القاهرة/ متابعات: في أعمال الجلسة الأولى من الملتقى الخامس للإبداع الروائي الذي يتواصل بالعاصمة المصرية توقف الناقذ والباحث الفلسطيني د. فيصل دراج أمام ثلاث روايات أسست لميلاد جديد للرواية العربية حينما واجهت النظم القمعية منذ الخمسينيات. الروايات التي حددها الناقد هي (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ،(الزيني بركات) لجمال الغيطاني،و (نجمة أغسطس) لصنع الله إبراهيم.ورأى فيصل دراج أن “أولاد حارتنا” التي ظهرت عام 1959م أراد بها محفوظ مواجهة السلطة في النظام الناصري، أما “الزيني بركات” فقد أحال فيها الغيطاني الأحداث إلى القرن السادس عشر للإشارة إلى حاضر الستينيات، حينما صنع مستبدا تاريخياً لكنه قابل للتواجد في جميع الأزمنة.وفي رواية “نجمة أغسطس” عاد صنع الله إبراهيم إلى زمن الفراعنة وتوقف أمام السجون وأقام مقارنة حزينة بين قوة الفن وتحويل البشر إلى عبيد، وصلابة السلطة.هذه الروايات الثلاث لأنها استنفرت كل مرونة وإبداع الرواية كي تواجه سلطة قامعة،استطاعت أن تؤسس لمرحلة جديدة، هي مواجهة السلطة بالحقيقة،وتأسيس بلاغة المهمشين،الأمر الذي جعل الرواية فناً للدفاع عن كرامة الإنسان.يقول الناقد: أسست تلك الرواية الجديدة لجماليات الإنسان المغترب الذي بدأ به نجيب محفوظ في “اللص والكلاب” ثم أعطاه بهاء طاهر الشكل الأكثر جمالاً في روايته (واحة الغروب)،وهكذا أصبحت الرواية على يد نجيب محفوظ جنسا أدبيا ديمقراطياً نبيلاً، ومنه تعلم الفلسطيني إميل حبيبي كيف يواجه في رواياته الاحتلال الإسرائيلي مستندا إلى المكر الروائي.فالرواية برأي دراج هي علاقة ثقافية إيديولوجية سياسية مشروطة بمجتمع معين، ورغم وجود استقلال نسبي للأدب،إلا أنه غير قادر إطلاقاً على أن يتحرر من الشرط الاجتماعي الذي ينتمي إليه.وهكذا ظهرت الرواية كتعبير عن لغة جديدة تعبر عن مجتمع قومي يريد أن يوطد حاضره،ويستعيد ماضيه بشكل ممجد انطلاقا من الرواية.ويبرر دراج حديثه عن رواية الستينات بأن الروايات الأفضل على المستوى الإبداعي برأيه في العقد الأول من الألفية الثالثة اتخذت من السلطة موضوعا لها مثل رواية “ما وراء الفردوس” لمنصورة عز الدين،”وواحة الغروب” لبهاء طاهر،”ومديح الكراهية” للسوري خالد خليفة،”والمترجم الخائن” لفؤاد حداد وغيرهم.فرغم ابتعادنا خمسين عاماً عن رواية “أولاد حارتنا” إلا أنه لا يمكننا الحديث عن روايات جديدة في موضوعها لأن الوضع العربي لا يزال مخلصا لقمعه وركوده وخروجه من التاريخ.ولكنه يتعين على الرواية الآن ألا تواجه السلطة فقط بالحقيقة، بل تواجه التسلط الاجتماعي ككل،ففي رأي الناقد فيصل دراج أن مجتمعاتنا برغم كونها لا تمنع الفن لكنها تقوض الشروط الموضوعية لتطور الكتابة والإبداع بشكل عام.ودعا دراج في ختام مداخلته إلى فتح أبواب التجريب أمام المبدعين،وهو ما أكده الناقد إبراهيم فتحي في كلمته عن التجريب الذي جعل الرواية أكثر مرونة وقدرة على التطور وعلى نقد نفسها.ويجدد التجريب بحسب الناقد في لغة الرواية مؤكداً أيضاً أنها لا تتألف فقط من الحكبة والشخصية والوصف، بل تتألف أيضاً من الشكل بما يعنيه من بناء وقالب لغوي،فالرواية تخلق حياة فنية من خيال لغوي،وتفسر الواقع بطريقة مؤلفها، وهي ليست مجرد محاولة لنقد الحياة الحقيقية أو الاحتجاج عليها.قال الناقد محمود شاهين عن فكرة الرواية كحرية بديلة: من منا لا يذكر ما تحققه بطلة رواية “مدام بوفاري” من حرية تنتشلها من واقع مر،أما رواية “أبناء وعشاق” فإنها تختتم بالبطل بول يحمل بعض أمتعته ويغادر المدينة التي شهد فيها حياة مؤلمة إلى غير رجعة إليها، موحياً للقارئ أن حريته تبدأ بنبذه المكان الذي عاش فيه معذباً في طفولته وصباه.فالفن بحسب الناقد يستهدف السعادة على أمل أن يجد المتعوس تحرراً من البؤس من خلال الفن، كما تصف رواية “أنا كارنينا” لتولستوي حياة بطلتها التي تنشد الحرية في العشق خلاصاً من حياتها الزوجية التعيسة.ويؤكد الناقد أن الحرية البديلة ترتكز على عنصر الزمن، الذي هو في الرواية مفتوح بحسب الأحداث التي يتحرك فيها الأبطال، والعنصر الآخر مرتبط بعلاقة الأدب بالتاريخ،إذ أن الرواية ليس سجلا لوقائع التاريخ وإنما تنفض عنها الغبار وتخرجها من التنميط وتعيد تفسيرها بحرية.أما الأديب الجزائري الكبير واسيني الأعرج فقد أشار في كلمته إلى أن الرواية العربية ليست منفصلة عن واقعها، ولكنها موجودة في مجتمع متخلف لم يحقق أي وعد من وعوده، مجتمع تستشري فيه الأمية، بمعنى أن الكاتب العربي لحظة كتابته الأولى يكون مجرداً من أهم أسلحته،القراءة، والكاتب لم يعد حاملاً رسالة لتغيير العالم، لكنه مجموعة أطوار فهو معنى بما يقوله، فإذا لم يكن الأمر يخصه بشكل عميق فلن يكتب.وإذا كان الأدب صادقاً فيمكنه أن يتحول إلى صمام أمان يحمينا من السقوط في هوة النسيان، ويفتح أمامنا في الوقت نفسه آفاقاً إنسانية واسعة للقول والإسهام في الفعل الحضاري الإنساني.ويقول واسيني: على الأديب أن يعي جيداً أنه في عالم متناقض وصعب،لا في جزيرة معزولة، وأن يجعل من بعده الإنساني مبتغاه الجوهري وهدفه الذي عليه أن يدركه.
أخبار متعلقة