
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن خط الفقر محدد عند 2.40 دولار أميركي للفرد يومياً، أي ما يعادل نحو 4500 ريال يمني. وإذا أخذنا أسرة مكوّنة من خمسة أفراد كمقياس، فهذا يعني أن دخلها اليومي يجب أن يبلغ 22,500 ريال، أي ما يعادل 675,000 ريال شهرياً فقط، لتكون على حدود خط الفقر، لا خارجه. لكن الواقع يكشف أن معظم الأسر لا تصل حتى إلى نصف هذا الحد، إذ يواجه الناس رواتب متقطعة أو شبه معدومة، وبطالة متفشية، وأسعاراً مرتفعة للسلع الأساسية مقارنة بالدخول، لتصبح الحياة أكثر قسوة من أي وقت مضى.
إن مواجهة الفقر لا يمكن أن تتم عبر إجراءات جزئية أو وعود مؤقتة، بل تحتاج إلى رؤية شاملة تتناول جذور المشكلة. فالاستقرار الاقتصادي يظل الركيزة الأولى، من خلال تثبيت أسعار الصرف وحماية العملة من المضاربات، إلى جانب وضع سياسات جادة للحد من التضخم ومراقبة الأسواق، بما يضمن عدم استغلال المواطن في لقمة عيشه اليومية.
غير أن الاستقرار المالي وحده لا يكفي، فالمعركة الحقيقية هي معركة الدخل والعمل. إن محاربة الفقر بحاجة ماسة إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي يمكن أن تفتح فرصاً واسعة للشباب والنساء وتوفر بدائل اقتصادية محلية. كما أن تشجيع الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة كفيل بخلق فرص عمل وتوليد قيمة مضافة. وإلى جانب ذلك، فإن برامج التدريب المهني وبناء القدرات تمثل ضرورة لإعادة تأهيل القوى العاملة كي تكون قادرة على المنافسة والإنتاج.
وفي ظل الظروف الإنسانية الصعبة، تظل شبكات الأمان الاجتماعي أداة لا غنى عنها لحماية الفئات الأكثر هشاشة. ويتحقق ذلك عبر برامج التحويلات النقدية المباشرة، وضمان وصول السلع الأساسية للمواطنين بأسعار معقولة، وتفعيل دور الجمعيات والمنظمات المحلية في التخفيف من حدة الفقر. كما أن إعادة بناء الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والمياه والكهرباء تمثل حجر الزاوية لأي عملية تنموية مستدامة، لأنها تمنح الأفراد الحد الأدنى من مقومات البقاء والكرامة.
ولا يمكن أن نتحدث عن مكافحة الفقر دون الإشارة إلى الفساد الحكومي، الذي يلتهم الموارد ويعرقل أي جهود إصلاحية. هذا الفساد يظهر بأشكال متعددة: الرشوة والمحسوبية في التوظيف، واختلاس الأموال العامة، وتضخيم العقود والتلاعب في المناقصات والعبث والهدر للموازنات العامة، وحجب الموارد، والتهرب الضريبي، واستغلال المناصب لتوجيه الدعم لمجموعات محددة. كل هذه الممارسات لا تسرّع التنمية، بل تزيد من معاناة المواطنين وتفقدهم الثقة في أي إصلاح اقتصادي. فالشفافية والحوكمة الرشيدة ليست شعارات، بل شروط أساسية لضمان وصول المساعدات والموارد إلى مستحقيها، وإعادة الكرامة الاقتصادية للمواطن.
إن استعادة العملة بعض قيمتها قد أعطت مؤشراً إيجابياً، لكنه غير كافٍ ما لم يُترجم إلى تحسن فعلي في حياة المواطنين. فالمعركة الحقيقية التي يجب أن نخوضها اليوم ليست معركة الأرقام والمؤشرات، بل معركة الإنسان ضد الفقر. إنها معركة صون الكرامة الإنسانية أولاً، لأن أي إصلاح اقتصادي لن يكون له معنى ما لم يشعر به المواطن في طعامه وتعليمه وصحته وأمانه الاجتماعي.