c]وفي رباعية للقرف: [c1]لــئـــن لــــم أود تـمــــام الأداء حقيـقـــة طاعــة رب القضـــــاءوإن كنت عن جبهتي ما نفضت غبار المعاصــي .. وقـل الوفــاءفــأنـت كريـــم عفــــو غـفـــور ولســـت لـــذا فاقـــداً للرجــــاءفلـــم أعتمـــد بإلهيـــن قــــط ولكـــن أوحــــد رب السمـــــــاء[/c]أما أحمد رامي فيقول:[c1]إن لم أكن أخلصت في طاعتك فإنـنـي أطمــع فــي رحمـتـــكوإنمـــا يشفــــع لــــي أنـنــــي قد عشت لا أشرك في وحدتك[/c]والقرآن الكريم يقول:»إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء».محمد صالح القرف المولود عام 1936 في دبي وتعلم في مدارسها كان مولعا بالكتب منذ صغره فوالده صالح القرف كان خطاطا وأنشأ أول مكتبة لبيع الكتب في دبي وأخوه عبدالله القرق عاش فترة في عدن وحصل على جائزة «فتاة الجزيرة» وكانت عبارة عن كتاب أهداه له محمد علي لقمان وما زال الكتاب في حوزة محمد صالح القرف ويعتز به فقد توفي أخوه عبدالله في شبابه ومن أولاد أخيه صديقي فريد القرق المختص بالمختبرات الطبية وصديقي المهندس فيصل القرق. ولمحمد صالح القرق أخ ثالث هو السفير عيسى صالح القرق. ولمحمد القرف كتابات أدبية في الصحافة الأماراتية مثل ركنه المعروف «غيض من فيض» يقول في إحدى رباعياته المترجمة:[c1]وفي عهد الصباكم قد ذهبنا إلــى الأستــاذ نـرنو للرشــاد وكم كنـا سررنـا حيـن صرنـا أساتــذة وكــل «كالـعــمــاد»وحاصـل أمرنــا أنـا وصـــلنــا إلى كنـه الحقــيـقـة في تنـادنبعـنـا مثـل مـــاء مـن تــراب وقد صـرنا هـواء فـي الوهـاد [/c]ولعل هذه هي الرباعية التي ترجمها إبراهيم عبدالقادر المازني في كتابه حصاد الهشيم «عن ترجمة فتزجرالد فقال:[c1]كم بذرنا حكمة العقل سواء وتعــهــدت بكفــي النــمـــاءوتأمـــل ها حصــادي كـلـــه جئت كالماء وأمضي كالهـواء[/c]وفي رباعية أخرى من ترجمة القرق يقول:[c1]وفي سوق الجـرار رأيت أمـس أمامــي ماثــلاً خــزاف جبــسيدوس الطين يركلـه بعـنـــف ويجبـل قطعــة منــه بركــسكأني قد سمعت الطين يشكو يكلـمــه يقــول لــه بهــمــسترفـق بـي فإنـــي مــن تـراب لإنسـان مثيلك تحــت رمـــس[/c] وكنت أنا قد ترجمت هذه الرباعية عن ترجمة فتزجرالد الد كما يلي:[c1]قد رأيت الخزاف يعجن طـيـنــا ويــســويـه بــعــد ذا إبريـــقــافكـأنــي بالطــيـن أن أنــيـنــا: أنت طين مثلي فكن بي دفيقا[/c]يقول القرق في رباعية أخرى:[c1]ولئن وجدت رغيف خـبـز أبـيـضـــاً عجنوه من قمح نصيل مرتـضـــىوالكأس ملأي بالشراب وعنــدنــــا فخـذ لشـاة لـم تكـد أن تخـضــــــاومعـي حبـيـب العــمــر لاح جبينـه كالـبـدر عـن حـــد نقـى عــرضــــاسيكـون عيـش في الغـلاة ألـذ من عيش الملوك وكل سلطـان مضـى[/c]وقد ترجمها أحمد رامي كما يلي:[c1]زجاجة الخمر ونصف الرغيف وما حوى ديوان شعـر طريفأحب لي إن كنت لـي مؤنـساً في بقع من كل ملـك منيـف[/c]ولكن القرق أيضاً له رباعية أخرى مشابهة تقول:[c1]ومن لي بكوز من الـراح قـان وديـــوان شعــر بغـيـر مثيـلونصف رغيف من الخبز كيمـا أسـد بـه رمقـي فـي المقيــلوكنت معي ياملـيــك الفــؤاد بأرض فـــلاة وأنــت الخـليــلفذلــك أحسـن من كـل شـيء ومن عيش سلطان ملك أثيل[/c]وختم برباعية للقرف تقول:[c1]أيهــا القلــب ما حقيـقـة دنيـــا في وجــود الوجــود إلا مـجــازاكم تجرعت كــل هـــم وغـــم وتعـــانــي مشــقـــة واهتـــزازأذعــن الآن للقــضــاء وسـايـــر كــل وقــت ولا تحــاول نشــازاخــط سيـر اليـراع قدمـا طـرازا لست تستطيع أن تعيد الطرازا[/c]وفي ترجمة رباعية ترجمها فتزجرالد قريبة من هذا المعني أقول:[c1]أن كف الأقدار تكتب سيـطــرا ثم تمضي إلى سطـور أخــرىليس تمحو منهـا دموع الحرى إنمــا كلمــة ولـو سلــن نـهــرا[/c]