لقد ضربت هذه العروس أروع الأمثلة في السخاء والعطاء على الرغم من حاجتها لهذا المهر لتستعين به أسرتها وتستفيد منه هذه العروس في بداية حياتها الزوجية الحياة الجديدة التي تحتاج إلى تكاليف ومصاريف مالية باهظة في زمن غلاء الأسعار وعصر البخل والشح في كل شيء حتى في مكارم الأخلاق وفي عصر وتحبون المال حباً جماً وفي واقع مؤلم لم ينعت بشح النفس والنفيس.
لقد انطبق على أخلاق هذه العروس الشبوانية الفاضلة والنادرة في هذا الزمان قول الله عز وجل: «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون» التغابن/16 ، والإيثار هو ضد الشح والبخل، فإن المؤثر على نفسه تارك لما هو محتاج إليه. والشحيح: حريص على ما ليس بيده فإذا حصل بيده شيء شح عليه، وبخل بإخراجه، فالبخل ثمرة الشح والشح يأمر بالبخل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا». حديث صحيح رواه مسلم.. فالبخيل: من أجاب داعي الشح والمؤثر: من أجاب داعي الجود، كذلك السخاء عما في أيدي الناس هو السخاء وهو أفضل من سخاء البذل أما الأثرة التي نلمسها في سلوك الناس في زماننا وهي استئثارك لنفسك عن أخيك بما هو محتاج إليه فقد صارت كالمرض المزمن والداء العضال وهي التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال للأنصار: «إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» رواه البخاري.
لقد جادت هذه العروس براحتها ورفاهيتها جادت بها تعباً وكداً في مصلحة غيرها ومن هذا جود الإنسان بنومه ولذته لمسامره، كما قيل:
«متيم بالندى، لو قال سائله: هب لي جميع كرى عينيك لم ينم أما البخل والشح فمن الأمراض كما ذكرنا التي يستحيل معها الألفة والحياة الجماعية والتعاون فتستساغ بسببها العزلة، أرأيت لو أن كل إنسان بخل بوقته وماله وما يمتلك فإلى أي حد تبقى معاني التعاون والإيثار والبذل والتضحية والأريحيات والمروءات والعطف والمودة والمحبة والحنان، وإلى أي حد يغاث مستغيث أو يفرج كرب عن مكروب أو يتجاوب مع ملهوف، وأي حيوية للعلاقات تبقى بين أخ وأخ وبين جار وجار وبين قريب وقريب ثم إذا جف الخير من القلوب وعم الشح فمن يجرؤ على الإقدام على مشروع خيري أو مشروع من مشاريع الخدمة، ثم إذا عم الشح فكيف يقوم جهاد ضد الإرهاب مثلاً أو تكون مواساة أو تقوم دولة، وكم من الناس وقتذاك سيأمن على حياته إن لم يتكاتف الجميع ويتعاونوا على مواجهة هذا الإرهابي أو دفع عدو خارجي يهدد بلدهم، ومن للصغير يعوله؟ والكبير من سيعطف عليه» إنه عندما يعم البخل تتردد المرأة في القيام بواجبات الأمومة ويتردد الرجل في القيام بواجباته الأسرية والعائلية وتصور كيف تكون الحياة البشرية بعد ذلك، إنه كلما استطاع إنسان أن يتغلب على بخله وشحه توجد في الحياة البشرية دائرة من الخير وكلما عمت هذه الظاهرة كثر الخير وعم لذلك كثر في الكتاب والسنة الحض على الإنفاق الخالص لدرجة أن ربط القرآن الكريم بين مقام الإنفاق وزكاة النفس، قال الله تعالى: «الذي يؤتي ماله يتزكى» الليل (18).
لقد رأت هذه الشابة العروس بعين عقلها الثاقب ما يفعله الإرهاب من فعل منظم من أفعال العنف أو التهديد به وما يسببه من رعب وفزع من خلال أعمال القتل أو الاغتيال أو حجز الرهائن أو اختطاف الطائرات أو السفن أو تفجير المفرقعات أو غيرها من الأفعال الإجرامية مما يخلق حالة من الرعب والفوضى والاضطراب لأهداف سياسية ورأت بأن قتل الأبرياء والآمنين وحراس الوطن وعيونه الساهرة المرابطين في الثغور والمواجهين لهذا الإرهاب أهم من مهرها وصداقها المتواضع وأنه من واجبها أن تضحي بهذا المهر المتواضع بالنسبة لتضحيات الشهداء من الجنود والضباط المجهولين الذين يحمون الوطن ويعملون على استعادة الأمن والسكينة للناس التي هي اهم من ألف مهر وصداق.
فأصبحت هذه الشابة العروس المبادرة بالتبرع بمهرها لصالح دعم مواجهة الإرهاب قدوة وأسوة يحتذى بها بل وسجلت موقفاً نادراً في هذا الزمان في مكارم الأخلاق والسمو فوق حطام الدنيا الفانية إرضاءً لله ثم طمعاً في خير الآخرة التي هي الحياة الحقيقية الباقية وما عداها زائلة فقد مهدت هذه العروس الطريق أمام من سيبادر مثلها لنصرة جهود مكافحة الإرهاب الذي هو من أخطر القضايا المعاصرة ومازال الناس حتى هذه اللحظة يتجرعون مرارته منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل وهذا الإرهاب هو رديف لصورة الشر والظلم وإبليس التطرف والقمع والذبح المسلح.