أحدث باراك اوباما هزتين كبيرتين في الشرق الاوسط خلال العام الفائت، اولاهما تراجعه عن توجيه ضربة عسكرية الى نظام الاسد رغم تأكيده المتكرر بأن الاسد هو المسؤول عن الهجمات بالسلاح الكيماوي، بحيث فتح الباب واسعاً امام الافلات من العقاب الذي كان انتقده مرارا ووعد بوقفه، والثانية مفاوضاته السرية المباشرة مع ايران والتي لم تسفر اقليمياً عن اي نتيجة ملموسة توحي بوقف الهجمة الايرانية في المنطقة.
كانت الهزتان النتيجة الواضحة للتحول الكبير الذي اعتمده الرئيس الاميركي في مقاربة السياسة الخارجية: اميركا أولاً واسرائيل ثانياً... ولا ثالث لهما. وهكذا تُرك السوريون لمصيرهم فيما حربهم الاهلية تتأجج اكثر فأكثر بلا اي أمل في حل ممكن، وتواصل ايران وادواتها في المنطقة سياسة قضم الاستقرار واستبدال نفوذها به، وازالة العقبات التي تواجهه واحدة تلو الاخرى، مثلما حصل قبل ايام في لبنان مع اغتيال الوزير السابق محمد شطح.
لم تعد الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي الوحيد في العالم، ولم تعد كلمتها مسموعة. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي صار الجميع ينتظر موقف واشنطن كلما طرأت مشكلة كبرى في بلد ما. لكن الحال تغيرت بسرعة وصارت هناك بدائل عدة من الاميركيين. اوروبا تتحرك وحدها تقريبا حماية لمصالحها ونفوذها بعدما ادركت ان التباين مع الولايات المتحدة يتعدى التفاصيل الصغيرة الى جوهر العلاقة بين الطرفين، خصوصا بعد فضيحة التجسس على قادتها، وبعدما استنتجت ان الحرص على التشاور قائم من طرف واحد فقط. اما روسيا فلا توفر فرصة لاثبات انها موجودة وبقوة على الساحة الدولية، وانها تنشط بفاعلية لحماية قواعدها الاقليمية مثلما تفعل في سورية واوكرانيا وجورجيا. فيما الصين التي تعمل بصمت تمسك بيدها مقادير اقتصادية هائلة توفر لها حصانة في وجه الاميركيين الذين يحتاجون بلايينها.
اما على الصعيد الاميركي الداخلي، فقد دفعت النتائج الكارثية المتوقعة خلال الولاية الثانية لاوباما بعض الاميركيين الى مقارنتها بالولاية الثانية لجورج بوش الابن التي جرّت ويلات كثيرة على مواطنيه كان ابرزها الانهيار الاقتصادي والمالي الذي ورط بلاده والعالم فيه وسلسلة الحروب الدولية المكلفة وغير المجدية. لكن مشكلات اوباما قد تكون اكبر. فالترجيحات تشير الى ان حزبه الديموقراطي قد يخسر سيطرته على مجلس الشيوخ، وان منافسه الجمهوري سيعزز في الوقت نفسه سيطرته على مجلس النواب، ما يعني ان الرئيس سيواجه في الفترة المتبقية له اكثرية في مجلسي الكونغرس تعارض سياساته وتعرقل مشاريعه المترنحة اصلا. وقد يكون نصيبنا في الشرق الاوسط انعدام اي دور اميركي ضروري لحفظ التوازن ووقف الهجمة المنسقة بين طهران وموسكو.