الأدب الصهيوني وعنصريته
مخطئ من يظن ان المعارك تدار بقوة السلاح فقط فالادب ايضا يمكن اعتباره سلاحا يستخدم للتأثير على الآخرين ليكونوا مع او ضد ويبدو ان الصهيونية ادركت ذلك من امد بعيد واستخدمته لخدمة اغراضها الاستيطانية ، وللتعرف على هذا الادب الصهيوني وعنصريته، واستخفافه بانسانية الانسان الآخر نقدم هذا العرض الملخص للقراء في جوانب من الادب الصهيوني واتجاهاته.(اعداد / اثمار علي هاشم)الأدب الصهيوني وخصوصيته :عادة مايستخدم مصطلح (الادب الصهيوني) لان باقي المصطلحات كاليهودي والعبري التعبر عن هوية هذا الادب فاللغة العبرية توقفت منذ القرن السادس قبل الميلاد عن الاستعمال الا في الشؤون الدينية لذا نجد اليهود يستخدمون لغة المجتمع الذي يعيشون فيه وعلى هذا الاساس يرى كثير من الباحثين انه لاتوجد ثقافة يهودية، وحجتهم ان اليهود انما عاشوا في كنف ثقافات اخري ومن امثلة هؤلاء هؤلاء اليهود موسى بن ميمون قديما وفرويد وماركس حديثا وهم ليسوا صهاينة.ومن هذا المنطلق عبر الكاتب اليهودي العراقي سامي ميخائيل (ولد في بغداد سنة 1926م ورهاجر الى فلسطين 1949م) عن مشكلة الكتاب المستوطنين بقوله : »انا الآن افكر بالعبرة، واكتب بالعبري فقط، ولكن مازلت اشعر انن لم اولد باللغة العبرية. واحيانا كثيرة يتوقف القلم عن الكتابة والعقل عن التفكير من اجل البحث عن الكلمة الملائمة.علاقة الدين بالثقافة :هناك علاقة قوية تربط الدين بالثقافة بالنسبة لليهود ومرد ذلك يعود الى مقولة ان اليهود هم (شعب الله المختار) مما يعني ان الله ق اختار الشعب اليهودي من باقي الشعوب ليقيم معه علاقة متفردة ومن هذا المنطلق يرى اليهود انفسهم بانهم متفوقون على باقي الشعوب كما تظهر كذلك في اسفار اليهود (انفصال الانا عن الرب) حيث جاء في سفر المزامير : »الهي لماذا تركتني؟ الهي في النار ادعو فلاتستجيب في الليل ادعو فلاهدوء لي!؟ عليك اتكل اباؤنا فنجيتهم اليك صرخوا فنجوا.. اما انا فدودة الانسن، عار على البشر ومحتقر الشعب، كل الذين يرونني يستهزئون بي .. يارب لماذا تخنقن في ازمنة الضيق!!.كل هذا جعل اليهود يشعرون بسلسلة مترابطة من الافكار والمشاعر وهي انهم شعب الله المختار، الانفصال عن الآخر، الاحساس بالظلم، الاضطهاد، الاعتقاد بتخلي الله وبالتالي تكونت لديهم رغبة في الانتصار على الآخر، وعلى الله.وقد عملت الحركة الصهيونية على بلورة هذه العناصر في عقيدة للبحث عن الخلاص من خلال الشمروع الاستعماري الغربي والاستيطاني في فلسطين كما استخدمت الادب في تحقيق هذا الهدف لان اليهود يرون ان الكاتب هو معلم للمجتمع وبذلك لعب الادب دورا مهماً في احياء اللغة العبرية وتجسيد تجربة المستوطنين في سعيهم الى الاستيلاء على الارض واقتلاع ابنائا وكذا النطق بمنظومة القيم الصهيونية ونشرا في سبيل تكوين الشخصية الصهيونية.مراحل الادب الصهيوني :مر الادب الصهيوني بثلاث مراحل هي:1 - ماقبل الاعلان عن الصهيونية السياسية، وتتمثل بالاعمال التي كتبت بلغات غير عبرية مثل الانجليزية خارج فلسطين.2 - مابعد الاعلان عن قيام الكيان الاستيطاني عام 1948م وتتمثل باعمال كتبت في فلسطين بلغ عبرية لاعادة احياء لغة قديمة وتجسيد تجربة الجماعة.3 - مابعد قيام الكيان الاستيطاني وتمثلها اعمال كتبت بالعبرية لتواصل احياءء لغة قديمة ويعرف بعضها »بتلمس الفرد طريقه نحو الأنا.وقد اثارت هذه المرحلة الاخيرة تساؤلات عديدة منها ماذا فعلنا؟ وهل يستمر النصر! ماذا يحدث اذا تخلت الولايات المتحدة الامريكية الضامنة وجود هذا الكيان عن التزاماتها الاقتصادية والعسكرية؟.وهكذا نجد ان صورة الآخر في مراحل الادب الصهيوني الثلاث لاتختلف كثيرا عن بعضها كما انها في ذات الوقت تعبر عن منظومة الافكار الصهيونية.شخصية الصهيوني واكذوبة التفوق:يرى غسان كنفاني (1936 - 1972) انه »لن يكون من المبالغة ان نسجل هنا ان الصهيونية الادبية سبقت الصهيونية السياسية ومالبثت ان استولدتها وقامت الصهيونية السياسية بعد ذلك بتجنيد الادب في مخططاتها ليلعب الدور المرسوم له في تلك الآلة الضخمة التي نظمت لتخدم هدفا واحدا.وقد ظهرت مجموعة من الاعمال الادبية التي استولدتها الصهيونية السياسية ومن هذه الاعمال رواية (داففيد الروي) للسياسي البريطاني اليهودي بنيامين درزائيلي الصادرة عام 1883م قبل ان يصبح مؤلفها رئيسا لوزراء بريطانيا حيث قدمت هذه الرواية شخصية (سيدونيا) التي يحركها الشعور الكامن بالتفوق فترفض الاندماج في المجتمع الذي تعيش فيه وتدعو للعمل من اجل تجسيد الانفصال فتطرح بذلك عمليا شخصية صهيونية لاول مرة بدل الشخصية اليهودية.الرواية الثانية هي رواية (دانييل ديروندا) للكاتبة اليهودية الانجليزية جورج اليوت الصادرت عام 1876م وتظهر في هذه الرواية شخصية (مردخاي) التي تدعو للعمل من اجل مستقبل اليهود وانطلق من مقولة التفوق داعيا الى ان يتخذ جنسه شخصية قومية.الرواية الثالثة هي (الارض القديمة الجديدة) لتيودور هرتزل مؤسس الصهيونية السياسية وقد استفاد هرتل من الروايات التي سبقته وكرر الموقف نفسه في روايته ويعلن ان »ارض فلسطين المضاعة تستلقي بانتظار اليهود ليعودوا ويصلحوها ويستوطنوها.وهكذا يتضح ان المشروع الصهيوني قد وظف الادب في خدمة مشروعه الاستيطاني الذي كان يتبلور آنذاك فقد ولدت القصة العبرية في الغربة لان غالبية الكتاب مهاجرون في اوروبا يكتبون بالعبرية محاولين احياءها وفي هذا الصدد قدموا كتابات قصصية تقريرية، تسجيلية تهدف الى التعريف بفلسطين طبيعة واناسا وتصور الصراع بين المستوطنين وابناء فلسطين الذين صورتهم القصص بالبدوية واظهرت الفلاح غير جدير بالبقاء متجاهلة المدنية الفلسطينية.من ناحية اخرى لعبت الصهونية دورا بارزا في انشاء نوى تنظيمية (جماعات) تعمل على الانخراط في الاوساط الغربية وطبعت منشورات ومجلات وصحفا مثل (مينوراه) التي لعبت دورا هاما في عملة (امركة الادب اليهودي) للتخلص من النظرة الدونية التي صورت اليهودي بالمقت والشذوذ ومجلة (البارتيزان ريفيو) التي ظهرت عام 1934م وعملت على التجديد في القوالب الادبية ومجلة (التعليق) التي احدثت تغييرا كبيرا في الادب الامريكي واتسعت لرؤى اجتماعية وسياسية وثقافية ارحب بهدف تعميق اشتراك اليهود في الحياة الثقافية والفكرية الغربية حيث ذكرت هذه المجلة في ابريل 1691م ان »يهود امريكا قادمون ويكاد التمييز العنصري ضدهم يختفي، كما ان العداء للسامية اصبح شيئا مقيتا يثير الاتقار العظيم« كما ظهرت ايضا مجلة (السجل اليهودي المعاصر).اسطورة اليهودي المضطهد :تمثل الكتابات القصصية الصهيونية اليهودي على انه مضطهد دائما فقد اظهرت كتابات شموئيل تعجنون الذي نال جائزة نوبل عام 1966م بوصفها تقدم (التراث الثقافي اليهودي) حيث ان هناك خطا واحدا في جميع قصصه وهي الابادة والتضحية بينما يصور الآخرون بانهم »انجاس ملعونين« وان فلسطين حلما يهوديا وهداف صهيونيا ويظهر هذا بوضوح على لسان احدى بطلات قصصه »انني ادعو الله ان يأتي اليوم الذي تتوسع فيه حدود اورشليم حتى تصل الى دمشق في كل الاتجاهات.الغاء الآخر :عند قيام الكيان الاستيطاني في فلسطين رأي الصهاينة ان هذا الكيان لن يتحقق الا بالغاء وجود الشعب الفلسطيني الذي يعيش هناك لانه - من وجهة نظرهم - شعب غير جدير بالحياة فقد جاء على لسان احد الساسة الصهاينة »لايوجد شيء اسمه الفلسطينيون .. ليست المسألة انه كان هناك شعب فسطيني في فلسطين يعتبر نفسه شعبا فلسطينيا واتينا نحن وطردناه واستولينا على ارضه، الفلسطينيون لم يوجدوا قط.ومن خلال ماتقدم يتضح لنا مدى العنصرية المقيتة التي يتسم بها الادب الصهيوني، علاوة على الاكاذيب ومحاولات تزوير وتشويه تاريخ الشعوب الاخرى والانتقاص من انسانية الانسان الآخر.