في داخل كل منا طفل لم يكبر بعد، حتى وإن كبر وبلغ من العمر مابلغ لايريد الاعتراف بذلك !
في لحظة ما، اشتقت لذلك الطفل الذي ضاع مني في زحمة الحياة، فأخرجته من داخلي لنلعب معاً، ونستعيد أجمل سنوات العمر : وهل هناك أجمل وأبسط من طفولتنا ؟ بكل مافيها من براءة،وشقاوة، وذكاء، وأسئلة حرجة يصعب على الآباء الإجابة عنها في أحيان كثيرة، وتمرد لايطيق المجتمع المثقل بالعادات والتقاليد تحملها ؟!..
سألته إن كان يذكر اننا لعبنا مع ميكي ماوس ؟
أجابني: كل طفل في عمرنا لعب يوماً مع ميكي ماوس ، انتزع صورته من مخياله كما اخترعه والت ديزني ، رغم انك في الواقع كنت تخاف من الفأر الحقيقي كما يخاف منه كل الأطفال، وتخاف منه أمهاتنا وسائر النساء ، بل وحتى أشجع الرجال واكبرهم “شنبات” كما يقال !
قلت له :لكن ميكي ماوس ، فأر... !
أجاب: ولا كل الفئران، فأرٌ مختلف أحببناه رغم كرهنا للفئران من بني جنسه لمجرد رؤيته في البيت .
2
ما من طفل في العالم لم يأسره ميكي ماوس ، وأنا وجيلي منهم بكل تأكيد. لم نتعرف على ميكي إلاَّ عبر مجلة (سمير ) والرسوم الورقية التي بدأت تصدر عن دار الهلال المصرية منذ العام 1958م. بينما ظهر ميكي ماوس لأول مرة في فيلم سينمائي في الولايات المتحدة الامريكية في عام 1928م ، ومنذ ذلك الحين ظهر في عشرات الأفلام وفي المسلسلات التلفزيونية، وفي القصص المصورة في المجلات ، وأصبح أشهر شخصية كرتونية خيالية في العالم ، وحقق الملايين من الأرباح لشركة والت ديزني .
3
اطفالاً كنا، ومايحظى باهتمام الأطفال في الغالب اللعب ، والصور أكثر من أي شيء آخر، وخاصة في المجلات المصورة المخصصة للأطفال ، وكانت مجلات مثل “سمير” و”ميكي” تحظيان باهتمامنا دون بقية المجلات. وكان فيها الكثير من القصص المصورة التي كنا نتابعها وننتظر حلقاتها بشغف. أحببنا أبطالها، وشخصياتها الكرتونية.
تعلقنا بميكي وميني وتم تم وتوتو، وبندق، وبطوط، والكلب بلوتو . ولم نعرف إلاًَ فيما بعد، بعد أن كبرنا قليلاً أن (ميكي ماوس) شخصية خيالية اخترعه العبقري والت ديزني وصديقه وأب أيروكس في العام 1928، وأصبح أشهر شخصية عالمية، وأحبه الأطفال في كل مكان في العالم. ويحتفل بعيد ميلاده في 18 نوفمبر من كل عام كأنه شخصية حقيقية! وربما ان ما جلب كل ذلك القدر الهائل من الشهرة لميكي ، كونه فأراً أسود ، يلبس سروالاً أحمر ، وينتعل أحذية صفراء ، ويضع قفازات بيضاء ، لكن سلوكه سلوك إنسان !
4
بالنسبة للوطن العربي ، لم يعرف ميكي ماوس إلاٌَ في سنة 1958م عن طريق دار الهلال المصرية الرائدة في تعريب شخصية ميكي على يد رسامين مصريين عندما أصدرت مجلة (سمير) المخصصة للأطفال أول ظهور لقصص مصورة لميكي ماوس مترجمة للغة العربية في 5 أعداد ابتداءً من تاريخ 17 إبريل 1958 في مجلة “سمير” التابعة لدار الهلال المصرية، التي كانت تعنى بتعريب “الكوميكس” البريطاني والفرنسي. وبعد ذلك قامت دار الهلال في يناير 1959 بإخراج العدد الأول من مجلة “ميكي “مرة كل شهر التي أسستها، ثم مرة كل أسبوع بدءًا من العدد 36 في 1961، لتواصل صدورها حتى 2003، قبل أن تسحب الحقوق وتباع لدور نشر عربية أخرى. ومن خلال هاتين المجلتين عرفنا في عدن وحضرموت وبقية الوطن العربي ميكي ماوس ، وأحببناه كما أحبه الأطفال في كل العالم .
5
- ماذا بقي لك من ميكي في هذا العمر، وقد تجاوزت الخامسة والسبعين من عمرك ؟!
سألني الطفل الذي كنته.
أجبته:
- حتى الآن عندما تعرض أفلام كرتونية ، وخاصة لتوم وجيري، ألا نتسمر أمام شاشة التلفزيون أنا وانت، ونتابعه بشغف شديد لايختلف عن شغفنا عندما كنا طفلين ، ولا نغادره حتى تكتب كلمةالنهاية: The end؟!