إنه لأمر يدعو الى التفكير بأن يكون الوطن العربي من أقصاه الى أقصاه مشمولاً بالمجتمعات المتخلفة، وعلى الرغم من محاولات المفكرين تفسير ظاهرة التخلف في الوطن العربي والعالم الإسلامي بعوامل متعددة، تأتي في مقدمتها ظاهرة الاستعمار، ومافرضه على هذه الأقطار من أساليب الهيمنة الاقتصادية، وطرق النهب غير الاقتصادي. صحيح أن الاستعمار كان سبباً في عرقلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأقطار المستعمرة منذ دخوله إليها، لكن هذه المستعمرات عرفت الركود، بل والانحطاط قبل ان تطأها أقدام المستعمرين ألا يعني هذا ان هناك عوامل ذاتية قادت الى ظاهرة التخلف؟ ثم ماذا بعد انتزاع حريتنا وسيادتنا واستقلالنا من الحكم الأجنبي منذ عشرات السنين؟ ماذا فعلنا حتى نثبت لأنفسنا إننا قادرون على ان نشق طريقنا في التقدم والتطور والنهوض الاقتصادي والاجتماعي أكثر وأفضل مما كنا عليه في ظل الاحتلال الأجنبي، وألا نجعل ظاهرة التخلف تلازمنا جيلاً بعد جيل، لان بقدر أهل العزم تأتي العائم، ورب همة أحيت أمة ـ كما يقال.وإذا كان اقتصاديون وعلماء اجتماع غربيون يحاولون ـ من وجهات نظرهم الاستعمارية المصلحية .. تفسير حالة التخلف التي كانت تعاني منها أقطارنا العربية والأقطار الإسلامية الأخرى بنظرية (الأديان القدرية) معتبرين أن الإسلام دين قدري يدعو للتواكل،ويلعب دور الكابح للتقدم والتطور، فكيف يمكن ان نفسر الحضارة والمدنية العربية الإسلامية التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً؟ ألم تكن هذه الحضارة وليدة الإسلام، ذلك الدين الذي يشيد بالنجاح، ويشجع على المبادرة في المجال الفكري والاقتصادي؟ وماالذي نغير حتى دخل الوطن العربي في مرحلة الركود الاقتصادي والجمود الاجتماعي؟لقد كرم الإسلام العمل، واعتبره واجباً وحث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على العمل، وانزله منزلة العبادة، وشدد الإسلام على العمل وإعمار الأرض، فقد جاءت الآية الكريمة : “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” فحث المسلمين على العمل باعتباره قيمة عليا بذاتها.كما حث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الاستمرار في الإنتاج، ومواصلته مهما كانت الظروف فقال: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فأستطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها، فله بذلك أجر”.من كل ماسبق نخلص الى نتيجة أساسية أن الإسلام دين المبادرة والنجاح، دين الدعوة للعمل والابتكار، وان العمل هو العامل الأساسي في كل نمو اقتصادي، وبالتالي في كل تغيير اجتماعي وسياسي. وكل مامن شأنه أن ينقص من كمية العمل في أي مجتمع لابد أنه سيقود الى ظاهرة التخلف وعرقلة التنمية الاقتصادية. وكل السمات التي يتصف بها الاقتصاد المتخلف تقود الى تقليص كمية الجهد المبذول، على اختلاف أنواع هذا الجهد، سواء كان عضلياً أو ذهنياً وعدم الاهتمام بقيمة العمل واحترام مواعيد انجازه، وكيفية إدارة الوقت بصفة عامة. فالمنحنيات المتناقصة لعرض العمل ترجع في الأساس الى خاصية الحاجات المحدودة لدى الإنسان واكتفائه بتأمين معيشته الأساسية.إن الإنسان في المجتمعات المتخلفة يميل الى معيشة الكفاف، فالفلاح يكتفي بزراعة محصول واحد، أو قطعة محدودة من الأرض، إذا كان ذلك يكفي حاجته، ولايحاول أن يعمل كل وقته لزيادة دخله، وكذا الحال بالنسبة للعامل.. وحق رجال الأعمال في العالم المختلف تنقصهم روح الاستحداث والمخاطرة، فغالباً مايكتفون بجمع ثرواتهم بأيسر السبل دون السعي الى دخول مجالات مجهولة قد تعود عليهم بالربح الوفير، ولذا فأنهم ظلوا بعيدين عن روح المخاطرة وبناء المؤسسات الطليعية، القادرة على إرساء قواعد التنمية الاقتصادية في بلدانهم.خلاصة القول، إن الجهد الأقل الذي يبذله الإنسان هو السبب الرئيسي في عرقلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في وطننا العربي، وهو يتناقض مع ثرواتنا وحضارتنا وعقائدنا، وانه لامر مستغرب أن تكون أمة لها تراثها وتنتمي الى هذه العقائد فتبقى متخلفة. وليعلم كل منا القول الحق، قوله تعالى: “إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم”. إننا بغير هذا نستهلك ثرواتنا ونحكم على أنفسنا بالتخلف، وعلى أجيالنا القادمة بالهلاك، ذلك ان العمل مصدر كل ثروة، فهل أدركنا الرسالة حقاً؟ أرجو ذلك.
التخلف في الوطن العربي..
أخبار متعلقة