نادرة عبد القدوسلا ينكر اثنان مدى ما وصلت إليه حرية الرأي والتعبير من تقدم في مشوار الصحافة اليمنية اليوم. إلا أن هناك حلقة لا زالت مفقودة في سلسلة الحراك الثقافي والإعلامي اليمني ، ولو تم وضعها في موقعها .الشاغر لاكتمل البناء الذي يسعى كل إنسان طيب في بلادنا لبنائه طوبة إثر طوبة ولعل من نافلة القول أن المسرح والسينما يعدان من أهم ركائز البناء الثقافي والفكري والروحي للإنسان في تاريخنا المعاصر، فالمسرح مدرسة فنية وثقافية هامة في المجتمع تستنهض طاقات الشعوب وتحفز إراداتها وتستحث عزائمها نحو التغيير الجمعي المنظم الإيجابي[c1]أهمية الفن السينمائي [/c] ولا تقل أهمية السينما ( دور العرض ) عن المسرح في حياة الشعوب ، وبالذات تلك التي تعرض الأفلام الجادة الملامسة لحياة الناس والمتفاعلة مع قضاياهم وهمومهم ، وليست تلك التي تعرض الغث منها ، ابتغاء إلهاء شباب الأمة والتقليد الأعمى للعروض السينمائية الغربية التي لا تتفق مع قيمنا وأعراف مجتمعاتنا العربية والإسلامية المحافظة ، والسينما الإيرانية خير نموذج وقد حازت على جوائز عالمية عديدة . وقد عرف الشعب اليمني دور العرض السينمائي منذ نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين في مدينة عدن ، حيث وصل عدد الدور إلى ( 23) دار عرض ، شاهد فيها الأفلام الهندية والغربية والعربية . بل إن تاريخ الفن السينمائي اليمني يسجل أول محاولة لإنتاج فيلم سينمائي روائي يمني بمبادرة ذاتية قام بها المصور والمنتج والمخرج السينمائي المبدع جعفر محمد علي البهري في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي ، والذي عاش طوال حياته حاملاً آلتي التصوير الفوتوغرافي والسينمائي ملتقطاً مشاهد من المظاهرات الجماهيرية المناهضة للاحتلال البريطاني ، معرٍضاً حياته للخطر في كثير من الأحيان ، فقد كان رحمه الله عاشقاً للتصوير والسينما . والسينما ، التي يطلق عليها الفن السابع ، تعد من الوسائل المعاصرة البارزة غير التقليدية في توثيق وتأريخ حياة الشعوب وحركات تطور مجتمعاتها . كما تسهم في قراءة وجدان الشعوب مثلها مثل بقية الفنون كالرسم والمسرح والأغنية. [c1]وللمسرح أهمية أكبر [/c] سبقت اليمن عدداً من البلدان العربية في ولادة المسرح ، فقد نشأ في مدينة عدن قبل أكثر من مائة عام ، ولا ندري لماذا لا يتم ذكر ذلك في الدراسات العربية التي تؤرخ نشوء المسرح في الوطن العربي ! وقد أعد الناقد المسرحي أحمد سعيد الريدي ( رحمه الله ) دراسة متكاملة عن تاريخ نشوء المسرح اليمني وما يعتمل من نشاط مسرحي ، إلا أن الموت لم يمهله حتى يخلص من دراسته القيّمة ، والتي كانت ستشكل مرجعية هامة للمهتمين بالفن المسرحي اليمني ، كما وسيرفد هذا العمل المكتبة اليمنية والعربية بثروة ثقافية وفكرية غنية بالمعلومات التاريخية الفنية اليمنية . وقد تناهت إلى مسامعنا أن هناك نية لجمع ما دونه الفقيد والبدء في عملية طباعته ونشره في كتاب ، لما يحتويه هذا العمل من قيمة تاريخية ، حيث عكف الباحث – رحمة الله عليه – على تسجيل الوقائع التاريخية وجمع تراث الفن المسرحي وأهله بطريقة البحث الأكاديمي العلمي واعتمد في كثير منه على استقاء المعلومات من مصادر بشرية كان لها دور فاعل في النشاط المسرحي في بدايات وأواسط القرن المنصرم .. وقد شهدت محافظة عدن نشاطاً كبيراً في سنوات قليلة مضت في الفن المسرحي ، حيث لعبت الفرق المسرحية العديدة دوراً بارزاً في إحياء الركود الثقافي الذي عم البلاد في بداية وأواسط السبعينيات ، كان له عظيم الأثر في حياة الناس ، ولقي استحساناً وإقبالاً كبيرين من الجمهور اليمني المحب للمسرح وللفن والمتعطش للترويح عن النفس . وكان التنافس الشريف بين الفرق المسرحية الشعبية التي وجدت في تلك الفترة في عدن له أثره الكبير في الإكثار من العروض المسرحية الهادفة والرصينة التي كانت تعكس قضايا المجتمع الاجتماعية والاقتصادية . وقد لعب معهد جميل غانم للفنون المسرحية في محافظة عدن دوراً بارزاً في رفد الحراك الفني في بلادنا بالكادر المسرحي المؤهل أكاديميا ، فهو يتلقى علومه المسرحية من كادر مسرحي أكاديمي متشبع بثقافة وكفاءة علمية عالية في الفن المسرحي ، إذ أن الطاقم التعليمي في المعهد بكافة أعضائه من خريجي الجامعات العالمية المعروفة على مستوى العالم . إن مقياس تطور الشعوب وتقدمها يتم بمدى تطور واقعها الثقافي ، ودرجة محافظتها على تراثها وحضارتها.. ونحن في اليمن نتطلع إلى إيلاء الاهتمام الأكبر في بمفاصل الحركة الفنية والبحث بجدية عن مكامن القصور فيها ، وإيجاد العلاجات المناسبة والسريعة لتؤدي دورها الهام والضروري في بلادنا ، حتى لا يفوتنا ركب الحضارة وتمدن الشعوب وتقدمها .. ومساعدة الكوادر الفنية والمختصين في مجال الفنون كافة لإطلاق مواهبهم وتوجيه طاقاتهم الإبداعية لخدمة المجتمع وتوعية الشعب ، كما إن الفن يُعد من الوسائل المساعدة لسياسة الدولة في تشكيل الرأي العام بما تحمله رسائله التوعوية من مضامين تهذيبية وتربوية . [c1]المراكز الثقافية [/c]وثمة عامل أساسي يسهم في إحياء الفكر وإعمال العقل وإنعاش الروح وقتل الملل في النفس ، وخاصة بين أوساط الشباب ، ألا وهو الحوار الثقافي والفكري ، الذي يجد فيه المرء متنفساً للتعبير عن الرأي والتجدد الفكري وردم الهوة بين النخبة والعامة ، وملامسة القضايا الآنية في صعد الحياة المختلفة وفتح أغوارها وسراديبها والمشاركة الفاعلة في وضع حلول لها كمحاولة يثنى عليها . ولعل وجود المراكز الثقافية يشكل حاجة ماسة في المجتمع .. وقد كانت هناك عديد من المراكز الثقافية في محافظة عدن ، حيث كانت تأتلق نشاطاً ثقافياً وفكرياً وأدبياً وفنياً ، وكانت تشكل المكتبة في بعض هذه المراكز شرطاً أساسيان لقيامها ، فمثلاً المركز الثقافي في حي عبد العزيز عبد الولي في المنصورة كان من أبرز المراكز الثقافية في المحافظة إذ كانت المكتبة تعج أرففها بكتب الأطفال الأدبية والعلمية والترفيهية ، التي كان يجد الأطفال من خلالها المتعة والتسلية والغذاء الروحي والذهني ، خاصة في الأجازات المدرسية السنوية .. وأتذكر مديرة المركز "خديجة" التي كانت تجد متعتها الحقيقية وهي بين أحضان المكتبة حيث نراها منشغلة في قراءة كتاب أدبي أو فكري في كل مرة نزور خلالها المركز. ثم تطور نشاط هذا المركز ليفتح مجالاً آخراً فيه غير القراءة وتنظيم الندوات والمحاضرات الثقافية والأدبية وغير ذلك ، فقد تطوع اثنان من الفنانين التشكيليين ليبدآ بتنظيم دورة في الرسم لكل من يجد في نفسه رغبة في تعلم هذا الفن . وبالفعل بدأت الدورة التي مدتها ستة أشهر وانطلق الاثنان في ترتيب قاعة خاصة في المركز لهذا الشأن . وكانا الاثنان يقدمان ماعندهما من معلومات وخبرة وعلم في مجال الفن التشكيلي ، وبروح مفعمة بالنشاط والحب والصفاء بذلا كل جهد وبطواعية دون مقابل مادي لتعليم الملتحقين في الدورة من الجنسين بمختلف الأعمار ومن مختلف الشرائح ، فقد كان هناك الأمي والطالب الجامعي وتلميذ المدرسة والموظفون والعمال ولعل أبرزهم الشاب " هيثم " الذي كان يعمل حارساً للمركز وقد جذبته فكرة المرسم فأصر على تعلم الرسم ، ولي الشرف إنني كنت واحدة من تلامذة الفنانين الرائعين عبد الله عبيد وفؤاد مقبل ، واللذين في الأساس يعملان كمدرسين للفنون التشكيلية في معهد جميل غانم للفنون الجميلة بعدن .. وقد أقام المركز بعد استكمال مدة الدورة معرضاً فنياً لكل ما رسمناه وكان الأخ محمد الشامي ( مدير مكتب الثقافة في عدن حينها ) افتتح المعرض مثنياً عليه مدهوشاً لما رآه من لوحات لم يقم برسمها سوى هواة من مختلف شرائح المجتمع .. كان ذلك في عام 1993 م . وغاب المركز وذكراه لا زالت عالقة في أذهاننا كما هي عالقة صورة هيثم الذي مات هو الآخر بكل هدوء ودون وداع ، وفي حناياه لوحاته التي ابتلعها الماضي .في لقاء سابق أجريته مع الأخ عبد الله باكداده مدير مكتب الثقافة في محافظة عدن ، قبل أكثر من أربعة أعوام ، أكد لي ، في سياق حديثه عن الوضع الثقافي في المحافظة وما آلت إليه من بعض الركود وعن الدور الغائب للمراكز الثقافية ، أن هناك بصيص من أمل في استعادة ذلك الدور الماضوي لها بعد استكمال الإجراءات القضائية بخصوص الاستيلاء على المراكز الثقافية في عموم المحافظة من قبل بعض الأفراد وتحويلها على ممتلكاتهم الشخصية .. وحتى اللحظة لم يتسع بصيص الأمل لننعم بنوره ولم نسمع عن استعادة أي من المراكز الثقافية !!
|
ثقافة
هل يعود الحراك الثقافي إلى سابق عهده في محافظة عدن ؟
أخبار متعلقة