إسرائيل منذ إنشائها لا تريد السلام مع العرب قاطبة ناهيكم عن الفلسطينيين وهي تقبل أحيانا ولكنها لا تنفذ وقد قبلت قرار تقسيم فلسطين واشتراط الأمم المتحدة ربط عضويتها فيها بتنفيذها قرار التقسيم الذي ينص على قيام دولتين في فلسطين العربية للفلسطينيين وللغزاة البيض من يهود اوروبا. أما عن الفلسطينيين فقد قبلوا كل مبادرة تعيد لهم الجزء الصغير من أرضهم المحتلة الذي بقي لهم بعد عدوان ١٩٦٧.لذلك فليس عبثا أن يقول الفلسطيني والعربي أن صراعهما مع الصهيونية السياسية - العسكر ية، صراع وجود وهذا لا ينطوي على أي مبالغة إطلاقا. كيان الاحتلال الدائم والأبدي والإبادة الجماعية يقول ذلك دوما ورسميا وخاصة بعد اتفاق اوسلو ١٩٩٣ وما تلاه من انتفاضتين سببهما مماطلة إسرائيل في تنفيذ ما التزمت به في ذلك الاتفاق الناقص.
الكيان العدواني الصهيوني ليس كيان سلام بل حروب تتناسل حتى تصفية القضية الفلسطينية وهو لا يقبل مسار سلام حقيقي يعطي لكل ذي حق حقه رغم القناعة الدولية شبه الشاملة بأن لاحق للصهاينة في فلسطين العربية مهما زوروا تاريخ فلسطين وتعاظمت محاولاتهم لطمس هويتها العربية -الإسلامية- المسيحية.
في عام ١٩٧٤ قال ياسر عرفات نيابة عن المجلس الوطني الفلسطيني “ لقد جئتكم بغصن الزيتون في يدي وببندقية الثائر في يدي الأخرى فلا تسقطوا الغصن الأخضر “. بعد خطاب التصالح التاريخي هذا لم توفر إسرائيل وأمريكا جهدا إلا وقامتا به لكي تسقطا غصن السلام الفلسطيني ولكي يستمر حمام الدم الفلسطيني بسلاح أمريكي في الغالب. لم يكن الموقف العدائي الأمريكي من قضية فلسطين خافيا على كل فلسطيني وقد وجه الرئيس عرفات لوما شديدا للولايات المتحدة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ١٣ أغسطس عام١٩٨٨ في جنيف قائلا،” إنه لمن المؤسف استمرار الولايات المتحدة وحدها في دعم ومساعدة المخططات الإسرائيلية العدوانية التوسعية واحتلالها للأراضي الفلسطينية ومن المؤلم أيضا رفضها الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم طبقا لواحد من مبادئ الرئيس الأمريكي وودرو ولسون عقب الحرب العالمية الأولى.
لقد أحرقت الولايات المتحدة وإسرائيل غصن الزيتون ولاتزالان كلما انتفض الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال ولا يهمهما كم من الدم الفلسطيني يسيل في سبيل الخلاص من الاستعمار الإحلالي. إننا نشهد لأول مرة في التاريخ كيانا يستعمر شعبا آخر باسم الدين، الوعد التوراتي، ويعمل على اجتثاثه من أرضه بشتى السبل. الصليبيون كقوة استعمارية احتلوا فلسطين وغيرها ولكنهم لم يرتكبوا جريمة التطهير العرقي. الشعب الفلسطيني في مقاوماته المشروعة لنيل حقوقه الطبيعية لا يرتكب جرما سياسيا أو حقوقيا أو إرهابا أو يناضل لخلاصه من الاحتلال كوكيل لطرف آخر كما تصور ذلك بدون كلل الدعاية الصهيونية والسياسة الامريكية. إن كل شعوب الأرض قاومت الاستعمار بما فيها الشعب الأمريكي الذي نال استقلاله بالعنف المسلح وليس بالتفاوض من مركز الضعف.
أمريكا وإسرائيل تصران وعن عمد على أن يبقى شعب فلسطين الاستثناء الوحيد في عالم اليوم، عالم التسامح والديمقراطية وحقوق الانسان من ممارسة حقه المقدس في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة وعاصمته القدس العربية. وبعد انتفاضة ٧ أكتوبر المجيدة رغم خسائرها البشرية الكبيرة، أكثر من ٤٥٠٠٠ شهيد وقرابة ١١٠٠٠٠ مصاب معظمهم من النساء والأطفال وتدمير ٩٠%من البنية التحتية والتهجير القسري لأكثر من مرة تحت النار لمليون وتسعمائة ألف فلسطيني داخل غزة توطئة لطردهم إلى سيناء المصرية، تعلم أمريكا أن مصلحتها الحقيقية تكمن في تعزيز علاقاتها مع الدول العربية، كونها شريكًا استراتيجيًا في مجالات الطاقة والاستقرار الإقليمي، بينما تشكل إسرائيل عبئًا اقتصاديًا وعسكريًا عليها.