
كان الإقبال على مشاهدة الفيلم كبيرا جدا حتى أن صالات السينما لم يكن فيها سعة وتمتلئ بكل سعتها، وكانت السينما فيها عدة صالات؛ صالة أمامية بكراسي خشبية طويلة لأكثر من شخص وصالة خلفية بكراسي خشبية فردية مريحة نوعا ما وصالة فوق وصالة خاصة للنساء، وكان سعر تذاكر الصالات متفاوتا: الأمامية رخيصة شلن وسبع عانة تقريبا والخلف شلنجين وعانتين وفوق شلجنين ونص وصالة النساء بنصف قيمة الصالة الأمامية.
وكانت العادة أنه عند نفاد تذاكر مقاعد الصالة الأمامية أن يتم قطع التذاكر لمن شاء بعد أن يتم تنبيهه أن الكراسي مليانة وأنه سيجلس في الأرض، ومع رغبة الناس في مشاهدة الفيلم كانوا يقبلون ذلك فكان الجالسون على الأرض أكثر من الجالسين فوق الكراسي الى حد أن الصف الأول منهم كان محاذيا للشاشة.
وفي ذروة الفيلم كانت أجساد رواد السينما كلها مقشننة من مشاهد الفيلم وديفيد بطل الفيلم وجهه وجسمه يتغير وجلده تبدأ فيه التحولات، ويبدأ جسده يتحرشف ليصبح مثل جلد الحنش، ووجهه يتضاءل ويصغر، وحاجة تقشعر الجسم، وكل واحد من المشاهدين صار يشعر بحكة في جسده، ويتلفت وينقز من أبسط احتكاك لجسمه بالكرسي أو حتى بالهواء الطاير.
في هذه الأثناء وحالة الرعب والحكوك والقشعريرة، كان أحد المشاهدين يجلس في طرف الجهة الشمالية قرب أحد أبواب السينما غير المستعمل، وفجأة قام من مكانه، وجرى دون أن ينبس بكلمة، متجها الى الباب الرئيسي الواقع في أقصى الجهة الجنوبية، فرآه الذي بجانبه وقام فورا وفعل مثله، وقام الثالث وفعل مثلهم، فانهمر البقية الجالسون في الأرض خلفهم يا رجل شلي حذاش..
وفي لحظات قام كل الذين كانوا جالسين فوق كراسي الصفوف الأولى، وفعلوا نفس الشيء، ودربج.. دربج.. دربج أمام باب خروج الصالة الأمامية وسط ذهول المشاهدين الذين كانوا في الخلف: يا جماعة.. يا جماعة ... يا فلان.. يا علان!!!
والناس تتراجز أمام الباب ولا أحد يجيب بكلمة، وكل همهم هو النجاة بجلدهم والخروج من السينما، وكان كل من خرج منهم من الباب، وبدأ يشعر بالأمان، يرتب هندامة المجعوث من المداحشة والتزاحم، ويقفل زراير قميصه، ثم يسأل الآخرين من حوله: أيش في؟ أيش في؟ ما لكم هربتوا؟
هههههههه ... الكل لا يدري.. والكل يتلفت حوله ويسأل الكل، ولا جواب سوى (مدري.. مدري)، وقد ظل الموقف في هذه الفوضى حوالي عشرين دقيقة ثم بعد أن خرج نصف المشاهدين عاد الذي قام أول واحد من المقهى المجاور للسينما بعد أن شرب كوبا من الماء ليطفئ هلعه، وأخبرهم بأنه شعر بشيء يتسلق فوق رجله وهرب، فرجع الجمهور معه الى الصالة والعرض مستمر، وذهبوا الى حيث كان يجلس، ولصوا الترشليتات، وفتشوا في أرض الصالة وتحت المقاعد، فوجدوا (بحاشي) كبير من بحاشي البحر يتجول في المكان، وانطلقت الصيحات والضحك، وعادوا لمواصلة مشاهدة أحداث الفيلم.
كانت ليلة رعب وهستيريا جماعية لم تشهد سينما جعار لها مثيلا.