في رياضة التزحلق على الأمواج، وكذلك في الثورات، إذا لم تستغل قمة الموجة وتركتها تهرب منك لن تصل إلى الشاطئ أبداً! فالرياضي الذي يقف على اللوح في منتصف البحر ينتظر الموجة حتى يقفز معها إلى الشاطئ ويأخذ منها أقوى دفعة وينتظر أعلى قمة لها فيحقق بذلك الفوز والانتصار والرقم القياسي، لكنه لو انتظر أو فوّت هذه الموجة وخاف وارتعش وأغمض عينيه رعباً من تلك الموجة الهادرة القوية ستخفت حدتها وتهدأ وتموت، بالطبع سيعيش الرياضي بعدها ويأكل ويشرب ويتناسل، لكنه لن يفوز ولن ينجز ولن يحقق تفوقاً ولن يحفر اسمه في قائمة الأبطال، سيصبح رياضياً عادياً ممارساً للعبة التزلج على الموج، لكنه لن يصبح بطلاً، كذلك الثورات إذا فات صناعها «الكليماكس» أو ذروة الموجة وتركوها لتخمد وتتآكل قوتها وتصل لمرحلة الجزر والانحسار والتلاشي والخمول فهذا هو الموت حياً، وهذه هي الخسارة البشعة والضياع المؤكد والخيبة الثقيلة، سيعيش شعباً يأكل ويشرب ويتناسل لكن قدره المحتوم ألا تعيش له ثورات، منحنا الله قمتين لموجة ثورة 30 يونيو، القمة والذروة الأولى في تاريخ ميلادها ثم الثانية يوم 26 يوليو، ومنحنا الله من أسهم في إشعال جذوتها في المرة الأولى بواسطة شباب «تمرد» ثم قبل أن تخمد نفخ النار فيها للمرة الثانية وزير الدفاع بطلب التفويض، لكن الخوف كل الخوف أن تموت الثورة بـ«اسفكسيا» البطء والتراخي والروتين والفكر التقليدي والانهزامية ومحاولة إرضاء الجميع المستحيلة فتخمد موجة الثورة وتخمد معها كل أحلام هذا الشعب الرائع الذي خرج في الشوارع بالملايين وأبهر العالم وعلّم الدنيا كيف تصنع الثورات وتحطم الأساطير! إذا ترجمنا مظاهرات 30 يونيو على أنها خروج ضد «مرسي» فقط فنحن نهين تلك الثورة ونتفهها ونختزلها إلى مجرد احتجاج على ظروف معيشية خانقة ونقص سولار وقطع كهرباء، عظمة وجلال تلك الثورة أنها قامت من أجل فكرة، قامت ضد النصب والدجل باسم الدين، كان لا بد من استغلال ذروة الموجة لصياغة دستور جديد يستعيد الدولة الوطنية المدنية دون جماعة إخوان أو أحزاب دينية أو قهر إبداع أو فن أو تفكير تحت راية التكفير أو أي مسمى، كان لا بد من استغلال ذروة الموجة لرفع شعار شعب ضد الإرهاب والتخلص من الميوعة اللفظية و«المياصة» الفكرية والتردد السياسي بطرح أفكار من قبيل: «دول حبايبنا وفصيل وطني محترم ونتصالح معاهم»... إلى آخر تلك الأوهام التي نضحك بها على أنفسنا تجاه من يضع السكين على رقبتك استعداداً لذبحك ويبرر ذلك محاولاً إقناعك بأنه سيسبق الذبح بالتكبير والبسملة!! لا ينفع أن تتحرك مع صاروخ الثورة بمنطق السلحفاة وبشعار الاستمارة راكبة الحمارة التي كتبها المبدع العبقري فؤاد حداد والتي نعيش تفاصيلها اليوم، الاستمارة عند عدلي راحت من عدلي للببلاوي ومن الببلاوي لمحمد إبراهيم ومحمد خايف يمضي على الاستمارة، دخلت عند النائب العام فطلب ملحق الاستمارة والختم وخريطة رابعة، وأتاري الختم عند مرسي والخريطة عند الشاطر، خلاص نجيب له أشتون تطلب الختم وحسن مالك يجيب لنا الخريطة وهلم جرا... والمسمار عند النجار والنجار عايز منشار والمنشار عند الحداد والحداد عايز بيضة والبيضة عند الفرخة والفرخة عايزة قمحة والقمحة عند التاجر والوزير عايز تصريح والتصريح عند الناشط والناشط عايز رابعة ورابعة عايزة أمريكا... وهكذا دخلنا بيت جحا ومتاهة حاوريني يا طيطا وغرقنا في تفاصيل نكتة كرة البنج بونج الحمرا! وهكذا تخمد الموجة الثورية وتموت وتتحول إلى زبد وتنكسر على شاطئ الأحزان، الحقوا قمة الموجة قبل أن يجرفنا الطوفان ويقتلعنا الإعصار.