القاهرة/14اكتوبر/ أيمن رفعت : مؤلف هذا الكتاب هو د · يحيى الرخاوي الأخصائي في الطب النفسي ، وله في هذ المجال العديد من الأبحاث بالعربية والإنجليزية وصدر له كتبا متميزه في مجال تخصصه منها : حيرة طبيب نفسي 1972م ، مقدمة في العلاج النفسي الجمعي 1978م، حكمة المجانين 1980 م، وحصل علي جائزة الدولة في الآداب1980م عن رواية المشي علي الصراط يشير المؤلف في مقدمة الكتاب إلي ما يسمي “مدارس علم النفس “ وهي تتضمن بوجه خاص مدارس السيكوباثولوجي ، وقد تعددت هذه المدارس وتنوعت بحيث أغرت بأن ترفض جميعها ، حيث يقال إن “ نقداً نفسياً “ ثم نتوقع أن يحدد الناقد مدرسة بذاتها ، أو يعلن موقفه الانتقائي المسؤول ، ولنتذكر أن المدارس النفسية لا تختلف في المنهج فحسب ، وإنما في التصور النظري لما هو إنسان وتركيبه ، واحتمالات تغير هذا التركيب في النمو الصحي والتدهور المرضي على حد سواء ·بعد رصد المؤلف معني تعدد علم النفس ينتقل إلى إعادة قراءة هاملت “ شكسبير ، محاولاً إعادة تخليق النص من واقع معايشة مباشرة ، فيذكر إن رؤية شبح والد هاملت المقتول بواسطة صديقيه يضعنا مباشرة في مواجهة ظاهرة أقرب إلي الأسطورة ، أو التخيل الجمعي أكثر مما يذكرنا بحالة فردية تري هلوسات في تنفيذ ما تلقاه من الشبح “ الوالد “ هو أمر غير مفهوم ، فالأصل في من يعاني من خبرة الهلوسة أو الحدس المجسد ·· إلخ، في هذا الوقت المبكر من الاضطراب هو أن يقابل بالشك والمراجعة ، هذه المراجعة تعلن تماسك الشخصية نسبياً ، كما يدل التردد أيضاً على أن العملية التفككية مازالت في بدايتها لم تستتب بعد ، فالمتوقع أن يتأجل التنفيذ حتى يتحقق هاملت من حقيقة هذه الرؤية ، وربما طبيعتها ، ثم يدبر الخطة وهو يدرس جدواها · ومن هذا المنحي الأخلاقي المنطقي يبدأ المؤلف في محاولات النظر والتفسير ، وكان من أكثرها قبولاً التفسير التحليلي النفسي ، الذي يقول : إن هاملت تقمص عمه باعتبار أنه هاملت هو القاتل الحقيقي لوالده ، وما عمه إلا أداة تنفيذ أحلامه التي تمنت قتل الوالد للاستحواذ على الأم ومضاجعتها ، وهذا التفسير المؤسس على ما يسمى عقدة أو ديب ·ويخلص المؤلف في هذا الفصل إلى أن التفسيرات الأديبية الجنسية إنما تستقطب قضية النمو إلى صراع جنسي ثلاثة أو أكثر، وقد يثبت أنه ليس سوى اسقاطات لتركيبات قائمة تبحث عن مجال في الخارج يساعدها في الجدل الصعب ، وقد تتخذ شكلاً جنسياً ولا تتخذ هذا الشكل أصلاً ، فمشكلة النمو هي أساساً تطرح على الكيان الإنساني الناس باستمرار في صورة “ أن يكون أو لا يكون “ ، ولها أشكال متعددة المسالك مختلفة التجليات ·وإذا كان الجنس هو أحد هذه الأشكال أو المسالك ، فالعدوان غريزة أسبق وأخطر هو وسيلة أخري ، ولكن كلما أطل العدوان برأسه سارع المحللون المفسرون إلى البحث عن دافع جنسي وراءه، وكأن العدوان ليس دافعاً بقائياً تطورياً في ذاته ، وكأنه لابد أن يجد ما يبرره في دافع آخر وليس فيما يتصف به هو ذاته ، إن الوعي النسبي بغريزة العدوان بشقها الإيجابي ، واحتمال مخاطرها السلبية يمكن أن يفسر التردد بشكل أكثر مباشرة ·[c1]نموذج مناسب[/c]أما بالنسبة للتراجم فيختار المؤلف ، رائعة ابن الرومي للعقاد لكونها نموذج مناسب فحين يتكلم العقاد عن الطفولة النامية ، التي تصف ابن الرومي ، تلك الطفولة التي “ لا تجف ولا تشيخ “ نشهد له بالتلقائية والإبداع ، وفي الوقت نفسه هو يتحدث بلغة نفسية نمائية ، صريحة وسليمة ، يصف فيها ما وصل إليه ، واعتمل في نفسه بشكل مباشر ، وهو يستشهد علي صحته من شعر الشاعر وسيرته فالعقاد بحسه الأدبي أعطانا بعداً أصيلاً لاحتمال أن ينمو الطفل فينا طفلاً ناضجاً ، لا أن يحل محله يافعاً متعقلاً أو شيخاً حكيماً ، فالطفل هكذا يكتسب قدرات متزايدة مع احتفاظه بحلاوة طفولته وتلقائية بساطته ، وعلى هذه الخلفية ، فالأمر يحتاج إلي مزيد من التفسير، فيحادثنا د · الرخاوي قائلاً : كان العقاد يري أن كل اعتراف شجاع ذكي بما في الداخل هو نوع من البراءة الطفلية ، مع أن ذلك قد يشير أساساً إلي قدرة الشاعر على المخاطرة برحلة “ الداخل / الخارج “ بأقل قدر من الحيل النفسية الدفاعية ، لكن السياق كله أو أغابه - يجري في صالح قبول رؤية العقاد كإضافة محدودة من قارئ ناقد ·[c1]نقد نفسي[/c]عن النقد النفسي في الرواية المؤسسة على المنهج النفسي ، يري المؤلف التركيز علي ناقد واحد “ عز الدين إسماعيل “ في هذا المجال ، لأنه يمثل هذا الاتجاه بشكل متميز، ولذلك كان اختيارنا لهذا النموذج للناقد نفسه ليمثل النقد النفسي للرواية المصرية المعاصرة ، فهو نقده الرواية “ السراب “ لنجيب محفوظ ، فقد اعتمد الناقد في تفسير هذه الرواية على عقدة “ أورست “ في المسرحية الثانية من ثلاثية “ أجاممنون “ أكد فيه رولوماي أن قتل أورست لأمه كان إعلانا للانفصال عن الأم إلى العالم الخارجي ·وينفي المؤلف هذا التشبيه ، لأن على الرغم من أن أورست قد قتل أمه فعلاً في حين أن كامل قد شعر وكأنه قتلتها فإن بقية الملابسات لا تسمح بافتراض شبه آخر من حيث خيانة كليمتنسترا أم أورست لأبيه ، ثم تآمرها لقتله ، ثم نفيها لابنها ، أما الذي حدث لكامل بطل رواية السراب يكاد يكون العكس تماماً ، فالوالد هو الذي هجر ، وكأنه تآمر إهمالاً وتخليا عن المسئولية ، وكامل كان شديد الالتصاق بالأم ، وكأنه لم يلد أبداً ·[c1]قراءات في ديستويفسكي[/c]وفي الفصل الثاني من الكتاب يقدم لنا المؤلف التفسير الأدبي للنفسي في قراءات ديستويفسكي ، فيقول: إن القارئ العربي ليس ببعيد عن قراءات ديستويفسكي ، لأنه يعرف ما يقال عن أغلب شخصياته ، إن لم يكن جميعها حتى الشخصيات الخلفية والثانوية - من أنها من الشواذ ، سواء كان الشذوذ مرضاً صريحاً ، أم انحرافاً عجيباً ، وهذا الأمر قد يثير شكا حول ما إذا كان ديستويفكسي في عطائه المعرفي الفني هذا قد وصف النفس الإنسانية العادية ، أم أنه يصف إلا حالتها الشاذة والمرضية فحسب ·ويحاول الكاتب تفسير ذلك من خلال القصة القصيرة “ البطل الصغير “ قائلاً : إن حكاية البطل الصغير تروي لنا قصة طفل في الحادية عشر من عمره ، يستعمله بعض الضيوف في قسوة كأداة للمداعبة وموضوعاً للفكاهة والمرح ، وهو يرفض هذا التسطيح في استقبال ما يظنونه طفولة ، وهو يتوجه بكل حيويته وطاقته وخياله إلى حسناء لتصبح معبودته وموضع أحلامه ورعايته معا ، وهو يكتشف أثناء ذلك ثقل زوجها وبلادته ، وفي الوقت نفسه يكتشف علاقتها الخاصة بفارس مسافر ، وهو لا يغار لذلك ولا يثور ، بل يحفو ويتقبل هذه القصة إذ تقدم لنا صيحة منذرة لكيفية إفسادنا لما هو طفولة ، وعجزنا عن فهمها ، تشترك في أقل القليل مع رواية نيتو تشكا ومثلاً في رعاية الطفل لوالديه عكس المنتظر هذا الاختلاف في ذاته يعلن ثراء ديستويفسكي في الإحاطة بظاهرة ما ، ودون خضوعه لنمط معين ·وينتقل المؤلف في قراءات ديستويفسكي في “ الإخوة كارامازوف “ قائلاً: إن أسلوب ديستويفسكي حين يتحول منه الحوار إلى مقال يكاد لا يصلح أن يكون من النوع ، الذي يدور حقيقة وفعلاً بين متحاورين عاديين في الفعل اليومي ، وخاصة إذا كانت المسألة ليست مناظرات عقلانية ،كما تبدو في ظاهرها، وإنما هي رواية قبل كل شيء ·ويردف المؤلف قائلاً : استطاع ديستويفسكي في هذا العمل الضخم أن يحرك ثلاثة دوائر متماسة متقاطعة معاً ، تمثل ثلاث عائلات : عائلات كارامازون ، وإيليوشا ، وكوليا ثم وضع - في وضع التماس الهامش ثلاث عائلات أخري بدقة ، هي عائلات كاتيا وجريجوري ، وهو خلاكوفا ، هذه الدوائر الست كانت تلتقي وتتماس وتتداخل وتتباعدبشكل مثير متشابك معاً ·[c1] نهايات متقنة[/c]ويرى الكاتب أن ماقاله عن نجيب محفوظ لا يصلح مع ديستويفسكي ، فيقول : بعكس كثير من نهايات محفوظ ، فإني أجد نهايات ديستويفسكي شديدة الإتقان رحبة التفتح ، وفي هذا العمل كان من البديهي أن تكون النهاية متعلقة بموت إيليوشا ، وليس بهرب ميتيتا ، الذي تركنا ونحن غير متأكدين من أنه سوف يتحقق أصلاً ، وكان كل هذا الألم ، والأمل ، المتعلقان بموت ميتيا هو الأرضية الحقيقية ، التي ينثر فيها ديستويفسكي بذور إبداعه وأزمة وجوده معاً ، ومع أني ربطت بين كلمة الكتاب ، التي اختارها ديستويفسكي من إنجيل يوخياد وبين موت إيليوشا إلا أنني وجدت أنها مقابلة تضعف النهاية لا تقويها ، ثم إن لمحت هتاف الأولاد “ مرحي كارامازوف “ وليس مرحى “ أليوشا “ وكأنه مقصود من حيث إن ما يحمينا ويحافظ علي أملنا هو الكارامازوفية بمعني “ حب الحياة “ ، وليس هذا الجانب الواحد منها الذي يمتلكه “ إيليوشا “ ·ويختتم د· الرخاوي كتابه قائلاً: إن العلوم النفسية وبالذات التحليل النفسي الكلاسيكي، أو الطب النفسي يمكن أن يكون مرجعاً يقاس به أو عليه النص الأدبي نقداً ، ففكرة التحليل النفسي للأدب ، أو التفسير النفسي للأدب هي فكرة تحتاج إلي مراجعة ، فالأدب أسبق في اكتشاف أغوار النفس من العلوم النفسية وخاصة في صورتها الحديثة الأولى أن نتكلم عن الكشف الأدبي للنفس قبل التفسير النفسي للأدب ، فعلينا أن نحترم إبداع المبدع بقدر أكبر من الاعتدا بتنظير العالم النفسي أو الطبيب النفسي أو حتى الناقد النفسي ·
|
ثقافة
تبادل الأقنعة
أخبار متعلقة