د. هشام محسن السقاف إلى ندوة الثورة اليمنية (الإنطلاق .. التطور .. آفاق المستقبل) التي نظمتها صحيفة 26 سبتمبر خلال الفترة من 19 ـ 24 سبتمبر 2002م صنعاء الثورة اليمنية .. سبتمبر وأكتوبر واحدية الجذور وجدلية الترابط.[c1]واحدية الجذور[/c]بعد مرور أربعين عاماً من قيام ثورة الشعب اليمني في 26 سبتمبر 1962م وتسعة وثلاثين عاماً من إندلاع الثورة في المناطق الجنوبية من الوطن ابتداء من 14 أكتوبر 1963م وانطلاقاً من جبال ردفان الشماء فان المرء باستطاعته الآن أن ينظر للحدث بعيون فاحصة ويقلبه على منوال الحقائق التاريخية ليخرج بخلاصات علمية لاتتجنى على الوقائع ولاتزيف التاريخ وانما توثقه وتعنى به وتقدمه إلى جيل مابعد الثورة مشبعاً بروح الولاء الوطني وحافظاً دور الرواد من رجالات الحركة الوطنية اليمنية دون مغالاة أو انتقاص بما يحفظ تاريخنا من التزييف والبهتان. فنحن اليوم بأمس الحاجة للكشف عن تاريخنا لكي تتواصل الأجيال القادمة بشخصيتها الحضارية، ولكي تضيف إلى رصيد بلادنا النضالي وتساهم مع أمتها العربية والإسلامية في إثراء الحضارة الإنسانية، وكما ندعو للتوثيق لقضايانا الوطنية وإبراز المجهول منها فإننا ندعو ايضاً إلى التحليل العلمي الجاد لهذه الوثائق من منظور وطني قومي وإنساني عميق، حيث أن الوثيقة دون قراءة متعمقة وتحليل لمحتواها ومؤشراتها تفقد أهميتها التاريخية.(الرئيس علي عبدالله صالح ـ حصار صنعاء ـ شهادات للتاريخ ـ مركز الدراسات والبحوث صنعاء الكتاب الأول، ط "1" 1989م، ص6).لقد شكلت الثورة اليمنية حدثاً سياسياً واجتماعياً متقدماً متسقاً في فعله ومتناغماً في أدائه، منسجماً في توقيته وزمانه، وكانت الحدث الأبرز في القرن العشرين تكاملاً ونجاحاً، في سفر طويل من محاولات اليمنيين التي لم تتوقف يوماً للخروج من عهود الانحطاط والتخلف تلك التي فرضتها مشيئة المتحكمين من الطغاة والمستعمرين الذين توارثوا حكم البلاد بالجور والظلم والاستبداد، ولذلك .. لم تكن الثورة السبتمبرية الوطنية التحررية عام 1962م إلاَّ تتويجاً طبيعياً لمجموع النضالات والمحاولات والحركات الوطنية خلال التاريخ السابق لسبتمبر 62م ضد الظلم وضد السياسات الاضطهادية والقهرية للسلطة والأمامية الكهنوتية المتحجرة من جهة، ومن اجل التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما من جهة ثانية، وإقامة دولة الوحدة من جهة ثالثة (د. سلطان عبدالعزيز المعمري، العمق التاريخي لدولة الوحدة اليمنية .. ومراحل النضال الوطني في سبيل إعادة تحقيقها، الندوة العلمية: اليمن وحدة الأرض والإنسان عبر التاريخ، جامعة عدن، 12 ـ 14 فبراير 2001م ص 205).ويكون من الإنصاف والعدل، بعد أربعة عقود من عمر الثورة أن نبين ماهية الحدث السبتمبري الذي أطل على الناس بملامح وجه جديد ومدى تأثيره الزلزالي المباشر في عموم الوطن اليمني كما رأيناه رأي العيان يتجلى في الحراك الجماهيري الواسع في مدن الوطن وقراه، جباله وسهوله بما لم تشهد له البلاد مثيلاً وباستجابة واعية وبشائر واعده تعتد بما حدث في صنعاء وتضعه في محور إدراكاتها القادمة لتغيير الواقع السياسي والاجتماعي باتجاه استشرا في نحو العصر وبالخروج من نفق الواقع الإمامي المزري في الشمال وتحرير الجنوب من نير الاستعمار البريطاني الذي جثم على هذا الجزء العزيز من الوطن قرناً وربع القرن الذي بدأ يتحسس رأسه أكثر من أي وقت مضى منذ اللحظات الأولى لانتصار ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م.لقد ظلت صنعاء حتى في العهود التي لم تكن الإرادة السياسية فيها مهيأة للاضطلاع بدور تاريخي يؤمن الاستقلال السياسي ويوحد البلاد، ينظر إليها على أنها العاصمة التاريخية لليمن الطبيعية والمنقذ للمنتظر الذي يحرر الأجزاء اليمنية التي سقطت في يد القوى الاستعمارية الخارجية وكانت الملاذ الآمن الذي يلجأ إليه الثوار هرباً من بطش المستعمرين، فرغم وقوعها في قبضة الحكم الرجعي الإمامي كانت صنعاء هي مناط الوجود اليمني وعاصمة اليمن التقليدية التي تتطلع دائماً كاستمرارية تاريخية إلى بسط سلطانها على جميع اطرافها وإلى ان تتحول إلى حاضرة مركزية للدولة اليمنية الموحدة، كما ظلت حتى بعد ظهور عجزها الكامل عن تحقيق الوحدة اليمنية تنظر إلى المناطق الجنوبية المحتلة باعتبارها أجزاء منتزعة من اليمن الطبيعية الكبرى (د. محمد علي الشهاري الخروج من نفق الاغتراب واحداث ثورة ثقافية في اليمن، دار الفارابي بيروت 1983م ، ص23) وعلى خلفية الأحداث التي شهدتها البلاد طيلة العقود التي سبقت قيام الثورة تقاطر الرجال من أبناء المناطق الجنوبية الثائرين والمنتفضين على الوجود الاستعماري في أرضهم وعلى الأوضاع السائدة في مناطقهم تقاطروا إلى الشطر الآخر من وطنهم المملكة المتوكلية بعفوية الانتماء الواحد وبإحساس وطني لايجارى باحثين عن عمق آمن وطامعين في الدعم والإسناد ليعاودوا الكرة على العدو ولقد تأكدت هذه الحقيقة الوطنية حتى لكل من أراد أن يدرس على الطبيعة واقع المنطقة ولكل من أراد لمس مشاعر الناس العميقة والدفينة فيها وتجلت بصورة خاصة لبعثة جامعة الدول العربية التي سافرت إلى شمال اليمن عام 1957م، والتقت هناك بوفود عدة من جنوبها .. وقد تضمن تقرير هذه البعثة التي كانت برئاسة أحمد الشقيري، الذي قدم من قبله إلى الجامعة العربية في 17 إبريل 1957م ما يلي: (تبينت البعثة ان في الجنوب اليمني حركة قوية عامة بين مشائخ القبائل والعشائر وسائر المواطنين تهدف إلى التحرر من السلطان الأجنبي، للانضمام إلى اليمن، الوطن الأم، إيماناً بوحدة اليمن شماله وجنوبه والروابط القومية العربية) (المرجع السابق ص 27 قصة الدستور اللحجي، محمد علي لقمان، عدن 1952، ص 223).وبالمقابل كانت عدن المكان الملائم الذي قصده النعمان والزبيري وبقية زملائهم من الأحرار اليمنيين في مطلع الاربعينيات من القرن الماضي، هاربين بفكرهم الإصلاحي المستنير من بطش الإمام يحيى حميد الدين، فأستفادوا من المناخ السياسي والثقافي السائد فيها، واكتسبوا الحظوة والدعم من رجالاتها ومثقفيها، مما ساعدهم على تأسيس حزبهم فيها عام 1942م، ولم تكن الظروف السياسية في مستعمرة عدن تسمح لحزب الأحرار اليمنيين في ذلك الوقت بأن يذهب إلى أبعد من مقاومة النظام الأمامي وحتى هذا الأمر لم يكن ليسلم تماماً من تجاذبات السياسة والمصالح بين الإمام والإنجليز حيث أغلقت السلطات البريطانية مقره بإيعاز من النظام في صنعاء "د. عبدالغني غانم، مجلة سبأ، العدد 8 ديسمبر 1999م ص5". وقد شهدت اليمن في الخمسينيات من القرن الماضي تصعيداً في جذوة النضال الوطني التحرري ضد الاستعمار البريطاني في عدن ونظام الحكم الأمامي في صنعاء، وقد لعبت الأحزاب السياسية التي تشكلت في هذه الفترة، دوراً كبيراً على المستوى الوطني شمالاً وجنوباً في شحذ همم المواطنين ودفعهم للنضال والانعتاق من النظامين المستبدين، على أساس وحدوي لايضع التفرقة بين المناضلين، بل كانت الغالبية العظمى من هذه الأحزاب والتنظيمات الوطنية تعبر عن رؤية وحدوية بل وقومية وحدوية بل وقومية شاملة، وتدرك أن القضية الوطنية كل لايتجزأ في الشمال أو الجنوب. فقد شهدت الساحة اليمنية أول محاولة تنظيمية على المستوى القطري كله تمثلت ـ إضافة إلى ظهور التيار الناصري ـ في إنشاء فرع حزب البعث القومي في اليمن،وفي تأسيس فرع حركة القوميين العرب فيها، وفي قيام الاتحاد الشعبي الديمقراطي، ذي الاتجاه الماركسي، وكان ذلك ـ بغض النظر عن البعد القومي أو الأممي لهذه التنظيمات والتيارات ـ أول تجسيد تنظيمي "للبعد الوطني" في شكل أحزاب يمنية، وكان ظهور هذه المنظمات والتيارات السياسية أبرز مظاهر واصدق دليل على انبعاث الوعي الوطني الوحدوي، وعلى الطموح السياسي نحو إعادة تحقيق وحدة الوطن اليمني على أسس تحررية ديمقراطية ("د. الشهاري المرجع السابق، ص 29) وقد جاء انعقاد مؤتمر الطلاب اليمنيين الدائم بمصر في 23 يوليو 1956م ليدعم قضية النضال الوطني اليمني، باعتباره لايتجزأ، وبصيغ لاتخضع للمواربة أو المناورة حيث جاء في القرار الأول لذلك المؤتمر: (يؤكد المؤتمرون بأن اليمن الطبيعية واحد لايتجزأ وقضيتها قضية واحدة ذات كفاح واحد في سبيل التحرر الوطني والوحدة الشاملة) كما أن اللجنة التنفيذية التي شكلها المؤتمر أصدرت في 5 أغسطس 1956م بياناً تقول فيه: (إن قضية الشعب اليمني قضية تحرر من الاستبداد والاستعمار، والكفاح ضد الاستعمار إنما يعني استكمال الاستقلال الوطني لشعبنا مع كفاحه ضد الاستبداد من اجل امتلاك السيادة الشعبية بقيام حكومة شعبية ديمقراطية لكل اليمن) (د. أحمد القصير، مجلة الحكمة، عمر الجاوي ذاكرة التجمع، العدد 221، خريف 2002، ص88)، إن تطور الفكر السياسي في الوسط الطلابي الدارس في مصر وغيرها من البلدان، كان انعكاساً لما طرأ من تغييرات تعميقية في المسلك والنهج، لكثير من أطراف الحركة الوطنية اليمنية، بالاتجاه الذي يواكب حالة المد القومي، وتنامي حركة التحرر الوطنية في غير مكان من الوطن العربي، مدعومة بقوة من قبل مصر عبدالناصر، مما أشعل روح المقاومة والكفاح ضد المستعمرين في نفوس الجماهير العربية من طنجة إلى المنامة، وكان من غير المنطقي أن يتم الحديث عن البعد القومي بتجلياته الطموحة .. الوحدة العربية، في وثائق الكيانات السياسية اليمنية، دون ان يجري تناول قضية الوحدة اليمنية، كمدخل اشتراطي، ملزم يمنياً، للوصول إلى الغاية العربية المنشودة، فبدونها يختل توازن المعادل الوطني في البعد العروبي بما لاتستقيم عراه ولاتتوافق روابطه فشعار الوحدة اليمنية أخذ مكانة أدبيات الاتحاد "اليمني" في عام 1985م، ويمكن أن نقول: إن كلا الشعارين ـ الوحدة والعدالة الاجتماعية "الاشتراكية" ـ كان صدى للبعثة السياسية العربية واليمنية في تلك الفترة، وعلى وجه التحديد الوسط الطلابي في اليمن بالقاهرة الذي كانت هذه خبزه اليومي، بإجماع منقطع النظير، شعار الوحدة اليمنية ورفض كل الاتجاهات السياسية: الاتحاد الفيدرالي للمحميات، الدولة الجنوبية التي نادت بها رابطة ابناء الجنوب في مارس 1956م، ولابد أن نميز هنا بين مواقف الاتحادات السياسية وكتابات الزبيري، فإذا كان شعار الوحدة اليمنية، برز ضمن بعض بيانات الاتحادات السياسية في هذه الفترة، فإن شعار الاشتراكية، لم يرد أبداً في أدبيات الاتحاد الرسمية، وظل اجتهاداً للشهيد الزبيري (أسرار ووثائق الثورة اليمنية، لجنة من الضباط الأحرار، مركز الدراسات والبحوث اليمني، ص36).[c1]الجيش اليمني[/c]كان الجيش اليمني ضمن نسيج الوطن والشعب والحركة الثورية المنادية بالتغيير، لعب ذات الدور كلما سنحت الظروف وواتته الفرص، وإذا كان هذا الجيش قد سخر بعد رحيل الأتراك من اليمن عام 1918م، بمسعى وتوجيه من أركان نظام المملكة المتوكلية الناشئة حديثاً بزعامة الإمام يحيى بن محمد حميد الدين، لضرب الانتفاضات الشعبية، وقمع الحركات الوطنية، التي نشبت هنا وهناك في الحياض الوطني، بعد أن تراءى لها قتامة الوضع الذي يسعى ثائر الأمس وحاكم اليوم، إلى فرضه على أبناء الشعب الذين ناضلوا طويلاً ضد الأتراك، فإن هذا الجيش لم يكن في أحسن حاله من إخوانه المدنيين، إلا ما قد يوفره الانضباط العسكري في مراحل لاحقة من خلق فرص أفضل لمتطلبات تغيير الواقع من خلال فوهة البندقية وبالرجال الذين اراد الطاغية أن يتحامى بهم ويحتمي فيهم من غضب الشعب ومع انفتاح نافذة لاستنشاق هواء طلق ورؤية الدنيا بعيون بصيرة مبصرة بعيداً عن ضبابية الانغلاق ومن فوق أسوار العزلة المفروضة بذهاب أول بعثة يمنية عسكرية إلى العراق عام 1936م، تغيرت مفاهيم عديدة وترسخت قناعات وطنية جديدة في عقول وافئدة ذلك الرهط من أبناء القوات المسلحة الذاهبين إلى العراق وتألفت البعثة من "15" شخصاً برئاسة محي الدين العنسي، ثم ارسلت بعثة ثانية في العام التالي مكونة من "5" أشخاص برئاسة زيد عنان، ولما انهت البعثة الأولى مدة الدراسة بعد سنتين طلبت العراق من الامام يحيى مد الفترة عاماً آخر للعمل مع الجيش العراقي ولكن الإمام يحيى استعجل الحكومة العراقية بحجة الإحتياج إليهم في الجيش الجديد، الجيش الدفاعي الذي كان انشئ عام 1936م، ومن بين الذين تم تدريبهم في العراق أحمد الثلايا ومحمد العلفي وحسن العمري وعبدالله السلال وحمود الجائفي ومحمد عامر وأحمد اسحاق وأحمد الآنسي ومحمد الربيدي وأحمد المروني وأحمد طاهر ومحمد حجر، وقد استشهد بعضهم فيما بعد في الثورات التي قامت ضد الحكم الإمامي. (سلطان ناجي، التاريخ العسكري لليمن 1839م ـ 1967م ص 119) وبعد عودتهم إلى أرض الوطن وزعوا بين الجيش المظفر والجيش الدفاعي أو في الخدمة الشخصية عند الإمام وبدأ بعضهم يقومون بالفعل بوضع الخطط الجادة لتعديل نظام حكم الامامة (سلطان ناجي، ص 120) وقد شارك أفراد من هذه البعثة في أحداث أول ثورة دستورية في اليمن والمنطقة العربية في فبراير 1948م، بالإضافة إلى شخصيات عسكرية مدنية اخرى وكان لحركة الأحرار اليمنيين القدح المعلى في تفجير هذه الثورة ورغم النهاية المأساوية أو مصرع الابتسامة كما وصفها الزبيري، فإن هذه الثورة كانت بمثابة الحجر الذي القي في ماء آسن فأحدث هزة ربما لم تحرك الأعماق بقوة ولكن الدوائر التي ارتسمت على سطح الماء اصبحت بمرور الزمن عوامل اثارة وتحريض والذين جاءوا بعد الانقلاب كان عليهم ان يخطوا الخطوة الثانية، فالذين سبقوهم على الدرب تلقوا هول الصدمة الأولى التي يكابدها كل من يحلم بنقل الواقع إلى افق جديد قبل ان تتوفر له جميع مسبباته وإذ كان البعض يرى إن هذه المسألة بالذات هي مقتل حركة الأحرار إلاَّ أنها في نفس الوقت مبرر بطولتهم، وإذا كنا لانقدر إلا النجاح فإننا سنلتقي بأروع الصفحات من تاريخ العرب ومن تاريخ الإنسانية (اسرار ووثائق الثورة، ص 32 ـ 33) وقام الجيش أو قطاع منه في حامية تعز بانقلاب عاصف في مارس ـ ابريل 1955م بقيادة العقيد أحمد يحيى الثلايا، كان مصيره هو الآخر الفشل وقد ذهب الثلايا ضحية لصراع سيوف الإسلام على الحكم وبغض النظر عن مقاصد سيف الإسلام عبدالله بن يحيى حميد الدين وارتباطاته المشبوهة بالدوائر الاستعمارية فإن النوازع والنوايا الوطنية للثلايا كانت هي المحرك الأول للانقلاب ويكفي ان نلقي نظرة على البيان الذي اذاعه الثلايا من إذاعة تعز لندرك المرامي الوطنية والقومية التي دفعته للقيام بحركته الانقلابية والتي سقط بسببها شهيداً على مذبح الحرية والانعتاق من الظلم الإمامي (نص البيان في نهاية الورقة البحثية) وكانت الدفعة الاولى ممن ضربت اعناقهم في ميدان الشهداء بتعز على جريرة هذا الانقلاب تضم: الضابط عبدالرحمن الباكري، الضابط محسن الصعر، الضابط محمد ناصر الجدري، قاضي تعز يحيى السياغي السكرتير الخاص لسيف الإسلام عبدالله .. علي حمود السمة الشيخ علي حسن المطري قائد حرس سيف الإسلام، عبدالله شيخ الغول، عبدالرحمن الغولي، الضابط حسين الجناني، القاضي حمود السياغي، القاضي الدفعي -راجع كتاب "أنا عائد من جنوب الجزيرة العربية لمؤلفه الاستاذ أحمد السقاف"- وبالرغم من النهاية المأساوية للانقلاب فإن محاولات الطلائع الوطنية في الجيش اليمني لقلب نظام الحكم الإمامي لم تتوقف البتة وكانت محاولة الضباط الثلاثة عبدالله اللقية ومحسن الهندوانة ومحمد العلفي في 22 مارس عام 1961م هي الأجرأ والأشجع عندما نصب الثلاثة كميناً للإمام أحمد أثناء زيارته لمستشفى الحديدة واطلقوا عليه رصاص اسلحتهم النارية فأصابوه وبقي الامام على اثر هذه الحادثة طريح الفراش حتى وفاته في 19 سبتمبر 1962م.إن التاريخ المشبع بروح المقاومة الوطنية والتي تصل في بعض الحالات إلى اجتراح المعجزة من اجل إسقاط نظام كهنوتي ظالم لم يقدم شيئاً ذا نفع للبلاد منذ تسلمه الحكم عام 1918م، قد دفعت فصيلاً متقدماً من أبناء القوات المسلحة للعمل السري المنظم ضمن خلايا تنظيمية صغيرة مستفيداً من دروس الثورات والحركات السابقة ومدفوعاً بروح فدائية تستلهم تراث الاباء والاجداد وتتأثر بمعطيات الحركة القومية المعاصرة وخاصة حركة الضباط الأحرار في مصر من أجل تغيير جذري للأوضاع يجتث جذور نظام آل حميد الدين بمعاول الهدم العصرية ويضع البلاد في مكانها اللائق بين دول العالم، فقد بينت محاولات ترقيع النظام واستبدال الإمام بإمام آخر عقم هذا المنحى في التفكير السياسي واتجهت أنظار "منظمة الضباط الأحرار التي تأسست في ديسمبر عام 1961م (جلوبو فسكايا، سلطان ناجي، التاريخ العسكري، ص206)، إلى إقتلاع نظام الحكم الإمامي من منابته وإقامة نظام جمهوري في البلاد.وجاءت ثورة 26 سبتمبر 1962م مستلهمة كل التراث الوطني الثوري والتحرري للشعب اليمني حيث كانت شرائح المجتمع وفئاته من حرفيين وتجار وفلاحين وطلبة ومثقفين، ورجال قبائل وبعض الأسر الاقطاعية والمشائخ الكبار والاقطاعين المتنورين تطالب بالتغيير، إلا أن الفئة التي كتب لها أن تكون العامل الحاسم والقائد في تفجير الثورة هي الجيش الإمامي وبالذات الفيصل المتقدم المندرج تحت لواء ماعرف بمنظمة الضباط الأحرار السرية (خالد القاسمي الوحدة اليمنية حاضراً ومستقبلاً دار الثقافة العربية، الطبعة "3" 1988م ص 50)، وهكذا استطاع الضباط الأحرار في الجيش ان يصنعوا يوماً قدرياً وملحمياً في تاريخ الشعب اليمني وان يؤسسوا لعهد من الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الوطن اليمني تستجيب لرغائب وطموحات أبناء الشعب اليمني.[c1] جدلية ترابط الثورتين[/c]تكتسب الثورة ـ أي ثورة ـ أهميتها من خلال عاملين اثنين حجم الازاحة من التركة المثقلة للأنظمة السابقة التي يتحتم عليها إزالتها عن طريق تطور المجتمع والأهداف والآفاق، الأهداف المحتملة التي تندرج فيها وتصل إليها، والآفاق الرحبة التي ترمي إلى الوصول إليها.وحدثا سبتمبر وأكتوبر يكتسبان العاملين معاً مما يجعلهما ثورة بكل معاني الكلمة نظرياً وعلمياً وعملياً (محمد سعيد شكري، الايديولوجيا والثورة اليمنية ـ التاريخ والآفاق ندوة الثورة اليمنية .. آفاقها المستقبلية ومعوقاتها أكتوبر 1996م) والأوضاع الراهنة لايمكن أن تفهم بعمق إلا على ضوء جذورها التاريخية والنظرة إلى المستقبل لايمكن أن تكون منسجمة مع تطلعات الأمة إلا إذا دخلت ضمن اطار هذه الصيرورة التي تربط الأبعاد الزمنية للحياة اليمنية علمياً وواقعياً بكشف القوانين الخاصة بالتحرك التاريخي (د. يحيى طاهر سحويل الحركة الوطنية واثرها على حركة 26 سبتمبر 1962م في ج ـ ع ـ ي ـ، دراسات وشهادات للتاريخ مركز الدراسات والبحوث اليمنية مكتبة الجماهير، بيروت، ط1،1982م، ص 30، 31 ). لقد صنعت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر بنضوج مقومات انتصاره الموضوعية والذاتية في شمال الوطن اليمني جسراً يعبره الثوار لتحرير عدن وبقية أجزاء الجنوب اليمني المحتل من قبضة الاستعمار البريطاني بتوفير الأرضية الصلبة لتحركات الثوار والعمق الاستراتيجي الذي يلجأون إليه ويتحركون من خلاله والدعم العسكري واللوجستي والدعائي اللازم لتغطية فضاء المعركة مع الأعداء وقد كتب الأستاذ عمر الجاوي في هذا الاتجاه شارحاً ترابط الثورتين وتلازمهما المطلق ودور الجماهير اليمنية في كل من صنعاء وعدن وفي دعم ثورة سبتمبر حال قيامها: "غيرت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م المجيدة في شمال الوطن اتجاه الاحداث في جنوب اليمن وبتأسيس أول جمهورية في الجزيرة العربية ارتفع المد الثوري إلى مستوى عال فلقد انتفض الناس انتفاضات عارمة في جنوب الوطن أسوة بشماله في دعم الجمهورية الفتية دون اعتبارات لظروف الإرهاب والدم الذي لم يجف بعد فالطبقة العاملة في عدن كونت فصائل عديدة من المتطوعين الذين أرسلوا إلى الجمهورية بعشرات الآلاف من العمال والفلاحين والمثقفين والطلبة واتجهت النشرات والكتيبات والمنشورات التي يصدرها مؤتمر عدن للنقابات لنشر اخبار الاحداث في الشمال كما وزع في عدن بيان باسم المؤتمر العمالي يؤيد النظام الجمهوري ويطالب العمال وجماهير الشعب بالتطوع لحماية جمهوريتهم ولقد جمد الاستعمار الانجليزي مؤقتاً كل القوانين بما في ذلك قانون منع التبرعات، لذلك لأن المد الجماهيري قد وصل في عدن مرحلة كبيرة وكانت الجمهورية بعد الاحداث الدموية بمثابة عودة الأمل في النضال الجاد من أجل تصفية الاستعمار وعملائه، فقد رأى العمال في جمهورية الشمال جمهورية للشمال والجنوب وشكلت بالنسبة لهم القاعدة الثورية من اجل تحرير جنوب البلاد وإعادة توحيد اليمن لقد انتقل معظم قادة مؤتمر عدن للنقابات وزعماء المنظمات الاجتماعية والنقابيين إلى شمال الوطن للتعبير عن تأييدهم ومساندتهم للنظام الجمهوري الجديد وأكثر من ذلك تحول بعضهم إلى قادة عسكريين للدفاع عن الجمهورية (الصحافة النقابية في عدن 57 ـ 1967م مؤسسة 14 أكتوبر 1963م، ص 60)، انه من الصعوبة بمكان ان يتخيل الانسان ـ مجرد التخيل ـ قيام ثورة 14 أكتوبر 1963م، بعد سنة من انتصار في شمال الوطن، بصيرورة الكفاح الثوري المسلح الذي خاضته طلائع النضال الوطني طيلة أربعة أعوام تكللت بالاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م، بدون دعم واسناد وغطاء كامل من جمهورية سبتمبر والطلائع الوطنية والثورية وبدون دعم مماثل اضطلعت به الشقيقة الكبرى مصر عبدالناصر انطلاقاً من شمال الوطن هذا الدور الوطني والقومي يراد له أن يهمش لاسباب ايديولوجية وسياسية تطفح بالمغالطة التاريخية في كتابات بعض من تسلموا الحكم في جنوب الوطن وطبعوا مرحلة الكفاح بزاوياهم السياسية خلافاً للحقيقة والتاريخ ولذلك فإن من يؤرخ لثورة سبتمبر وأكتوبر اليمنيتين فانهما ستدخلان التاريخ ولذلك باعتبارهما حلقتين مترابطتين في سلسلة الثورة اليمنية العامة على مستوى الوطن اليمني كله ومقدمتين ضروريتين للثورة الوطنية الديمقراطية الشاملة وحالتين من حالات الخروج العاصف والنهائي من مأساة الاغتراب التاريخي والوطني التي عاشتهما اليمن قروناً د. (د.الشهاري ص 31)وإذا كان الاغتراب الذي أشار إليه الشهاري يعني بالنسبة لنا، حالة الشتات والتمزق والتشطير، وهي حالة ثورية اخرى يتطلب احداثها في صميم اليمن الجمهوري والمستقل في الشمال والجنوب لإعادة تحقيق وحدتهما الوطنية على أسس ديمقراطية وهو ما تحقق بفعل الإرادة الوطنية للشعب اليمني بزعامة ابنه البار الرئيس علي عبدالله صالح في يوم 22 مايو 1990م دون حاجة لخروج عاصف إلى الوحدة بقدر ما تطلب الأمر دخولاً حكيماً إلى مجرياتها، على منوال ما تحقق فعلاً.لقد احتضنت صنعاء السبتمبرية ـ كجزء من واجبها الوطني تجاه الاجزاء المحتلة من الوطن القوى الثورية بغية تنظيم صفوفها لمعركة التحرير، ولم يكن محض مصادفة ان يصدر قرار جمهوري بتاريخ 24 إبريل 1963م يقضي بتعيين قحطان الشعبي مستشاراً للرئيس عبدالله السلال لشؤون الجنوب "لقد كان لهذا القرار دلالة هامة بالنسبة لحزب الشعب الاشتراكي وحلفائه لأنه اكسب عضواً بارزاً في حركة القوميين العرب شرعية الاشراف على علاقة الجمهورية الجديدة بجنوب اليمن وتم فتح مكتب له في العاصمة مما يدل على أن القيادة المصرية كانت حينذاك أكثر ميلاً لتنظيم القوميين العرب في الجنوب على الرغم من أن حزب الشعب الاشتراكي وحلفاءه كانوا يتصدرون النضال السياسي في عدن لإفشال محاولة إقامة اتحاد الجنوب العربي (القاسمي ص52، سلطان ناجي 265 ـ 282) وتمكن قحطان الشعبي من تأسيس الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في صنعاء في أغسطس 1963م من تكوينات سياسية وقبلية متباينة كانت حركة القوميين العرب الابرار بينها والتركيب الطبقي للجبهة القومية حسب رأي عمر الجاوي قد رغب مصر في تقديم المساعدة للجبهة، ففي بداية الكفاح المسلح ضمت الجبهة القومية بين صفوفها مجموعة من الفئات ذات الاتجاه القومي الذين كانوا يتلقون جزءاً من توصياتهم من قبل الضباط المصريين في تعز وقعطبة والبيضاء وغيرها "ص80"وعلى الرغم من إيمان الجبهة القومية بالخط الوطني المتمثل بالوحدة اليمنية في ميثاقها الذي صدر في 26 يونيو عام 1965م عن أعمال المؤتمر الأول للجبهة إلا أنها ربطت ذلك بقيام دولة مستقلة في جنوب الوطن أولاً،وكأننا بحاجة لإضاعة الوقت وتشتيت الجهد لعقدين آخرين من الزمان قبل أن ننجز حلم الشعب اليمني في الشمال والجنوب بتحقيق الوحدة اليمنية جاء في الميثاق "أكدت الجبهة القومية في ميثاقها الوطني أنها بعد الاستقلال وإعادة توحيد اليمن ستبني المجتمع الاشتراكي حيث ينتهي استغلال الانسان لاخيه الإنسان» (الجاوي ص 81 راجع الميثاق في نهاية البحث).لقد ساهمت القوى الوطنية في الدفاع عن الثورة والجمهورية، في نفس الوقت الذي كانت فيه جمهورية سبتمبر تقدم دعمها اللا محدود للنضال التحرري الذي خاضه شعبنا اليمني في جنوب الوطن ضد الاستعمار البريطاني، ولعله من المناسب ان نسجل الدور الذي قام به مقاتلو التنظيم الشعبي وجبهة التحرير لفك الحصار عن صنعاء فور نزوحهم إلى شمال الوطن بعد انكسارهم في الحرب الاهلية الثانية في عدن مع الجبهة القومية التي تسلمت السلطة ابتداء من الثلاثين من نوفمبر 1967م، وقد سقط العشرات منهم شهداء وهم يحاولون خرق الحصار المفروض على صنعاء من قبل الملكيين، وعن ذلك تحدث الأستاذ عمر الجاوي في ندوة عن حصار صنعاء نظمها مركز الدراسات والبحوث اليمني قائلاً: " كان بعض الأخوان الذين طردوا من عدن باعتبارهم تنظيماً شعبياً أو جبهة تحرير، كانوا يتمركزون في تعز أو في المناطق الغربية من عدن، عندما جاء الحصار دخل هؤلاء ضمن من دخلوا كفريق لوحدهم بقيادة "هاشم عمر" وكان معهم النعمان ـ محمد عبده نعمان ـ ودخلوا مرتين في الحملة التي ارادت ان تشق طريق تعز إلى "نقيل يسلح" وتحتل النقيل وباعتبارها جبهة تحرير وتنظيم شعبي، وليس باعتبارها جزءاً من المقاومة الشعبية أو جزءاً من الجيش أو غيره، وللأسف قتل منهم "45" وجرح أغلبهم وفي المرة الثانية "50" وجرح أغلبهم ونقلوا إلى مستشفى إب" (ص 190).لقد حددت ثورة سبتمبر منذ الوهلة الأولى لقيامها حقيقة توجهها الوطني كثورة شاملة لاتعترف بالحدود التشطيرية المفروضة على اليمن وأهله، وعبرت عن خطها الوطني المعلن صبيحة يوم السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، كما جاء ضمن أهدافها الستة أو في بيانها إلى الشعب اليمني، على اعتبار أن (الثورة ليست ثورة فرد أو أفراد اطلاقاً، أنها ثورة الشعب كله، ثورة الجنود والقبائل، ثورة المدنيين والموظفين الصغار، ثورة التجار وطلاب المدارس، ثورة المهاجرين المشردين في أنحاء العالم، ثورة شعبنا العربي في اليمن جنوباً وشمالاً، ثورة في جمهورية عربية يمنية، تؤمن بالله وتؤمن بالقومية العربية، ثورة تقضي على التفرقة بأنواعها، فلا زيدية أو شافعية، ولاقحطانية ولاهاشمية، ولا رأسمالية، بل شعب واحد يؤمن بأنه جزء من الأمة العربية وباسم الله ثم باسم الشعب قامت الثورة، ومن الله تستمد العون والتوفيق لمجلس قيادة الثورة) أحمد السقاف، أنا عائد .. ص 81 ـ 82هـ وقد انخرط الكثير من أبناء المناطق الجنوبية والشرقية، من ردفان والضالع ولحج وعدن وأبين وحضرموت وشبوة في معارك الدفاع عن الثورة والجمهورية، تماماً مثلما كانت صولات الثوار في شوارع عدن تضم نسيجاً مؤتلفاً من الفدائيين من مختلف المناطق اليمنية ولذلك نستطيع القول أن واحدية الثورة وجدلية ترابطها يمخر في عباب التاريخ النضالي للشعب اليمني طوال تاريخه الطويل، وتخريج هذه الحقيقة ناصعة للعيان، ليس من صميم البيانات النظرية في سفر الحركة الوطنية اليمنية،وإنما بالدماء التي عمدت مطلب الوحدة اليمنية على مرّ الأوقات.[c1]المراجع:[/c]1) كلمة الرئيس علي عبدالله صالح في الندوة التي نظمها مركز الدراسات والبحوث صنعاء 1989م.2) د.سلطان ناجي، التاريخ العسكري لليمن 1839 ـ 1967م، جلوبو فسكايا.3) أسرار ووثائق الثورة، مجموعة من الضباط الأحرار، مركز الدراسات والبحوث اليمني.4) د. محمد علي الشهاري، الخروج من نفق الاغتراب واحداث ثورة ثقافية في اليمن، بيروت 1983م.5) أحمد السقاف، أنا عائد من جنوب الجزيرة العربية، الطبعة الخامسة، الكويت 2002م.6) خالد القاسمي، الوحدة اليمنية حاضراً ومستقبلاً، دار الثقافة العربية الطبعة 3 ـ 1988م.7) عمر الجاوي، الصحافة النقابية في عدن 57 ـ 1967م، مؤسسة 14 أكتوبر ـ حصار صنعاء ـ شهادات للتاريخ، مركز الدراسات والبحوث صنعاء 1989م.8) د. سلطان عبدالعزيز المعمري، العمق التاريخي لدولة الوحدة بحث مقدم إلى الندوة العلمية "اليمن .. وحدة الأرض والإنسان عبر التاريخ" جامعة عدن 2001م.9) محمد علي لقمان "قصة الدستور اللحجي".10) د. عبدالغني غانم، مجلة سبأ العدد 8 ديسمبر 1999م.11) د. أحمد القصير، مجلة الحكمة، العدد "221" 2002م.12) د. ربجي طاهر سحويل ـ دراسات وشهادات للتاريخ، مركز الدراسات والبحوث اليمني، الطبعة الأولى، بيروت 1982م.
الثورة اليمنية.. سبتمبر وأكتوبر
أخبار متعلقة