قطار التطبيع مع إسرائيل
القاهرة/14أكتوبر/ عمرو عبد الرحمن : كشفت دراسة حديثة أن التجارة السرية بين إسرائيل والدول العربية تضاعفت خلال السنوات الأخيرة، وبلغت حوالي 400 مليون دولار سنويا، هو ما يتجاوز ضعفي حجم التبادل التجاري المعلن بين إسرائيل ومصر والأردن، موضحة أن السبب في تنامي تلك التجارة المحرمة يرجع إلي إدراك إسرائيل إلي أن وجود حاجز نفسي لدي الشعوب العربية، غير المستعدة في معظم الأحيان لشراء السلع الإسرائيلية مهما كانت المغريات·وأشار تقرير لهيئة الصادرات الإسرائيلية إلي أن حجم صادرات إسرائيل للدول العربية تزايد بشكل ملحوظ وسجل خلال الربع الأول من العام الجاري 145 مليون دولار بزيادة نسبتها 48% مقارنة بنفس الفترة من عام 2007 ·وأكد أن حجم التبادل العربي - العربي يتضاءل يوما بعد يوم في حين يتزايد التبادل التجاري العربي -الإسرائيلي، علي الرغم من تعالي الأصوات العربية المطالبة بتفعيل المقاطعة الاقتصادية مع إسرائيل كرد علي سياستها العدوانية تجاه الفلسطينيين وفي كثير من القضايا العربية·ووفقا للتقرير الذي نشره موقع الدراسات الإسرائيلية “N.F.C احتلت تونس المركز الأول عربيا كسوق للصادرات الإسرائيلية، كما اعتبرت الأردن نموذجا للعلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، وتوقعت هيئة الصادرات الإسرائيلية زيادة حجم التبادل التجاري مع الدول العربية والإسلامية لتصل إلي مليار دولار خلال العام الجاري، وليشمل دولا لم توقع علي اتفاقيات تجارية مباشرة مع إسرائيل·يحدث ذلك كله، فيما لا تزال التجارة العربية البينية تشهد حالة من التدني المستمر منذ أكثر من 15 عاما، إذ تشير بيانات مجلس الوحدة الاقتصادية العربية إلي أنها تشكل ما بين 8.5% و10% فقط من إجمالي التجارة الخارجية العربية، فيما بلغ إجمالي التجارة الخارجية العربية (باستثناء البترول) في عام 2007 ما مجموعه 253.06 مليار دولار، منها تجارة بينية بقيمة 25.8 مليار دولار فقط· ويأتي ذلك اتساقا مع ما يؤكده خبراء اقتصاديون من أن جميع الأقطار العربية لم تعد تولي اهتماما حقيقيا بالتجارة البينية، في الوقت الذي تلقي فيه تشجيعاً أمريكياً كبيراً علي التطبيع مع إسرائيل، وأنه بحسب تقرير صدر مؤخرًا عن مركز أبحاث الكونجرس، تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بدور خفي للحيلولة دون استمرار حالة المقاطعة، التي تتبناها كثير من المنظمات العربية المستقلة، مع السعي في الوقت نفسه لدفع الحكومات العربية علي إنهاء مقاطعتها التجارية لإسرائيل·يقول الخبير الاقتصادي المصري عبد الفتاح الجبالي: تتبني الولايات المتحدة الأمريكية دائما موقفا رسميا مناهضا لفكرة مقاطعة إسرائيل تجاريا، إذ تنص المادة رقم 535 من قانون العمليات الخارجية الأمريكية وتمويل التصدير الصادر عام 2006م علي أن الكونجرس الأمريكي يشعر بأن مقاطعة جامعة الدول العربية لإسرائيل تمثل مأزقًا لعملية السلام في الشرق الأوسط، ولتجارة واستثمارات الولايات المتحدة في المنطقة، لذا يجب أن تلغي المقاطعة تماما، كما يجب علي جامعة الدول العربية أن تطبع علاقاتها مع إسرائيل·ويضيف: الشواهد تشير إلي أن الإدارات الأمريكية باتت تستغل سعي الدول العربية لعقد اتفاقيات تجارة حرة ثنائية معها للحصول علي ما تريد، كذلك تستغل الولايات المتحدة حاجة الدول العربية للانضمام إلي منظمة التجارة العالمية، وتضغط لإثنائها بعضها عن استمرار مقاطعتها لإسرائيل، ومن أشهر الأدلة علي ذلك ما واجهته المملكة العربية السعودية، حينما تقدمت بطلبها للانضمام إلي المنظمة ذاتها، إذ أصدر الكونجرس الأمريكي قرارًا بالإجماع في 5 من أبريل 2006 يعتبر أن السعودية لم توف بشروط الانضمام لمنظمة التجارة الدولية جراء دوام مقاطعة إسرائيل تجاريا، بما يوضح أن إسرائيل لم تعد فقط “الباب الملكي” إلي الولايات المتحدة، وإنما كذلك للمنظمات الاقتصادية الدولية·ويؤكد الجبالي أن خطورة التقرير الإسرائيلي الأخير الصادر مؤخرا عن هيئة الصادرات الإسرائيلية في إشارته بشكل صريح إلي أن قطار التطبيع القشاش في الثمانينيات تحول إلي “اكسبريس” في التسعينيات ثم انطلق دون توقف في الألفية الجديدة، التي تتزايد فيها المطامع الصهيونية باطراد مستمر لدرجة أن إسرائيل أصبحت تهدف إلي تطبيع يرمي بالدرجة الأولي إلي تغيير البنية الثقافية العربية حتى تصبح مهيأة لتقبل الهيمنة الإسرائيلية·ويشير إلي أن هذه التحركات الإسرائيلية المدعومة أمريكيا تأتي في الوقت الذي لا يزال الشارع العربي يرفض التطبيع مع إسرائيل بكل أشكاله وأنواعه، إلا أنه في ذات الوقت تشهد حركة التبادل التجاري بين العرب وإسرائيل تزايد ملموس·[c1]تدهور أوضاع الزراعة[/c]ويرجع د· حمدي عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات الأسبق زيادة التبادل التجاري العربي لإسرائيلي إلي سببين، أولهما، وجود المناطق الصناعية المؤهلة في عدد من الدول العربية للإنتاج المشترك، التي تحتاج بدورها إلي أسواق مستهلكة وهذا ما توفره مقررات الكويز، بالتالي أجبرت بعض البلدان العربية علي التوقيع علي هذه الاتفاقية لتصدير منتجاتها إلي السوق الأمريكية، ومن ثم وصفت هذه المناطق الصناعية الحرة بأنها “مشروع تطبيعي مرفوض لا يدر أية فوائد علي الخزانة العامة”·ويشير إلي أن الحديث عن خطورة التطبيع لا يمكن معه إغفال حقيقة هامة، تتمثل في أن ملف التطبيع الزراعي بين مصر وإسرائيل، والذي تم من خلاله فتح السوق المصري للبذور والتقاوي الإسرائيلية، وهذا بدوره ما أسهم بشكل مباشر في تدهور أوضاع الزراعة في مصر وظهور نوعيات من الخضروات والفاكهة في السوق المصرية أدي تناولها لإصابة آلاف المصريين بالسرطان·ويوضح أن التطبيع الزراعي في مصر مازال يحتل المقدمة وأسهم في ذلك د· يوسف والي وزير الزراعة الأسبق، الذي اعتبره البعض أقرب المقربين إلي تل أبيب في مصر، ويسانده في ذلك عدد من أصحاب الشركات الزراعية منهم رجل أعمال شهير مازالت علاقاته في تطور مع الصهاينة، وتعمل شركاته في استيراد التقاوي والمخصبات الزراعية الإسرائيلية وتوزيعها في مصر من “إسرائيل” بكميات تصل إلي نحو 200 ألف طن سنويا·[c1]المغالاة في الأسعار[/c]ويري د· حسن عبيد أستاذ الاقتصاد أن وزارة التجارة والصناعة في مصر قامت مؤخرا بتحديد المناطق المؤهلة للاستثمار ومنها المحلة وبورسعيد والإسماعيلية، ولكن وبمجرد مرور سنوات قليلة علي توقيع الكويز ظهرت المشاكل حيث بدأ الموردون الصهاينة في المغالاة في الأسعار ولجأ المصدرون المصريون للمهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة المصري، وانتهي الأمر مؤخرا بخفض نسبة المكون الإسرائيلي إلي10.8%، بعد مفاوضات عسيرة مع المسئولين اليهود·ويري الخبير الاقتصادي د· صلاح جودة أن “الكويز” تعد بمثابة مؤامرة علي أقدم وأشهر الصناعات المصرية وهي الملابس وجاءت لتكون بمثابة بداية لسقوط هذه الصناعة، وهذا ما تحقق الآن بالفعل، وبدلا من أن تسعي الحكومة المصرية لإنقاذ هذه الصناعة من سيطرة الصهاينة فإنها تخطط للتوسع في الكويز، ليشمل قطاعات أخري كالسلع الغذائية والجلود وهو ما يعني سيطرة إسرائيل علي الصناعة المصرية·ويقول : كذلك لم يعد غريبا أن تنتشر المنتجات الإسرائيلية في الأسواق المصرية ففي منطقة الفجالة الشهيرة بقلب العاصمة، ظهرت نوعيات من الأدوات الكتابية مجهولة الهوية وتردد أن وراءها إسرائيل وهي نوعية من الأدوات تسبب الأمراض، وكذلك ظهرت في منطقة الموسكي نوعيات من لعب الأطفال تردد أن بعضها يحتوي علي مواد مسرطنة، والمعروف أن حجم التبادل التجاري بين مصر و’إسرائيل قد ارتفع في السنوات الأخيرة وتحديدا منذ جاء رشيد محمد رشيد لوزارة التجارة والصناعة المصرية ، ووفقا لإحصائيات معهد التصدير الإسرائيلي فقد ارتفع حجم التصدير الإسرائيلي لمصر بنسبة 981% في السنوات الثلاث الأخيرة وبلغ6 ، 46 مليون دولار بينما تشير إحصاءات إلي وجود 32 مؤسسة إسرائيلية تعمل في مصر·ويضيف: وعلي الصعيد الاقتصادي تواجه البنوك المصرية خطر الاستحواذ من جانب الكيانات الاقتصادية اليهودية ذات الملاءات المالية الهائلة ، وحيث بدأت الجهود الإسرائيلية الساعية للدخول في مجال البنوك المصرية أيضا مبكرا بهدف الاستحواذ أو التواجد لي الأقل حاليا - في السوق المصرفية المصرية ، وكانت أبرز النتائج المبكرة لتلك الجهود عقد لقاء بين د· يوسف بطرس غالي وزير المالية ومحافظ البنك المركزي الإسرائيلي خلال اجتماعات البنك الدولي بواشنطن مؤخرا ، وقد تم خلاله بحث إمكانية فتح فروع للبنوك الإسرائيلية ببعض المدن المصرية·[c1]التطبيع مع الخليج[/c]أما د· صلاح الدين الدسوقي مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية فيقول: كانت نقطة انطلاق قطار التطبيع الخليجي عقب أحداث 11 سبتمبر، حيث لعب اللوبي اليهودي في أمريكا دورا في دفع دول المنطقة دفعا نحو سياسات التطبيع وقاد حملة ضد دول الخليج، ورأت الولايات المتحدة توظيف ذلك لخدمة مصالحها، ومصالح حليفتها إسرائيل من خلال ما تدعيه بالحرب ضد الإرهاب ولهذا وجدت بعض دول الخليج نفسها في مأزق، حيث فوجئت أنها قد أصبحت هدفا مستمرا للاتهام برفض التعايش مع الآخر·وويضيف: لهذا ظهرت مبادرات عربية ترفع شعار التطبيع الشامل مقابل الانسحاب الشامل من الأراضي المحتلة، ولم يخل الأمر من ضغوط أمريكية في هذا الاتجاه، ولهذا ومع كل تصاعد في الأحداث في فلسطين تتزايد المطالب الشعبية باستخدام سلاح النفط لإجبار إسرائيل علي وقف العنف ضد الفلسطينيين، ولكن دول الخليج ترفض ذلك·ويؤكد الدسوقي أن الهدف من سعي إسرائيل لأن يأخذ التطبيع مع دول الخليج مساره الطبيعي هو تحقيق أكثر من فائدة لمصلحتها، أولها أن إسرائيل تخشي أن تصبح دول الخليج، مركز ثقل سياسي واقتصادي ولذلك فهي تقف ضد ذلك، كما تسعي لاستغلال السوق الخليجية التي تتميز بقدرتها الشرائية المرتفعة لتصريف منتجاتها وسلعها وتنفيذ مشروعات مشتركة في مجالات السياحة والصحة وتحليلة المياه، كما تسعي إسرائيل للدمج بين النفط الخليجي والتكنولوجيا الصهيونية·ويشير إلي أن إسرائيل نجحت بالفعل جزئيا في اقتحام بعض أسواق الخليج من خلال دخول منتجات إسرائيلية، ولكنها تحمل علامات تجارية مزورة تحمل أسماء أوربية وآسيوية، ويتم نقل هذه المنتجات إلي قبرص ثم إلي الخليج، وتمكنت إسرائيل بذلك من تسريب منتجاتها لبعض دول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية، مشددا علي أنها نجحت أيضا في اختراق الحظر الخليجي من خلال قيام إحدى دول هذه المنطقة بالإعلان رسميا عن فتح مكتب تمثيل تجاري لإسرائيل علي أرضها·ويخلص إلي أنه من المؤكد أن يظل الخليج العربي هدفا استراتيجيا للمشروع الصهيوني، وهو ما تسعي الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيقه لإحكام السيطرة علي المنطقة، وبهدف تفتيت العرب، بجانب خلق نوع من العزلة بين دول الخليج من جانب ومحور دول المواجهة من جانب آخر، وبالتالي بداية تحقيق السوق الشرق أوسطية، وكخطوة في ذات الاتجاه، جاءت زيارة بوش الأخيرة لمنطقة الخليج، حيث لم تخل المفاوضات من ضرورة التوسع في عمليات التطبيع بين دول الخليج وإسرائيل، وبالتالي الاختراق الإسرائيلي للسوق الخليجية المشتركة التي انطلقت في يناير 2008 .