صباح الخير
تكاد اليمن أن تكون البلد الوحيد المميز بكثرة الأحزاب وتعددها وجميعها تدعي تمسكها بالنهج الديمقراطي .. منها أحزاب كبيرة تمتلك قاعدتها الشعبية الواسعة وتتفاخر بزعامتها التاريخية. ومنها أحزاب صغيرة ما زالت تحاول تصليب عودها وتتوزع بين موقف الأنصار وموقف المعارضة.وتبحث قياداتها الطامحة عن زعامة تليق بها. وتتوالد هذه الأحزاب الصغيرة وتتكاثر بمجرد فكرة مختمرة لدى الطامحين للعلياء والاستفادة من المساحة الديمقراطية المتاحة للوصول إلى مجد الريادة والوجاهة بإصدار الشعارات الوطنية ومنشوراتها وصحفها، للفت انتباه واهتمام السلطة لإرضائها أو الضغط عليها .. ولكن الأحزاب الكبيرة تهيئ اندفاعها القوي كلما ابتعدت عن السلطة والالتحام بقواعدها ثم تهدأ وتفض هذا الالتحام كلما اقتربت من السلطة!وهذا الارتداد المتواصل يبرر بـ (حكمة التكتيك). مع أن قيادات الأحزاب المعارضة في الدول المتقدمة تتفهم أصول الحياة الديمقراطية وتتمسك بعقلانية فائقة وواعية بمبدأي الديمقراطية وهما مبدأ التعددية الحزبية ومبدأ التداول السلمي للسلطة، وتثبت أفضليتها في هذا الحراك الديمقراطي وليس العراك (المدمقرط)، وتفرض جدارة كفاءاتها وقدراتها العالية للوصول إلى السلطة من دون المساس بثوابت السيادة والتنمية والحقوق الإنسانية والثقافية والأمن والاستقرار ويعتمد نجاح هذه المواقف المؤثرة على توافر النوعية ونزاهة العناصر القيادية البشرية للأحزاب الكبيرة والصغيرة واتحاد مواقفها المعارضة وفق المصالح الوطنية العليا. ولكن عقلية معظم الأحزاب تتحدد مواقفها وفق المصالح الضيقة. وهو ما يجعل التعددية الحزبية خاوية في مضامينها وأهدافها وإلحاق الأضرار بالمسيرة الديمقراطية الناشئة، وإحالة البلد إلى ساحة ألعاب تتنافس عليها الفرق الحزبية بنظام دوري الصعود والهبوط. والفائز هو من يجيد المهارات الفردية والمراوغة و(الحرفنة) وخطف النجومية والاحتراف الحزبي المدعوم بالشللية والقبلية والمناطقية والشطرية. وهي الأحجار العثرة في المسار الديمقراطي. وهي عوائق نجاحات التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة.وخلاصة القول إنه في ظل هذا الزمن الرديء وتعقيدات المتغيرات الدولية وضخامة الأزمات السياسية والاقتصادية المخيفة فإن اليمن بأمس الحاجة إلى قيادات حزبية غير فاسدة تحترم نفسها كي يحترمها الشعب ويفتخر بها الوطن.