هذا هو الشق الأول العاجل، الذي لن تستقر معه الأوضاع في مصر بسبب ذلك الإرهاب العلنى والمستتر. والتصالح مع الإرهاب لا يجدي ولا يفيد، لأن ذلك مرض أخطر من السرطان وفيه شق نفسي، ويحتاج إلى علاج حاسم، حتى تستقر الأوضاع، وحتى لا ينظر العالم الخارجي إلى مصر على اعتبار أنها دولة عاجزة عن مواجهة الإرهاب، ومن ثم فإنها تحتاج إلى ما يسمى بالمساعدة الخارجية، وهذا أول الخيط للتدخل الأجنبى الذي لن يأتي بخير أبداً.
وقد رأينا بوادره في كثرة اللقاءات والضغوط والزيارات للسجون، وأماكن التحفظ على الرئيس المعزول. ورأينا بوادره في زيادة التوتر، وأعمال العنف بل والإرهاب في سيناء، قتلاً وتفجيراً ومطادرة وخطفاً للجنود وتكديساً للسلاح، وتهديداً للأمن الوطني والقومي بشكل عام.
وهذا الشق العاجل من مشكلة سيناء، هو أخطر تهديد تواجهه مصر حاليا، ويستدعى ذلك الشق تأجيل الصراع الداخلي، بل وإعادته إلى الشكل الطبيعى والحجم الطبيعى وهو التنافس السياسي، بدلاً من تأجيج الصراع الذي لن يفيد أحداً، حتى لو كان «مرسى» في السلطة مرة أخرى. التدخل الأجنبى مع الصراع الداخلى أفقد المجاهدين في أفغانستان السلطة بعد صراع طويل لعقدين من الزمن، ومكّن الأمريكان من اختيار الرئيس الأفغاني كرازاي، وتهيئة ما يسمى بالبيئة الديمقراطية والانتخابات الشرعية لفوز كرازاى، وكل تدخل أجنبى له «الكرازاي المناسب. شهدنا ذلك في معظم الصراعات التي تدخل فيها الأمريكان إن لم يكن كلها.
ونحن لا نرى «كرازاي» مصر اليوم ولا نعرفه، لأننا لا نريد أن نراه بيننا، ولكن بالتأكيد فإن أمريكا إما أن لديها من تعتبره كرازاي مصر في المستقبل، وإما إنها تعده وتؤهله لهذه المهمة حاليا وبعيدا عن الأضواء، وربما بالتفاهم مع الحركة الصهيونية العالمية وليس إسرائيل وحدها، فهل يقبل الشعب المصري الأبي بذلك؟. بالتأكيد الشعب المصري لا يقبل بذلك، ولكن تهيئة الأجواء للقبول بمعركة أخرى لا أحب أن نراها فى البيئة المصرية لخطورة ذلك. ولإبعاد هذا الشبح نحتاج أن نقف صفاً واحداً في خدمة الدولة، ومواجهة شبح هذا الإرهاب السيناوي أو السلفي الجهادي، كما يطلق على إحدى أبرز المنظمات التى تؤمن بالعنف وتستحل دماء المصريين وغيرهم بهذا الاعتقاد الخاطئ فى ظني، ولا أجد له مبررا أو لا أجد عليه دليلا شرعيا معتبراً.
وأستطيع أن أقول بكل تأكيد، إن «كرازاى» الذى تفكر فيه أو تعمل أمريكا على تهيئته لمستقبل مصر، أو كان من البدائل الأمريكية المعروفة فى استراتيجيتها وسياساتها الثابتة، سواء عرفناه اليوم أم لم نعرفه، لن يكون من شرفاء مصر ولا من أحرارها، إسلاميين كانوا أو ليبراليين، ولكن وبكل تأكيد سيكون ممن لهم باع طويل أو استعداد واضح لقبول القواعد العسكرية الأجنبية، وكذلك لتمرير المخططات الغربية لمصر وفى مقدمتها مخطط التقسيم الذى تزعمه من وقت مبكر، الثعلب العجوز الصهيوني «كسينجر» ومعه «برنارد لويس» المتصهين كذلك. هذا بخلاف المهام الأخرى التى يجب أن نرفضها جميعا، كما يجب أن نرفضه قبل مجيئه، وكلنا ثقة فيمن يحمي أمن هذا الوطن ووحدته، وقدرتهم مع الشعب على مواجهة المخططات الخارجية لمصر.
هذا الشق الأول العاجل من مشكلة سيناء، وهو يستوجب، أن يتخلى الجميع فى مصر عن أولوياتهم الجزئية القاصرة والحزبية الضيقة، واحترام أولويات الوطن الأهم والأعجل، وهي وحدة الوطن وأمن الوطن. ومواجهة هذا الشق أيضاً تحتاج إلى تصفية النزاعات السياسية وفض الاعتصامات بالطرق القانونية السلمية، وتقديم مصلحة الوطن على كل مصلحة أخرى حتى لا تصنف مصر ضمن الدول العاجزة عن مواجهة الإرهاب، أو المحافظة على حريات وكرامة وحقوق الأقليات، ومن ثم يكون هناك مبررات للتدخل الأجنبي الذى يقدم نفسه دائما على أنه المنقذ من الفشل أو الإغاثة التى لا غنى عنها لمن يعجز عن حل مشكلاته بنفسه.
أما الشق الثاني فهو شق قديم لا يسقط بالتقادم، وهو تعمير سيناء. وهذا الشق يحتاج إلى البدء فورا وبلا مواربة فى التعمير الممكن، وفي الأماكن التى يمكن فيها هذا التعمير، بعيدا عن العنف والإرهاب الذى يعوق تلك المسيرة الحيوية فى التنمية والتقدم، ومن ثم إمكانية التفوق الذى يجب أن يكون هدفاً للجميع كذلك، وهذا لا يمكن أن يتم فى وجود أي «كرازاي».