مثالاً للصمود الفلسطيني

إنه من الجيل الذي تربى على أيدي أساتذة عظماء يعرفون ماذا يعني الأرض والوطن، الهوية والانتماء.
أمثال هؤلاء لن يستسلموا لسياستي ترامب ونتنياهو القائمة على التطهير العرقي والتهجير. المناضل العربي الدكتور فايز أبو شمالة، الصامد في ظروف لا إنسانية، يعيش المأساة مع أبناء شعبه في قطاع غزة الذين يعانون من ويلات حرب لم تتوقف، هدفها الحقيقي الإبادة الفردية والجماعية والتدمير والتجويع والتهجير وسط صمت عربي واسلامي وعالمي وغياب تام لمعاقبة المعتدي المحتل.
حالة هذا الإنسان العظيم تدعو للتفكير ونحن نشاهد الفيديو الأخير الذي انتشر على صفحات التواصل الاجتماعي، بينما يحرق أعز ما يملك متمثلاً بالكتب التي اقتناها طوال حياته. لم يكن أمامه من مناص سوى أن يحرقها ليحصل على الدفء في ظل برد قارس، ليشعل التنور حتى يتمكن من إعداد ما تيسر لأحفاده من طعام يبقيهم على قيد الحياة. ليس بوسع أحد وهو ينظر إليه أن ينسى هذا الأمر.
شخصياً، أجد نفسي أستعيد شريط ذاكرتي وأنا أفكر بوضع هذا الإنسان النبيل والآلاف من أمثاله ، بينما هو ممسك بديوان الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة، وهو يتحدث بألم يُبكي الحجر ليخبر المشاهدين إنه وجد الكتاب بين أنقاض البيوت التي دمرها الاحتلال، وقد وجد نفسه مضطراً إلى الدفع به إلى “المحرقة” حتى يستطيع طبخ طعام بسيط له ولأحفاده الذين يتضورون جوعًا. كلماته أحرقت قلوب ملايين شاهدوا هذا المقطع البسيط.
هذا الإنسان العظيم يوضح لنا واحدة من نتائج العدوان الغاشم ومن يؤازره، وهم كثر، بدءاً بأمريكا وانتهاءً بمن منح ضميره إجازة.
أبناء قطاع غزة تنطبق عليهم الآية القرآنية:
“رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا.”
هؤلاء لن يبدلوا وطنهم مهما عظمت معاناتهم تحت وابل القصف الإسرائيلي بالسلاح الأمريكي.
تصريح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بأن غزة أصبحت ميدانًا للموت والدمار، يطرح تساؤلًا ملحًّا: أما آنَ لحرب الإبادة أن تتوقف فوراً ؟
تلك الحرب التي لا تزال تحصد الأرواح البريئة في غزة وسائر المدن الفلسطينية.
ولعلّ كلمات الأمين العام، التي تنبض بالضمير الإنساني الحي، تمثّل صرخة حقّ في وجه الصمت الدولي، وإشادة تُسجَّل له في موقفه الأخلاقي الشجاع، دفاعًا عن القيم الإنسانية وعدالة القضية الفلسطينية.
وهنا أوجه نداءً إلى أصحاب الضمائر الحية في كل أنحاء العالم ليعملوا على وقف العدوان الصهيوني ويهتموا عملياً بمعاناة الشعب الفلسطيني التي فاقت كل المعاناة التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية، وبعدها الحرب الفيتنامية في الستينيات والسبعينيات والتي انتهت بالنصر وقيام الدولة الفيتنامية الموحدة.
إن كل ما جرى ويجري في فلسطين بدعم أمريكي وغربي منذ المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا في نهاية القرن التاسع عشر وحتى اليوم تم بتخطيط غايته الكبرى اقتلاع شعب فلسطين من وطنه. ولقد حذر الشاعر الكبير نزار قباني في قصيدته المشهورة “راشيل” عام 1955 من الاستعمار الاستيطاني في فلسطين قائلاً:
“أكتب للصغار العرب.. الصغار حيث يوجدون.. لهم على اختلاف اللون.. والأعمار.. والعيون.. وليعلم الصغار.. حكاية الأرض التي ضيعها الكبار.. والأمم المتحدة.”
وأضاف:
“وأبحرت من شرق أوروبا مع الصباح.. سفينة تلعنها الرياح... وجهتها الجنوب.. تغض بالجرذان.. والطاعون.. واليهود.. كانوا خليطاً من سقاطة الشعوب... من شرق بولندا.. من النمسا... من إسطنبول.. من براغ.. من آخر الأرض.. من السعير.. جاءوا إلى موطننا الصغير.. موطننا المسالم الصغير.. فلَطَّخوا ترابنا... وأعدموا نساءنا... ويَتَّموا أطفالنا... ولا تزال الأمم المتحدة... ولم يزل ميثاقها الخطير... يبحث في حرية الشعوب... وحق تقرير المصير...”
ونحن لسنا ضد اليهود الأصليين قبل الهجرات الصهيونية الى فلسطين، فقد كانوا يتعايشون مع العرب والفلسطينيين بسلام ووئام كغيرهم من اليهود والديانات الاخرى في المنطقة العربية. فكيف لهذا الكيان الصهيوني أن يتعايش في منطقتنا في ظل الكراهية والحروب منذ 1948 وحتى اليوم، وهو كيان جاء بقرار أممي كما قال الرئيس الفرنسي ماكرون.. والذي نسب إليه يوم أمس بأن فرنسا سوف تعترف بدولة فلسطين في يونيو القادم وهو يزكرنا بالقائد الفرنسي الكبير الجنرال ديجول الذي اعترف بسوريا ولبنان والجزائر وغيرها من الدول . ونحن نؤكد أن المستقبل لفلسطين وليس للصهاينة المحتلين، وزمن اقتلاع الهنود الحمر وذبحهم ولى ولن يتكرر.